الأحداث المؤسفة التي شابت لقاءات مصر والجزائر الأخيرة في إطار ما يسمى بالتأهيل لكأس العالم في جنوب إفريقيا عام 2010 ليست مجرد أحداث عادية، بل إن خلفها مؤامرة واضحة، ولكننا نتعامى عن الحقائق. بداية فإن التأهيل لما يسمى كأس العالم، ليس هدفًا دينيًّا أو قوميًّا أو وطنيًّا، فكُرة القدم في النهاية لعبة وليست معركة حربية، والذي يصل أصلاً إلى كأس العالم سواء كان الجزائر أو غيرها لن يحقق شيئًا كبيرًا في تلك المسابقة الرياضية، وأقصى ما يتمناه أن يحقق حضورًا مشرفًا، ثم إن المسألة برمتها حتى لو أصبح بطلاً للعالم وفاز ببطولة كأس العالم لا تستحق كل هذا الجهد وتلك الإثارة المفتعلة، وكذا فإنه عندما تفقد الدول والشعوب دورها السياسي فإنها تبحث عن بدائل شكلية تحقق بها بعض التواجد لإلهاء شعبها عن الدور الحقيقي لتلك الدول. إنه من المعروف والمعتاد أن تقوم الحكومات الفاشلة بافتعال قضايا وأحداث تلهي الشعوب عن هذا الفشل. إن هناك مشاكل حقيقية في مصر والجزائر على حد سواء، مثل غلاء الأسعار وغياب الدور السياسي والاجتماعي والفشل الاقتصادي والتقصير في الدفاع عن القدس وتواضع الدور أمام أمريكا وإسرائيل، وهذا يعني أن الحكومتين لجأتا إلى زيادة اشتعال الموضوع وإلقاء الزيت على النار والنفخ في كل كبيرة وصغيرة لإلهاء الجانبين عن مشاكلهم الحقيقية. نحن لا نحمِّل هذا الطرف أو ذاك المسئولية، ولكننا نرى أنها مسئولية مشتركة مقصودة أو غير مقصودة تستهدف هذا الذي حدث. ولو لجأنا إلى نظرية المؤامرة، سنجد أن هناك حزبًا في الجزائر يسمى حزب فرنسا، استهدف، ولا يزال، الإساءة إلى عروبة الجزائر وإسلامها، ومحاولة قطع الطريق على ارتفاع نبرة الإسلام والعروبة في الجزائر، وهذه المباراة كانت مناسبة طيبة جدًا لهؤلاء، فاستغلوها أسوأ استغلال. وكذا هناك في مصر حزب إسرائيل، الذي استهدف، ولا يزال، التشكيك في عروبة مصر، والادعاء دومًا بأن العرب والعروبة أمور فاسدة، أو أوهام ينادي بها البعض، وأن الأفضل لمصر تحسين علاقاتها بإسرائيل على حساب العرب والمسلمين، وأن تهتم مصر بمشاكلها وتدع جانبًا أوهام الدور العربي والإسلامي، وكانت تلك الأحداث بدورها فرصة مناسبة لهؤلاء. إن ما ظهر من نوع غير رشيد من الانتماء الوطني هو أمر طبيعي، ولكن كان من المفترض أن يتم ترشيده في الاتجاه الصحيح، وليس على حساب الإخوة والأشقاء. فمن هنا لا نقر ولا نبرر تصرفات شائنة قام بها جمهور الجزائر بالتحديد، وليس انحيازًا للشعب المصري أن نقول أن سلوك الجمهور المصري كان أفضل. إذا تتبعنا الأحداث نجد أن القدر المتفق عليه أن حكومة الجزائر أرسلت على نفقتها حوالي 20 ألفًا من الجزائريين، معظمهم من الدهماء، إلى السودان، وقام هؤلاء بشراء الأسلحة، وتم إبلاغ مصر بذلك عن طريق السودانيين، وحتى لو لم يكن السودانيون قد أبلغوا المصريين بذلك فإن الأجهزة المصرية الموجودة بكثرة في السودان، هكذا ما نتصوره ونتوقعه. كان من الضروري، إما الانسحاب من المباراة باعتبار مصر الشقيق الأكبر، وترك بصمة تاريخية في السمو والارتفاع فوق الحدث، منعًا لوصول الأحداث إلى النقطة الحرجة، وهذا ما ناديت به أنا شخصيًّا قبل المباراة، وقلت إنه لا فرق بين أن تصل مصر أو الجزائر إلى كأس العالم في جنوب إفريقيا، وإذا لم يكن هذا السيناريو ممكنًا، فكان من الممكن إرسال عدد من قوات الصاعقة في ملابس مدنية لحضور المباراة وحماية البعثة والجمهور المصري، وإذا قال البعض إن ذلك أمر يؤثر على العلاقات مع السودان، قلنا حسنًا، ما دام الأمر كذلك كان سيناريو الانسحاب من المباراة أفضل. لا يجب أن يغيب عنا كمصريين، أن هناك فشلاً في القطاعات واضحًا جدًا، ولن تكون الكرة استثناءً من هذا الأمر بالطبع. في كل الأحوال يجب وقف الشحن الإعلامي، والاهتمام بالأقصى الذي يضيع أمام عيوننا، وأعتقد أن جماهير مصر والجزائر أكثر اهتمامًا بمصير الأقصى من مصير فريق كرة قدم واللاعبين والمدربين والجهاز الفني والإداري في البلدين، خاصة أن الملاين من الدولارات تنفق سنويًّا على هؤلاء بلا أدنى ضرورة ملحة.