لي تجربة شخصية مع لجنة الحريات الدينية بالكونجرس الأمريكي تستحق أن تروى، بمناسبة الزيارة التي يقوم بها أعضاء اللجنة للقاهرة هذه الأيام. كان ذلك قبل خمس سنوات تقريبا، حين أبلغت بأن بعض أعضاء اللجنة يعتزمون زيارة القاهرة لبحث مشكلات الأقباط، وأنهم أبدوا رغبة في زيارتي بالمنزل. لم أكن أعرف أن اللجنة مخولة بتحري أوضاع الحريات الدينية في مختلف أنحاء العالم، وأنها تقدم تقريرا سنويا بهذا الخصوص إلى الكونجرس. حين زاروني وجدت أنهم مجموعة من الخبراء الذين يمثلون الديانات المختلفة. وكان أول ما سئلت عنه تقييمي لصور اضطهاد الأقباط في مصر، وما يقال عن انحياز أجهزة الدولة ضدهم. في ردي قلت إنه ثمة تفرقة ضرورية بين اضطهاد الأقباط وبين التمييز الذي قد يعانون منه. والاضطهاد يعني تعمد الانحياز ضدهم من جانب السلطة، وتعقبهم لمصادرة حقوقهم وحرمانهم مما يفترض أن يتمتع به المواطن العادي من تلك الحقوق، أما التمييز فهو سلوك اجتماعي يتحيز ضدهم بسبب معتقداتهم الدينية. أضفت أن الكلام عن اضطهاد السلطة للأقباط في مصر لا أساس له من الصحة. وهو من مبالغات بعض المتعصبين أو المهاجرين إلى الخارج، الذين يستخدمون هذه الفكرة للضغط على الحكومة وابتزازها في مصر وإحراجها أمام الجهات الخارجية، خصوصا في الولاياتالمتحدة. أما الادعاء بانحياز الشرطة ضدهم لصالح المسلمين فهو مما يندرج تحت عنوان الضغط والابتزاز، في حين أن الاشتباك الحقيقي للسلطة كان آنذاك (ولايزال) ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، وضد الناشطين الإسلاميين عموما. وافقت على أن هناك تمييزا ضد الأقباط في بعض الأوساط. وهذا التمييز له سمتان، الأولى أنه مقصور على أوساط المتعصبين، والثانية أنه حاصل على الجانبين؛ لأن التعصب موجود بين المسلمين والمسيحيين. وهو أظهر عند المسلمين بسبب كثافتهم العددية. إذ كما أن هناك بعض المؤسسات التي يقوم عليها مسلمون لا تتعامل إلا مع المسلمين، فذلك حاصل أيضا في العديد من المؤسسات التي يملكها أو يديرها أقباط. أجبت عن عدة أسئلة أمطروني بها، ولم أعرف كيف كان تقييمهم لما قلت، لكن وجدت آثار الدهشة ارتسمت على وجوههم حين قلت إن الاضطهاد الحقيقي الذى يمارس في مصر هو ضد المسلمين المتدينين عموما، والناشطين منهم خصوصا. إذ ما إن سمعوا ذلك حتى قالوا في صوت واحد: كيف؟ حينئذ أوردت الشواهد والقرائن التالية: أن مساجد المسلمين تفتح في أوقات الصلوات فقط ثم تغلق بعد ذلك، بأوامر من وزارة الداخلية التي تراقبها طول الوقت، حيث لا يصعد خطيب على منبر إلا بتصريح وموافقة أمن الدولة، وهو ما لا يحدث في الكنائس. كما أن المتدينين ممنوعون من التهجد في المساجد، أو الاعتكاف فيها خلال الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان. أن المحجبات ممنوعات من الظهور كمذيعات على شاشة التليفزيون المصري، كما أنهن ممنوعات من التوظيف في بعض الجهات الرسمية. أن الناشطين من المسلمين ممنوعون من الالتحاق بكلية الشرطة أو الكلية الحربية، وممنوعون من الالتحاق بوزارة الخارجية، أو التعيين في وظائف المعيدين بالجامعات، كما أنهم ممنوعون من الابتعاث إلى الخارج. وفي وزارة التربية والتعليم يتم نقلهم من وظائف التدريس إلى وظائف إدارية أخرى. أن أقارب الذين سبق اعتقالهم ممنوعون من التعيين في بعض مؤسسات الدولة، وممنوعون حتى من التجنيد في القوات المسلحة أو الشرطة. أن النقابات المهنية التي ينتخب فيها الإسلاميون توضع تحت الحراسة، والنموذج الفادح لذلك هو نقابة المهندسين، الموضوعة تحت الحراسة منذ ستة عشر عاما لهذا السبب. أن الإسلاميين ممنوعون من تقلد الوظائف الرفيعة في جميع مؤسسات الدولة. أن قانون الطوارئ المستمر منذ أكثر من ربع قرن (وقتذاك) لم يطبق إلا على أولئك الناشطين الذين امتلأت بهم السجون، وترفض الأجهزة الأمنية إطلاق سراح الذين أنهوا محكومياتهم منهم، أو الذين قضت المحاكم ببراءتهم. ومن هؤلاء الأخيرين من طلبت المحاكم إطلاق سراحهم 12 و14 مرة، ورفضت الداخلية تنفيذ تلك الأحكام. ظل أعضاء الوفد الأمريكي صامتين وهم يستمعون إلى تلك التفاصيل، وتمنيت عليهم وهم يغادرون أن يفكروا في السؤال التالي: إذا كان الأقباط يتعرضون للتمييز في حين أن الناشطين المسلمين يعانون من الاضطهاد، فهل تكون مشكلة مصر في هذه الحالة طائفية أم سياسية؟