يبدو أن الجهات الراغبة في جعل المغرب بوابة للتطبيع مع الغاصبين الصهاينة قررت منذ مدة أن تصم آذانها عن كل احتجاجات الشعب المغربي، وتمضي في مشروعها التطبيعي. ففي الوقت الذي يحتفل فيه الصهاينة بفتح كنيس جديد في القدس المحتملة، ليس مجرد كنيس؛ بل هو كما تدعي أساطيرهم المؤسسة لأوهامهم، منطلق بناء جبل الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وهي الأسطورة التي تعتبر اليوم الثلاثاء (السادس عشر من مارس) بداية العد العكسي لهدم المسجد الأقصى الذي بدون هدمه لن يُبنى جبل الهيكل المزعوم. وفي الوقت الذي تعربد فيه دولة الغصب والاحتلال منتهكة كل الشرائع الوضعية والسماوية بانتهاك حرمات أصحاب الأرض الفلسطينيين قتلا وتشريدا وحصارا الذي تجاوز الألف يوم. في هذا الوقت، تتباهى هذه الجهات المتواطئة بالإعلان صراحة عن استقبال عشرة صهاينة يمثلون الكيان الصهيوني الغاصب للمشاركة في مؤتمر الهجرة والحداثة الذي سينطلق يوم غد الخميس بمدينة الصويرة ؛ التي ظلت على مدى القرون نموذجا للتعايش بين المسلمين واليهود، والتي يراد لها اليوم التعايش مع الصهاينة. وكأن الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة و المضطهد في الضفة الغربية ليس من إخواننا الذين سنُسأل عنهم أمام خالقنا. وكأن المسجد الأقصى الذي لم يبق على هدمه إلا ضربة معول ليس أولى القبلتين ولا ثالث الحرمين الشريفين. إن للمغرب انتماء عميق لعالمه العربي والإسلامي، وله سجله في مبادرات الدفاع عن الأقصى منذ احتضانه تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي وميلاد لجنة القدس التي ما يزال يرأسها لغاية اليوم، كما كان لسياسته المتفاعلة لتطورات القضية الفلسطينية دور في تعزيز مكانته في الساحة الدولية والتحول إلى فاعل عوض أن يحشر في مجرد تابع يزكي مبادرات الآخرين، وللأسف يأتي اليوم من يستغل انتماءه وانفتاحه لخدمة مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وذلك من بوابة دراسة إشكالية هجرة اليهود المغاربة والتي انطلقت منذ نهاية العشرينيات من القرن الماضي ونشطت فيها الحركة الصهيونية لتهجير المكون اليهودي في المجتمع المغربي، وهو ما قلص عدد الطائفة اليهودية إلى حوالي ثلاثة آلاف بعد أن كان العدد يتجاوز300 آلف يهودي في الأربعينيات. إن المطلوب فتح ملف الهجرة لمحاسبة المتورطين فيه خاصة بعد أن كشف الأرشيف الإسرائيلي بهرتسيليا عن تورط الحركة الصهيونية والموساد في تنفيذ عمليات إرهابية وإرسال خلايا مسلحة لتسريع مسلسل الهجرة واستغلال تدين اليهود المغاربة من أجل التحول إلى وقود في مشروع استعماري عنصري استيطاني. والمطلوب كذلك أن يستحضر المغرب كل أبنائه المهاجرين في الخارج سواء كانوا يهودا أو مسلمين، خاصة وأن اليهود المغاربة من غير الإسرائيليين يمثلون ما يناهز 300 ألف من مجموع المغاربة المقيمين بالخارج، لكن أن يتحول السعي إلى دراسة هذا المكون إلى ورقة يستغلها البعض لجر المغرب إلى التطبيع فهذا مرفوض ومدان أيا كانت الدواعي والأهداف.