ظهرت أخيرا أفلام مغربية تتناول موضوع اليهود المغاربة، وهجرتهم الى فلسطينالمحتلة. وقد تناولت هذا الموضوع تارة من زاوية التعايش السلمي، وتارة من زاوية النبش في الذاكرة الوطنية ومآسيها ، وقد أثارت هذه الافلام مجموعة تساؤلات نطرحها في هذا المقال، محاولين اكتشاف خيوط توصلنا إلى الاجابة عنها . هل بالفعل ان الدافع الحقيقي إلى إنتاج هذه الافلام هو البحث في التاريخ وابراز خصوصية التعايش؟، ام هو استجداء لمساعدات مادية غربية من جهات سينمائية ؟ آم هما معا؟.ما هي الصورة التي تقدمها هذه الافلام لليهود المغاربة؟ هل هي صورة تحكمها الموضوعية والبحث التاريخي، ام تحكمها اعتبارات سياسية وتجارية ؟ لماذا يتم التركيز في هذه الأشرطة على الطقوس والعادات والرموز الدينية اليهودية؟ من جهة أخرى؛ لماذا لا يركز المخرجون على نشاط الحركة الصهيونية بين اليهود المغرر بهم، في وقت تطرح فيه الهجرة كمعطى ديني تاريخي ؟ هل هو الانجرار الى خلفية تطبيعية مع الكيان الصهيوني عن طريق السينما ؟ وأخيرا لماذا انخرط فجاة مجموعة من الممثلين المغاربة في هذه الافلام؟ هل هي مسالة إغداق اموال اومسالة تكسير الحاجز النفسي لدى المشاهد المغربي؛ الذي يتعاطى مع القضية الفلسطينية بحساسية قوية ؟ الجذور من المعروف تاريخيا أن الموقف الأوروبي الشعبي اتجاه اليهود اتسم بالعنصرية والاضطهاد؛ نظرا لما ورد في الإنجيل حول اليهود ومحاولتهم صلب المسيح، وبالمعاملات التجارية الربوية. وقد امتد هذا الموقف عبر التاريخ إلى يومنا هذا، كما انه انعكس على الأدب الأوروبي، حيث كان شكسبير أول من عكس صورة اليهودي المرابي والجشع؛ من خلال شخصية شايلوك في مسرحيته تاجر البندقية. مع ظهور السينما لم يتغير الموقف كثيرا؛ رغم محاولات بعض الأفلام الأوروبية والأمريكية إظهار اليهودي كشخصية مضطهدة في أوروبا، خصوصا من قبل النازية. لكن مع قيام الكيان الصهيوني واستحواذ بعض اليهود الصهاينة على كبريات الشركات السينمائية تغيرت الأمور، وأصبح صورة اليهودي مختلفة وتقدم أحيانا في صورة منقذ العالم. فيما يخص السينما العربية وبالتحديد السينما المصرية، فشخصية اليهودي لم يكن لها وجود حقيقي إلا في أفلام المخرج توجو مزراحي الكوميدية خلال الثلاثينيات، حيث قام بدور البطولة فيها الممثل اليهودي تشالوم، على غرار مجموعة من الممثلين والممثلات اليهود الذين ولجوا عالم السينما، والذين في بعض الأحيان كانوا يغيرون أسماءهم إلى أخرى عربية. هذه الفترة تعكس اندماج اليهود في المجتمع المصري، رغم انخراط بعضهم في المشروع الصهيوني. لكن مع أحداث التفجير التي قام بها عملاء الموساد فيما عرف بفضيحة لافون، أصبح التعامل مع الشخصية اليهودية في السينما المصرية أكثر حدة، كما هو حاصل في فيلم شياطين الجو(1956) لنيازي مصطفى وارض السلام(1957) لكمال الشيخ. على انه بعد اتفاقيات كامب ديفيد اتجهت السينما المصرية إلى موقفين مضادين كما عبر عن ذلك فيلمين مهمين . الأول لكمال الشيخ بعنوان الصعود للهاوية الذي يبين صعوبة التعايش بين الجانب المصري والإسرائيلي. والثاني إسكندرية ليه ليوسف شاهين الذي يطرح تعايش اليهود في المجتمع المصري كجزء من نسيجه، وان رحيلهم كان اضطراريا. كما كانت شخصية