سافرت إلى مدينة أخرى تبعد عن مدينتي بأزيد من 200 كيلومتر لزيارة أقاربي لمدة يومين، وعند تواجدي عندهم صليت صلاتي كاملة دون جمع أو قصر، فهل يجوز لي ذلك؟ أم أن القصر واجب؟ أما صلاتك كاملة فصحيحة، وقصارى ما في الأمر أنك رغبت عن ما ندب الله تعالى إليه، وما أمر به وطبقه صلى الله عليه وسلم، حيث لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الرباعية أربعا قط في سفر من أسفاره. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في السفر لا يزيد على ركعتين..الحديث. نعم، يجوز الإتمام عند الخوف بسبب الجهل أو غيره كما أتم عثمان الرباعية ولم يصل ركعتين. ولما بلغ عبد الله بن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (متفق عليه). فصلى عثمان بن عفان رضي الله عنه بالإتمام وإن عارضه ابن مسعود وقد صلى وراءه وإن خالفه؛ وهذا من فقه ابن أم عبد خوفا على الأعراب حديث العهد بالإسلام أن يعتقدوا بعد رجوعهم إلى بلدانهم أنهما اثنتان، فيلزموها ويحتجون بأنهم صلوا وراء الخليفة الراشدي كذلك. إن إتمام من أتم قد رغب في صدقة الله تعالى التي تصدق بها على عباده كما ورد في الحديث: فاقبلوا من الله صدقته. وأجمل ما في هذا أن المسلم تتاح له فرصة القيام بالسنة النبوية المتعددة أحوالها وأزمانها، حيث لا يجمد على سنة واحدة، وإنما يستعمل جميع أو غالب ما استعمله صلى الله عليه وسلم في مواضعه، وهذا تنبيه كثيرا ما ألمح ونص عليه الفقهاء. حتى لا تنسى السنن أولاً، وتستعمل ثانياً، ولا تحارب ثالثاً. إذ كثيرا ما تحارب السنن الثابتة بسبب قلة الاستعمال، فأسرع لها بالإهمال قلةُ الاستعمال. ولذلك كانوا يحبون استعمال جميع ما ورد، فعن عفان بن مسلم قال: أتينا حماد بن زيد يوما، وقد صلوا الصبح، فقال: إنا أحيينا اليوم سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلنا: ما هي يا أبا اسماعيل؟ قال: كان إمامنا مريضا، فصلى بنا جالسا، فصلينا خلفه جلوسا(المحلى:ص261). وبناء عليه نقول: إن الأفضل هو القصر كما هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أتم المصلي فصلاته صحيحة مجزئة إن شاء الله تعالى، والقول باستحباب القصر أولى من القول بوجوبه. وأما الجمع بين الصلوات فلا يجوز إلا عند الحاجة، وعند انعدامها المسافر والمقيم في ذلك سواء، عليهما إيقاع كل صلاة في وقتها، والله أعلم.