تعتبر كريستين دور السرفاتي من أشهر المناضلين الفرنسيين الذين تبنوا قضية حقوق الإنسان في المغرب ودافعوا عنها لسنوات طويلة ، لقد جاءت إلى المغرب وهي شابة تم تعيينها كأستاذة للتاريخ والجغرافيا ، لكن الالتزام الذي تربت عليه ، وهي ابنة مناضل فرنسي ضد الاستعمار الفرنسي، جعلها تقف إلى جانب المناضلين اليساريين وقامت بإخفاء العديد منهم ، على رأسهم أبراهام السرفاتي . في هذا الحوار الذي أجرته الزميلة «ليبيراسيون» مع كريستين دور السرفاتي ، حديث عن الظروف التي جعلتها تتبنى قضية حقوق الانسان في المغرب، والمعركة التي خاضتها في فرنسا وبلجيكا دفاعا عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي تازمامارت، وزواجها بآبراهام السرفاتي وعودتهما إلى المغرب . { في 1963 قدمت إلى المغرب ، كأستاذة للتاريخ والجغرافيا ، هل كنت تنوين النضال من أجل حقوق الانسان إلى جانب مناضلين آخرين من اليسار المغربي ؟ لم أتخذ أي قرار قبل ذلك ، لكن طوال حياتي كنت مناضلة من أجل حقوق الانسان .لقد كان والدي مقاوما ضد الاحتلال الالماني وحكومة فيشي . وقد تربيت على النضال منذ الطفولة . نعم لقد سعيت إلى الاتصال بالمناضلين اليساريين المغاربة ، في البداية كنت في طنجة، لكني لم أعثر على شئ يذكر ، فقط التقيت بشخص أحترمه جيدا ويتعلق الأمر بالوزاني الذي كانت له آراء شيوعية . في طنجة ، وباسثتناء الدفاع عن تلامذتي عندما كانوا يواجهون بعض المشاكل ، لم أقم بشئ آخر . بعد ذلك توجهت إلى الدارالبيضاء ، وبالضبط إلى ثانوية محمد الخامس التي كنا آنذاك نسميها الثانوية الحمراء . { في 1972 قمت بإخفاء مناضلين اثنين كانت السلطات المغربية تلاحقهما ، وهما أبراهام السرفاتي والشهيد عبد اللطيف زروال ، ماهي الظروف والسياق العام لهذا الالتزام ؟ كان هناك صديق فرنسي يقطن بالرباط ، وذات مرة زارني في البيضاء وأخبرني أن هناك مثقفا مغربيا ، السرفاتي ، مبحوث عنه ويعيش في السرية ، وسألني إذا ما كنت قادرة على إخفائه . لم يكن بمقدوري أن أرفض ، فقد كان والدي خلال الحرب متخفيا بدوره ، وهكذا قبلت ، وقد أخبرني السرفاتي أن هناك مناضلا آخرا يجب أن أبحث عنه في مكان وساعة محددين ، وقد ذهبت للبحت عنه وتعرفت عليه ، ويتعلق الأمر بزورال. لقد كانا أول من أخفيت من المناضلين ، وبعدها أخفيت آخرين ، في البداية كان ذلك في منزلي ، وبعدها ، وقد كنت مقبلة على الطلاق من زوجي السابق وكان لدي طفلان في المنزل ، وجدت مخبأ آخر خارج المنزل ، فقد كان هناك أستاذ توجب عليه العودة إلى فرنسا ، فسلمني شقته وصرت أدفع إيجارها ، وهكذا أسكنتهما في هذه الشقة غير بعيد عن منزلي حتى أتمكن من التسوق وجلب ما يحتاجونه من طعام . وكان من بين القادمين الجدد المشتري والصافي وإلى الآن لا أعرف إن كان الأمر يتعلق بأسماء حقيقية . { هل كنت عضوا في هذه التنظيمات السرية ؟ لم أكن أبدا « مبطقة » كما كنا نقول في فرنسا ، لكن المناضلين الذين التقيتهم كانوا يعتبرونني عضوا في منظمتهم «إلى الأمام» { ما هي ظروف وفاة زروال سنة 1974 في ثانوية محمد الخامس بالبيضاء كنت على علاقة بمناضلي «23 مارس» و « لنخدم الشعب» وكانت لدي صديقة مرتبطة ب « 23 مارس » ذات صباح حضرت إلى منزلي وطلبت مني اتخاد الحذر بعد اعتقال مجموعة « 23 مارس » . ذهبت للقاء الرفاق المختبئين في الشقة ، وهناك عرفت أن أشياء مأساوية قد وقعت ، حيث أخبروني أن هناك احتمالا بأن لا نرى زروال أبدا . هذا الأخير كان على موعد مع عضو في المجموعة ، كان عليه الالتقاء بهذا المناضل الذي كانت الشرطة قد ألقت عليه القبض، حيث قادها إلى مكان الموعد، فتم اعتقال زروال ، اقتادوه إلى درب مولاي الشريف ولم نسمع عنه شيئا لمدة طويلة ، ذات يوم، وعن طريق منظمة «تضامن الأطباء » علمت أن شخصا توفي في مستشفى إبن رشد بسبب « إنفجار رئوي» ، وهو ما يعني أنهم قاموا بإغراقه . وقد أخبرتني المنظمة أن هذا الشخص يدعى البقالي وأنه دفن في مقبرة جماعية ، لقد حفرت هذه القصة في ذاكرتي ، بعد ذلك ، عرفت اسم زروال بطريقة أخرى : لقد رأيت جواز سفره لأنه كان يعتزم الذهاب إلى فرنسا لعقد لقاء مع منظمة إلى الأمام في باريس ، أي أنني كنت أعلم أن اسمه عبد اللطيف زروال ، وعند اعتقالي في 1974 ، تم اقتيادي إلى درب مولاي الشريف ، ) لم أتعرض للتعذيب ، ربما لأنني كنت كنت محمية بجنسيتي الفرنسية ، ولم يكونوا بحاجة إلى مشاكل أخرى مع الفرنسيين ، لأنها كانت موجودة ماداموا قد اعتقلوني ( في مركز الاعتقال ، كان هناك مسؤول أمني كبير يدعى « العمياني » ، وهو الذي جاء للبحت عني في منزلي رفقة عناصر أمنية أخرى . خلال التحقيق كان هناك عدد من المخبرين السريين يستمعون لما أقوله ، وبين الفينة والأخرى يتبادلون أطراف الحديث ، وقد كنت أنظر في أركان القاعة ، وبما أنني كنت أعرف اسم زروال رأيت فوق أحد الرفوف مظروفا كتب عليه اسم هذا المناضل . وقد خمنت أن هذا المظروف يحتوي على أشياء كانت بحوزته أو أوراقا تعود له . بعد ذلك أعادوني إلى البيت حيث فرضت علي الإقامة الإجبارية ولم يكن مسموحا لي بمغادرة المنزل لمدة شهرين ، كما أنني كنت أخضع للتحقيق يوميا من طرف عنصر أقل رتبة من «العمياني» ، كان يطرح علي بعض الأسئلة ويعرض على مفاتيح ، صور... ويسألني إن كنت أتعرف عليها ...ذات يوم ، قلت له بأني رأيت في درب مولاي الشريف مظروفا عليه اسم زروال ، فجأة استشاط غضبا ووضع يديه حول عنقي كما لو كان يريد خنقي ، بعد ذلك ، قال لي بأنهم اعتقلوا عبد اللطيف زروال وأنه « مات بين أيدينا» لم يقل « مات بسببنا» ولكن « مات بين أيدينا» . لقد صدمني ذلك جدا ، فقد كان زروال رجلا لطيفا ، كان قويا وحادا فيما يتعلق بمعتقداته ، لكن في الحياة العادية ، كان طيبا . لقد سنحت لي الظروف لأتعرف عليه طوال السنتين اللتين كان خلالهما مختبئا ، وكان يحدثني عن نفسه وعن عائلته . { كيف تم اعتقالك وما هي التهم التي وجهت إليك ؟ اعتقلت وأنا في منزلي ، كنت أباشر إجراءات الطلاق وكان زوجي وطفلتاي في المنزل أيضا . طلب مني رجال الأمن أن أرافقهم إلى مفوضية الشرطة من أجل طرح بعض الأسئلة ، وأخبروا زوجي أنهم سيعيدونني . لم يخبروني بالتهم لكني كنت أعلم أن الأمر يتعلق بإخفائي مناضلين سريين . أعتقد أنهم شاهدوني وأنا أبيع آلة نسخ ، لأن المناضلين الذين كنت أخبئهم طلبوا مني حمل هذه الآلة إلى درب غلف ، وهكذا تعرفوا علي وتعقبوني . { في 1977 تم الحكم بالمؤبد على أبراهام السرفاتي ، لتبدأ مسيرة نضالية لإنقاذه وحتى لا يلقى نفس المصير الذي لقيه زروال ، حدثينا عن هذه المسيرة والأعمال التي قمت بها لانتشاله من مخالب النظام . كان الأمر يتعلق بإنقاذهم جميعا ، وليس فقط أبراهام . لم أحارب من أجل رجل تعرفت عليه ، ولكن من أجل حقوق الإنسان في المغرب ، وعلى الخصوص من أجل أولئك الذين كنت أخبئهم ، والذين كنت أعرفهم . لقد تم طردي من المغرب سنة 1976 ، لأبدأ معركة طويلة في فرنسا وبلجيكا { ما هي بالضبط الأعمال التي قمت بها من أجل هذه القضية؟ في البداية التحقت بلجنة النضال ضد القمع في المغرب . كان أغلب أعضائها فرنسيون وكانوا صادقين ومقتنعين ، كنت أتصل بكل من أستطيع الاتصال بهم ، وأنقل إليهم ما أعرف عن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب . وأصبحت أكثر نشاطا بعد أن علمت بقضية تازمامارت ، وذلك عندما زارني ذات يوم شابان وأخبراني أنهما اتصلا بمنظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى لكنهما لم يلقيا أي مساعدة أو مساندة . سلموني رسائل سرية من تازمامارت ، وما كانت تحتويه تلك الرسائل من معاناة وآلام كان أمرا فظيعا . حاليا الكل يعرف ما هو تازمامارت ، لكن في ذلك الوقت ، لم يكن هناك من يعرف بوجود هذا السجن ، والظروف التي كان يعيش فيها المعتقلون ، لقد اهتزت مشاعري ، فالمعتقلون كانوا يموتون بكثرة ، واحدا تلو الآخر ، كان الأمر مستعجلا ، ويجب علي أن أتحدث وأجعل الآخرين يتحدثون عن هذه القضية الخطيرة . اتصلت بوزراء مثل جوسبان ، تحدثت على الأقل عبر إذاعتين ، منها إذاعة فرنسا الدولية ، كما اتصلت بقنوات تلفزية ، وكانت لجنة النضال تقوم بمبادرات مماثلة لإطلاع الناس على القمع الموجود في المغرب . { كيف خرجت هاتين الرسالتين من معتقل تازمامارت .؟ كان هناك شقيقان لأحد المعتقلين ، هما من يهربا الرسائل عن طريق حارس ينحدر من نفس منطقة المعتقل . وكما تعلمون ، فقد كان هناك بعض التضامن بين الحراس والمعتقلين . قال المعتقل في رسالته بأنه يجب الاتصال بعائلته وأن هذه الأخيرة يجب أن تعطيه مبلغا من المال ، وتضيف الرسالة أن نصف المبلغ للمعتقل والنصف الآخر للحارس. { في سنة 1986، تزوجت أبراهام السرفاتي الذي كان وقتها في السجن، هذا الزواج تم بعد تدخل السيدة دانييل ميتران. ماذا عن هذه الفترة وهذا الاختيار..؟ لم أتوصل بالكثير من رسائل أبراهام السرفاتي، عندما كان في السجن. ذات يوم، توصلت برسالة، يقول فيها إنه كان مريضاً جداً. وهذا أثار غضبي، استخلصت أنه لم يكن فقط محكوماً بالسجن مدى الحياة مع رفاقه الأربعة في سجن القنيطرة، ولكن كذلك سيتركونه يموت دون أن يتلقى العلاج. وبالتالي ذهبت لرؤية صديقة لي كانت تشتغل مع الحكومة الاشتراكية الفرنسية آنذاك وطلبت منها المساعدة، واقترحت عليَّ أن ألتقي بالسيدة ميتران. التقيتها وكان ذلك في أحد مكاتب الإليزيه. كان هناك كلب ضخم تحت مكتبها، وأنا أخاف من الكلاب، حكيت لها قضية السرفاتي، وطلبت مني مهلة حتى ترى ما يمكن أن تفعله. كتبت رسالة الى ملك المغرب، وهذا الأخير قرأ رسالتها على العموم وقال «وأخيراً هذه رسالة مؤدبة من دانييل ميتران، تطلب فيها أن تتمكن فرنسية من الزواج من شخص في السجن». وتجدر الإشارة إلى أن دانييل ميتران والحسن الثاني لم يكونا على ود قبل هذه القضية، لم أكن أعلم أن الأمر يتعلق بزواج، طلبت أن أزوره فقط، قال الملك إنه موافق، وإنه سيسهل الطلبات، بمعنى أعتقد أنه طلب من حبر القنيطرة الموافقة على هذا الزواج. ذات يوم، تلقيت مكالمتين هاتفيتين: الأولى كانت من دانييل ميتران تخبرني، وهي فرحة بأن الملك قبل، والثانية كانت من سفير المغرب بفرنسا وكان رجلا لطيفاً، كان عميد سفراء المغرب، قال لي بأن جلالة الملك َقبِل أن أدخل الى المغرب لرؤية السرفاتي، ولكن كان عليَّ ألا أدخل يوم 3 مارس، عيد العرش آنذاك. أتذكر أنني توصلت بتذكرة سفر مجانية على الخطوط الجوية الفرنسية، على حساب الحكومة، وسافرت الى المغرب، ولا أخفيكم، أنني كنت متوترة. أولا، المغرب هو بلدي الثاني، لم أره منذ 8 سنوات، ثم لم أكن أعرف كيف ستسير الأمور. ذهبت وكان أولادي متوترين بعض الشيء، وصلت إلى الرباط، ولاحظت على الفور، أنني مراقبة من طرف شرطي، كان دائما يتبعني وكان ذلك واضحاً. كان يرى ما أكتبه، وما أعطيه كعناوين، وذلك منذ نزولي بالمطار. ذات ثلاثاء، ركبت سيارة أجرة كبيرة، وتوجهت إلى سجن القنيطرة. عادة الزيارات لا تتم أيام الثلاثاء، ولم أكن أعرف هذه القاعدة، دخلت عند مدير السجن الذي كان يعلم بقرار الملك، ونادى على أبراهام الذي لم أره منذ 12 سنة. لم نتمكن من الحديث بكل حرية، لأن المدير كان معنا. هذا الأخير التقيته مؤخراً بمراكش، جاء ووضع يده على كتفي وقال لي: «هل تتذكريني؟» أجبت «لا»، ثم قال لي «أنا الذي زوجتكما». بعد زيارتي الأولى، انتظرت عدة أشهر قبل أن نتمكن من الزواج. { بعد الزواج، قضيت 5 سنوات بعيدة عنه. كيف كانت أحاسيسك بعد الزيارات واللقاءات في قاعة الزيارة بسجن القنيطرة؟ عشت هذه الفترة بما أمكن (ضحك)، كنت أركب سيارة أجرة كبيرة، تعرفت في قاعة الزيارة على جميع المعتقلين الذين كانوا في السجن. تعرفت على إدريس بنزكري، القيطوني الإدريسي وآخرين. أتذكر أيضاً زعزاع الذي كان يقول لي دائماً «أنت تكافحين من أجل أبراهام، ولكن لا تكافحين من أجلنا!». كنت أرد عليه بأن ذلك غير صحيح، وأنني أكافح من أجل جميع المعتقلين في النهاية أفرج عنه قبل السرفاتي. { في سنة 1996، صدر كتاب جيل بيرو «صديقنا الملك» الذي ركز على فظاعات النظام وكشف للعالم أجمع، كيف كانت السجون السرية بالمغرب، كيف ساعدتم في صدور هذا الكتاب؟ جيل بيرو هو الذي كتب كل شيء. أخبرته بوضعية حقوق الإنسان بالمغرب، هو لم يكن يعرف الكثير من الأشياء عن المغرب. كان الأمر يتعلق باتفاق تم مع إدوي بلانيل مدير جريدة «لوموند» ودار النشر غاليمار. عندما صدر الكتاب، أرسلت النسخة الأولى منه لأبراهام بالسجن. كان من الضروري أن يتم الأمر قبل رد فعل الشرطة. نزعت غلاف الكتاب ووضعت بدلها غلافاً لكتاب حول الاتحاد السوفياتي ثم أرسلته إليه. قرأه على الفور وسلمه لباقي المعتقلين. هؤلاء سلموا الكتاب لعائلاتهم التي قامت بنسخ الكتاب، ويمكن القول إن العديد من المغاربة قرأوا الكتاب في نفس الوقت مع الفرنسيين. { ما هي بالضبط المعلومات التي نقلتها لجيل بيرو؟ أخبار ومعلومات حول وضعية حقوق الإنسان ومراكز الاعتقال السرية بالمغرب. وبالنسبة للأشياء الأخرى، اقترحت عليه قراءة كتب ومقالات صدرت بالجرائد. { في سنة 1991 خرج زوجك من السجن، وطردتكم السلطات المغربية من المغرب،كيف تعاملتم مع هذا العمل؟ كان ذلك طريقة لمعاقبتنا، ويبدو أننا سببنا الكثير من المتاعب لهذه السلطات. { كيف عدتم الى المغرب؟ ثمانية أيام بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله. اتصل بي هاتفياً أحد الأصدقاء من الاتحاد الاشتراكي يدعى بودرقة، كنت وقتها صحبة أبراهام في البادية وقال لي: «لم نعد نراك في باريس، ما الذي يجري؟». فهمت أنه يجري التحضير لشيء ما جديد. ذهبت رفقة زوجي إلى باريس، التقيته وقال لي، إن أحد أصدقاء الملك وهو المهدي قطبي، قال له إن الملك الجديد يطلب أن نرسل إليه ملف أبراهام، وهو ما نفذته على الفور. لم أتجرأ على قول ذلك لأبراهام على الفور، لأنه كانت هناك آمال كبيرة وأيضاً إحباطات كثيرة. كان ذلك في نهاية يونيو، في غشت، اتصل أندري أزولاي هاتفياً بالسرفاتي، ونقلنا أنا وأبراهام الى باريس استعداداً للعودة. هنا فكرت أن الطلب رسمي. وتجب الإشارة أيضاً أن عودتنا تمت في سرية، قبل إقلاع الطائرة، كنا على موعد في أحد الفنادق قرب مطار أورلي، وكنا صحبة قائد الإقلاع ورئيس الشرطة وسفير المغرب في فرنسا، رافقونا حتى الطائرة دون أن نمر عبر شرطة المراقبة، كنا نتوفر على تذاكر لم تكن تحمل أسماءنا، وعندما وصلنا كان ذلك أيضاً في سرية. فقط أعلنت الإذاعة، عندما كنا على متن الرحلة، أن أبراهام السرفاتي عاد الى المغرب. عندها انتقل كل المناضلين الذين سمعوا الخبر إلى المطار وأيضاً إلى الفندق الذي نقلنا إليه. كنت أعتقد أن هؤلاء المناضلين سيكونون سعداء. على العكس، كانوا غاضبين لأننا عدنا إلى المغرب بفضل الملك وليس عبر النضال. وبالتالي، العودة بهذه الطريقة لم تكن في تصورهم عملية إيجابية. ولكن أصدقكم القول بأنه لا أنا ولا السرفاتي لم نكن نعرف من وراء عودتنا. { هل تدخلت حكومة اليوسفي من أجل عودتكم الى المغرب؟ ربما كانت هناك مساعدة من طرف حكومة اليوسفي، ولكنها لم تكن ظاهرة. عندما وصلنا إلى الرباط، لم يكن أي أحد من الحكومة، لم يكن سوى رجال القصر الملكي. وقد أثارني ذلك، كان هناك فؤاد عالي الهمة، هو من دخل الطائرة، ولهذا أنا أحبه كثيراً! هذا يبدو بليداً، ولكنه أول شخص أراه في مغرب محمد السادس. قال لأبراهام: «أنا عالي الهمة، مدير ديوان الملك، سأصطحبك الى الفندق، وجلالة الملك هو من طلب مني أن أستقبلك». بمعنى أنه هو من كان يمثل وجه المغرب الجديد إن صح التعبير. أقمنا في فندق هيلتون، لم يسبق لي أن أقمت في فندق بهذه الأناقة. كان هناك أيضا حسن أوريد، أزولاي، المهدي قطبي، عزيمان... كان هناك بالخصوص وزراء السيادة. { ما الذي تغير في المغرب منذ أن عدتم إليه؟ هل تعتقدون أنه حصل تطور في مجال حقوق الإنسان بالمغرب؟ على مستوى حقوق الإنسان وحرية التعبير، هناك تطور دون أن ندعي بأن ذلك بلغ الكمال. لقد كتبت احتجاجاً على الطريقة التي عومل بها الإسلاميون في أعقاب أحداث الدارالبيضاء. والطريقة التي يعاملون بها اليوم فظيعة. ولكن عموماً، هناك تطور، لم يعد هناك شرطي يلاحقني، أتكلم كما أريد.. وما لم يتغير فعلا هو الفرق بين الغني والفقير! مازال هناك الكثير من الفقر، وهناك أناس أغنياء جدا! { بخصوص الديمقراطية والمؤسسات السياسية، هل تعتقدين أن هناك تغييراً، أم أن الأمر يتعلق بنفس البنيات والمؤسسات؟ هذه ليست ديمقراطية! الديمقراطية هي الفصل بين السلط. وهنا لا يمكن أن نقول بأن هناك فصلا للسلط. مثلا، القضاء مازال تابعاً، وبالتالي هناك العديد من الأشياء لا تنطبق على تعريف الديمقراطية. وبما أنني متفائلة، أقول شيئاً فشيئاً الأمور ستكون أفضل. { هل تعتقدين أن هناك ديناميكية على مستوى الأحزاب السياسية والمجتمع المدني من أجل الدفع بالتغيير إلى الأمام؟ في الجمعيات، نعم. في الأحزاب السياسية لا أعتقد ذلك. ولكن يجب أن نعلم أنها أجبرت على الصمت طيلة 40 سنة، ولا يمكنها أن تستيقظ بسهولة. لدي أمل كبير في الاتحاد الاشتراكي وفي بعض أعضاء حزب التقدم والاشتراكية. بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة لدي بعض الأصدقاء هم أعضاء في هذا الحزب. أعرف الهمة، لا أعرف ما هو برنامجهم وما يقومون به بالضبط، ولكنني أثق فيه كشخص. بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتمنى أن تؤدي الظروف التنظيمية الحالية الى وضعية أفضل. { ما هي رسالتك اليوم للشباب المغربي؟ رسالة أمل بالتأكيد. إذا كان شبان المغرب يعرفون ماضي المغرب، سيكونون سعداء بالعيش الآن، ولكن عليهم أن يكونوا أكثر سعادة بالعيش غداً.