اليهودي موجودة غالبا في الأفلام الدينية والتاريخية، حيث اقترنت بصورتين متناقضتين، صورة اليهودي المعادي للإسلام ولنبيه، وهي السائدة، وصورة اليهودي المسالم، وفي بعض الأحيان المعتنق للإسلام. على أن السينما التونسية هي الأخرى تطرقت إلى شخصية اليهودي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، مع المخرج نوري بوزيد، خصوصا في فيلم رجل الرماد(1986) الذي لاقى انتقادات واسعة من قبل الجمهور وأغلبية الفنانين العرب، بل إن السينما التونسية، كمثيلتها المصرية، جاءت عن طريق مواطنين يهود مثل اليهودي التونسي ألبير صمامه الشيكلي الذي اخرج عدة أفلام مثل زهرة (1922) وعين الغزال أوبنت قرطاج كأول فيلم تونسي مطول. في التسعيينيات ستعرف السينما التونسية سلسلة أفلام موقعة من قبل مخرجين فرنسيين ذوي أصول تونسية يهودية مثل سيرج مواتي وارييل زيتون... أو مخرجين تونسيين مثل المخرجة سلما بكار مع فيلمها حبيبة مسيكة الراقصة التونسية اليهودية أو المخرج رضى الباهي الذي زار اسرائيل بعد خروج فيلمه الخطاف لا يموت في القدس. هذه الأفلام ستكون لها انعكاسات على السينما العربية في تعاملها مع شخصية اليهودي. اليهود المغاربة من الطبيعي أن تحضر شخصية اليهودي في السينما المغربية، ذلك ان اليهود عاشوا في هذا البلد قبل هجرتهم الى فلسطينالمحتلة، وما زال القليل منهم يعيش في موطنهم الأصلي، وذلك في حدود 3000 ومنهم من فضل البقاء على الهجرة انطلاقا من عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي. لكن قليلة هي الأفلام المغربية التي احتوت على شخصية اليهودي. ربما تظل أفلام مثل للاحبيلمحمد عبد الرحمان التازي (1996) وكيد النسا لفريدة بليازيد (1999) وجارات أبي موسى للتازي كذلك... هي الأفلام التي تطرقت لشخصية اليهودي كطبيب اوعالم اورجل أعمال ناجح في أوربا ، في إشارة منها إلى التعايش الثقافي الحاصل بين المسلمين واليهود المغاربة مع مراعاة خصوصيتهم الدينية. لكن وفق رؤية فنية معتدلة وموضوعية. وفي فترة التسعينيات بدأت بوادر التطبيع السياسي والثقافي تطفو على السطح، حيث توجت بذهاب بعض المثقفين والفنانين إلى الكيان الصهيوني. وبإقامة الأيام الثقافية الاسرائيلية في الدارالبيضاء سنة 1996 ، التي تضمنت عرض افلام سينمائية، وتقديم عروض للغناء والرقص والموسيقى ومواد خاصة بالاطفال. وقد عرفت ردود افعال شعبية قوية. هذا لا يعني ان الافلام المذكورة كانت تسعى الى التطبيع ، لكنها ساعدت على تجاوز الحاجز النفسي لدى المشاهد المغربي في تعامله مع اليهود كمساندين للاحتلال الصهيوني اوغير مساندين. بعد ذلك ظهرت أعمال سينمائية أكثر جرأة في التعامل مع هذا الملف الملغوم، وإلا كيف يفسر خروج فيلمين مغربيين إلى الوجود دفعة واحدة يتحدثان عن هجرة اليهود دون مساءلة لشرعية هذه الهجرة؟ ونعني هنا فين ماشي يا موشي؟ لحسن بنجلون ، ووداعا امهات لمحمد اسماعيل ، دون الحديث عن فيلم ماروك لليلى المراكشي ذي الطابع العنصري. وهذا ما حدا بأحد النقاد السينمائيين الى القول إنه >من خلال ما أظهرته هذه الأفلام المغربية على ندرتها يتبين أن الخطابات التبريرية من قبيل اليهود المغاربة وطنيون، متعايشون، كانوا ضحية للاستعمار (كما أظهر فيلم وداعًا أمهات)، أو ضحية المغالطات الصهيونية (فيلم فين ماشي يا موشي)<. هذا في حين نجد هذه الأفلام تتجاهل بشكل شبه كلي جرائم الاحتلال الصهيوني والموقف من الصهيونية كحركة عنصرية استيطانية استعمارية. على أن مثل هذه الافلام لم تكن ترى النور لو لم تحصل على تمويلات أجنبية فرنسية بالأساس. وهذا ما يفسر مشاركة هذه الأفلام في مهرجانات يهودية للسيفراديم بأمريكا وكندا. بل من هذه الأفلام من حطت في إسرائيل حسب بعض المواقع الإسرائيلية. وهذا يوضح مدى تلهف مخرجي هذه الأفلام على الربح المادي الذي توفره لهم، ناهيك عن الخلفية الايديولوجية والتي تتجاوز الحد الفاصل بين الموقف من اليهودي كإنسان واليهودية كدين وبين الصهيونية كإيديولوجية استعمارية. ولهذا ينبغي الحذر في الاشتغال السينمائي من الوقوع فيما وصفه أحد النقاد بأن >المسألة تكمن في الدعاية المجانية للأطروحات الصهيونية. فمهما تسترنا حول التناول الفني والأطروحات (الإنسانوية) لا يمكن أن نبرر همجية (إسرائيل) في وجه فلسطين بأي مبرر فني كيفما كان<. وهنا نطرق باب الممثلين المغاربة الذين شاركوا في هذه الأفلام والذين أبانوا عن قدرات فنية هائلة لم نشاهدها لهم من قبل خصوصا الذين تقمصوا دور شخصيات يهودية، وكأنهم يحاولون الدفاع عن رؤية المخرج بل الانخراط في بعض الأحيان في ايديولوجيته. ونستحضرهنا كلام الممثل السوري جمال سليمان في حديثه عن مسؤولية الممثل: الممثل ليس مرتزقا أحمق أوحجر شطرنج أودمية، بل هو مساهم مبدع وإنسان مفكر، وكائن اجتماعي من واجبه أن يساهم في صياغة العمل، وذلك لسبب بسيط؛ أنه هو الذي يتلقى الانتقادات من الناس وقبل المخرج في كثير من الأحيان. واضاف ايضا :نحن في النهاية نعمل للجمهور، ولا يجوز لنا أبدا أن نعتبر الجمهور جاهلا، ولا أن نستغل جهله إن وجد، بل على الفنان الحقيقي أن يساهم في تطوير ذوق ووعي المشاهد. فهل يستحضرون ممثلينا هذا التصور لدور الممثل اوان المسالة لا تعدوان تكون مرتبطة بالجانب المادي؟ إن الانطباع الذي يتولد لدى المشاهد وهو يرى الفيلمين المغربيين فين ماشي يا موشي ووداعا امهات هو ان المخرجين يدفعان به إلى استساغة وقوع اليهودي المغربي ضحية الهجرة، خصوصا عندما تمتزج بالمعاناة والالم وتصاحبها موسيقى تؤثر على وجدان المشاهد. وهذا، وإن كان صحيحا في شق منه لسبب من الدعاية الصهيونية المضللة، فلماذا لا يقع التطرق لجرائم هذه الدعاية والاكتفاء فقط بمحاكاة لافلام اجنبية طرحت مشكل هجرة اليهود بعد اضطهاد النازية لهم كما صرح بذلك احد المخرجيين المغربيين. شرعية السؤال إن التعاطي مع موضوعات حساسة مثل هجرة اليهود، في ظرفية تتسم بالحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، بل في وقت قامت فيه بعض المنظمات اليهودية الغربية بالدعوة إلى خروج المحتل من ارض فلسطين العربية، يقتضي التسلح بأعلى درجات المهنية والموضوعية، وتجنب بعض الانزلاقات التي قد يجعل من العمل الفني برمته أداة لخدمة جهات معينة. مما يفقده مصداقيته ومصداقية أصحابه، وهنا تبرز أهمية المقاربة الموضوعية والتاريخية والهوياتية في تقديم رؤية متوازنة تجنب الوقوع في خدمة سياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني.