أن تنظم مؤتمرات ونقاشات حول التسامح أو التعايش بين اليهود والمسلمين فهذا مطلوب، وربما تعكس التجربة المغربية أحسن النماذج التي يمكن أن تساق لإبراز مظاهر هذا التعايش، وكيف كان يعيش اليهود في ظل الدولة المغربية الإسلامية قبل أن تتدخل المنظمات الصهيونية، وتدبير مشروع واسع لتهجير اليهود المغاربة، وينخرطوا في لعبة الفرقة المقيتة التي تفصلها العديد من الكتب المختصة في الشأن اليهودي في المغرب، ولعل آخرها كتاب الدكتور أحمد شحلان عن اليهود المغاربة من منبت الأصول إلى الفرقة. أن تمضي النقاشات واللقاءات في إطار تعزيز الروح الإسلامية التي كانت تؤطر هذا التعايش التاريخي الفريد بين المسلمين واليهود المغاربة، هذا شيء مطلوب ولا يمكن إلا أن يعزز اللحمة الداخلية للشعب المغربي، ويجعل تماسك نسيجه عنصر قوة ومركز جدب لبقية الأمم. لكن، أن يتم توظيف قضية التعايش اليهودي الإسلامي ذريعة للتطبيع مع الكيان الصهيوني عبر استضافة مسؤولين قتلة ومجرمي حرب بإجماع العالم وعدساته وفضائياته، فهذا ما لا يمكن أن يكون مقبولا. بل هذا ما سيدفع دعاة أطروحة الخلط بين اليهود والصهاينة إلى إيجاد مبرر لتقويض أسس التسامح والتعايش في المغرب. ما معنى أن يتم استدعاء مجرمي حرب يعتبرون نماذج عالمية لتدير ليس التعايش بين المسلمين واليهود، ولكنهم نماذج حقيقية لأعداء الإنسانية ولمجرمي الحرب في مؤتمر بمدينة مراكش خ هذا إن صحت الأخبار التي نقلتها مجلة ٌم شمٍَِّ المغربية- وذلك تحت دعوى تعزيز التعايش اليهودي الإسلامي، وما الرسالة التي يمكن أن نلتقطها عن مفهوم التعايش والتسامح بين المسلمين واليهود الذي يراد لأرض المغرب أن تكون مبشرة له بل ومنطلقا لتسويقه؟ وهو المؤتمر الذي سيستضيف الرئيس الممثل للمنظمات اليهودية في فرنسا، تلك المنظمة التي ظلت تمثل صوت اللوبي الصهيوني في فرنسا بحسب شهادة الأسبوعية نفسها، ولا تزال تجثو بثقلها الإعلامي الوازن في فرنسا وتهاجم كل الذين يعارضون، مجرد معارضة، لسياسة الكيان الصهيوني، إلى درجة أن رئيسها، كما ذكرت ذلك المجلة التي استقينا منها الخبر، لم يتردد في حفل عشاء منظمته السنوي في مارس 2009 في أن يعتبر أن من يريد أن يكون ضد الصهيونية، فهو يتموقع في خط المطالبين بتدمير إسرائيل كما يفعل أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية. ماذا يعني أن يستضاف هؤلاء؟ وما الذي يمكن أن يقدمه هؤلاء للتعايش اليهودي الإسلامي؟ يبدو اليوم أننا أمام مسافة فارقة وحاسمة بين مفترقي طرق، كل له علاماته الظاهرة، فمسار التطبيع واضح لا يمكن أن يتم التلبيس عليه أو تغطيته بأردية أخرى لإخفاء قبحه وخطورته، ومسار التعايش بين المسلمين واليهود المغاربة، هو مسار تاريخي رعته التجربة الإسلامية في ظل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب. أما أن يتم توظيف التعايش بوابة عبور للتطبيع، فهذا ما يطمس التاريخ، ويمحو الذاكرة، ويقلب الحقائق، فيصور مجرمي الحرب كما لو كانوا حمائم للسلام والتسامح. كما أنه يشوه صورة المغرب وسمعته ويشوه مواقفه ويجعله معولا لكسر المقاومة والممانعة، ومنفذا لاختراق ثقافي وسياسي صهيوني خطير يصعب أن نتوقع آثاره القريبة فضلا عن البعيدة. يبدو أننا في حاجة اليوم إلى ممانعة ثقافية قوية، تفضح هذه المسارات المشبوهة التي تستعين بالتعايش لقتل التعايش، وتستثمر جو التسامح الموجود في المغرب لبناء الكراهية والعنصرية التي تعززها الصهيونية ليس فقط للإسلام ولكن لكل الشعوب.