اشعر بحنق كبير هذه الليلة، ما إن وضعت خدي على وسادتي حتى بدأ الإحساس بالغضب والمهانة يدب في جسدي، مازلت لا اصدق أن الإرهابية الصهيونية وعميلة الموساد ليفني كانت على بعد بعض مئات الأمتار مني دون أن تهتز الأرض من تحتي ولا أن تمطر السماء أحجارا من فوقي، وحتى دون أن يلتقط جسدي المنهك بكثيرة الصراخ الصامت وفضح التطبيع والمطبعين أية إشارة بسيطة، لم أصدق أنها تجولت هنا في السوق العتيق بين أسوار مدينة يوسف بن تاشفين دون أن أكون حاضرا لأصرخ في وجهها إني أكرهك لكي أشفي غليلي مما اقترفته من جرائم حرب ضد أطفال غزةوفلسطين حسب ما شاهدته بأم عيني على أجهزة التلفزيون البليدة وحسب ما قرأته في تقرير كولدستون العجيب، لم اصدق أن لا أحد من سكان مدينتي انتفض ولا احتج ضد هذه الزيارة المشؤومة التي تخطت كل الحدود، وانتقلت من مجرد حضور بين دفات قاعة مؤتمر بدعوة مشبوهة إلى الالتقاء بالناس في تحد سافر لمشاعر الكثير منهم. لم اصدق كيف استقبلها ذلك التاجر المراكشي وحيدا بجلبابه البني القديم وقبض مالها المتسخ بدماء جرائمها، وكيف سمح آخر لنفسه بالابتسام وهو يقف إلى جانبها لأخذ صورة تذكارية تاريخية استغلتها الإرهابية ليفني لتنشرها على موقعها على الفيسبوك ولتقول هذا الصباح تجولنا في السوق وأعجبنا بجمال مراكش، كان من المثير أن يقدم التاجر لنا شمعدانا ، عربون حسن ضيافة ومحبة ودفء ، كانت الحراسة الأمنية المشددة ولا يمكن أن تكون الروابط والعلاقات إلا طيبة بين الشعبين. خيل لي أن ليفني الإرهابية نقلت صراعها لإثبات الذات مع وزيرة الاستيطان لاندفير التي قدمت إلى مراكش دون أن تجرؤ على وضع رجلها خارج الفندق الذي استقبلها، لكن ليفني تعرف أنها جاءت تسرق لحظات وهي ترتعب من شدة الحراسة الأمنية عليها، كانت وجهها الأصفر شاهدا على شدة خوفها، ولكأنها ندمت على فعلها المشؤوم، زد على ذلك تنديد الصهاينة مثلها في فلسطينالمحتلة على زيارتها المشؤومة، لأنهم يعرفون أن المغرب والمغاربة يرفضون الاستيطان مسعاها ومسعاهم الأول والوحيد، لكن هي تعرف أيضا أن لا احد من أبناء مدينتي البسطاء وبطبيعتهم المسامحة قادر على فعل شيء ضدها غير الامتعاض والحوقلة وغير الدعاء عليها، حين دخلت في نقاش مع أحد الصحفيين الأجانب وسألني هل يمكن أن ينتقل الامتعاض الذي يعيشه المراكشيون من جراء الهجوم على مدنيتهم إلى فعل ، قلت لا يمكن غير طلب اعتقالها كما فعل الكثيرون، المغاربة ليسوا إرهابيين، ولن يردوا على جرائمها بأي حركة عنف ضدها ليس لضعفهم، ولكن لاعتقادهم أن بلد الجهاد هناك في فلسطينالمحتلة وأن أهلها قادرين على تحريرها، ولا يطلبون من أحد غير الدعم المادي والمعنوي وعدم الخيانة باستقبال المجرمين. سرح ذهني قليلا ، حتى ظهرت لي صورة تلك الفتاة المراكشية القحة التي وقفت مرارا ضدا تلطيخ المدينة بالتطبيع وكانت مستعدة للسفر إلى طنجة للاحتجاج على زيارة ليفني، لم تكن تتصور أن تلك الإرهابية ستجرؤ على القدوم إلى مدينتها، هي أيضا شعرت بالمرارة وهي تتحدث إلى صحيباتها، وهي ترى جميع الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية ، تستقبل الحدث ببرود غير مقبول مثل استقبال قبل لوزيرة الاستيطان صوفا لاندفير ، برود الطقس في قمم جبال الأطلس التي نطل على المدينة وهي تتحرق غيظا من شدة الغضب. جل الصباح دون أن يتمكن جفني من أن يطبق على أخيه، وحضرني ما يتداوله المراكشيون من أن أحدا ما سكب في ماء المدينة مادة معينة لتجعل من الصمت حكمة، كما حضرتني تلك العبارة شوف واسكت التي يكتبها بعض الخطافة على سياراتهم المهترئة، لكن لا احد من الأحرار سيتوقف أبدا عن فضح المطبعين مهما كلفه ذلك من جهد ووقت وصحة بدن، نعرف جيدا أن الهجوم كبير وأن الحيلة قليلة ولكن لنبرئ ذمتا أمام الله وأمام التاريخ.