هناك قومية من جهة لكن هناك قومية كروية من جهة أخرى" ربما تصلح عبارة المفكر المجري الأصل أرثر كوستلر تلك لوصف حالة التوتر الشديد في الشارعين المصري والجزائري قبيل اللقاء المصيري الذي سيجمع منتخبا البلدين يوم السبت المقبل في العاصمة المصرية القاهرة. فعلى الرغم من أن البلدين تجمعهما العروبة والإسلام وروابط تاريخية وثيقة بجانب علاقات سياسية واقتصادية قوية إلا أن المباراة المرتقبة أدت إلى تراشق إعلامي وسجال شرس بين مشجعي البلدين على صفحات الأنترنت بل وحالات طلاق مما ادي إلى تدخل سياسي وإعلامي لتهدئة الأجواء، وهو تدخل لم يحقق الكثير حتى الآن. ويقول المعلق الرياضي حازم الكاديكي* من تلفزيون "أي أر تي" في حديث للقسم العربي لإذاعة هولندا من القاهرة " أن الأجواء جد مشتعلة في العاصمة المصرية، وكأن ال 80 مليون مصري يريدون الدخول لملعب لايسع سوى 74 الف مقعد، ولكن في النهاية نحن نعرف ان هذه المباراة تعني ان هناك فريقا عربيا سيكون حاضرا في المونديال مهما كانت النتيجة". ► كأس العالم ... الحلم تكمن أهمية اللقاء في أن نتيجته ستحدد هوية المنتخب المشارك عن المجموعة الثالثة الأفريقية في نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي ستستضيفها جنوب أفريقيا في صيف 2010. فمنتخب الفراعنة المصري مطالب بالفوز بفارق يزيد عن هدفين حتى يحجز بطاقة العبور إلى جنوب أفريقيا. بينما يكفي منتخب الخضر الجزائري الفوز أو التعادل أو حتى الهزيمة بفارق هدف واحد. ويبدو التأهل لكأس العالم حلما عزيزا على البلدين. فمصر لم تتأهل لكأس العالم سوى مرتين، الأولى في إيطاليا عام 1934 والثانية في إيطاليا أيضا عام 1990 بعد أن عبرت التصفيات من بوابة منتخب الخضر. وفي المرتين لم يتجاوز الفراعنة الدور الأول ولم يحققوا أي انتصار واكتفوا بهزيمتين وتعادلين كان أشهرهم في بطولة عام 1990 أمام المنتخب الهولندي الذي كان مرشحا بقوة للفوز باللقب العالمي. وتبدو المشاركات المصرية في كأس العالم متواضعة خاصة إذ ما قورنت بإنجازتها على الساحة القارية الأفريقية. حيث حمل المنتخب المصري لكرة القدم كأس الأمم الأفريقية خمسة مرات وهو حامل لقب البطولة في النسختين الماضيتين. كما أن الأندية المصرية صاحبة نصيب الأسد في بطولات الأندية الأفريقية. وعلى الرغم من أن المنتخب الجزائري لم يحصد بطولة كأس الأمم الأفريقية غير مرة وحيدة عام 1990 إلا مشاركات منتخب الخضر في كأس العالم كانت أكثر إيجابية وهو الذي تأهل للمونديال العالمي مرتين فقط ايضا. ففي كأس العالم 1982 بأسبانيا والذي شهد المشاركة الأولى للخضر، تمكن الأخير من الفوز على ألمانياالغربية وتشيلي لكن هزيمته أمام المنتخب النمساوي حالت دون تأهله للدور الثاني خاصة بعد تغلب الفريق الألماني على نظيره النمساوي في مباراة أثارت الكثير من الجدل. وفي المشاركة الثانية عام 1986 بالمكسيك جاءت نتائج المنتخب الجزائري مخيبة للأمال حيث لقي هزيمتين وتعادل في مباراة واحدة ليخرج من الدور الأول. ► علاقات وطيدة ولا يعتبر حلم التأهل لكأس العالم هم وحده ما يجمع البلدين. فعلى الرغم من الإسلام هو عقيدة الأغلبية الشعبين وكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلدين، إلا أن العلاقات المصرية الجزائرية لم تتوطد إلا في العصر الحديث خاصة مع نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر وتوجه القومي العروبي الذي تجسد في دعم الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وهو ما نتج عنه مشاركة فرنسا في العدوان الثلاثي ضد مصرعام 1956. وعقب إستقلال الجزائر توجه العديد من المعلمين المصريين إلى الجزائر لسد العجز الخاص بتعليم اللغة العربية، من جهتها دعمت الجزائر مصر في حرب عام 1973 ضد إسرائيل. ولا يقتصر الأمر على التاريخ فقط، فالعلاقات الاقتصادية أيضا. فمصر هي من أكبر المستثمرين في السوق الجزائري وهناك أعداد كبيرة من المصريين يعملون ويعيشون في الجزائر. ويرى الكاديكي ان " العلاقة بين الجزائر ومصر لايمكن اختزالها في مباراة من 90 دقيقة، وان الأمر يجب ان لايخرج عن غطاره الرياضي حيث يقال للفائز مبروك وللخاسر فرصة قادمة أفضل". ► إعصار الكرة و"الشبكة المجرمة" لكن يبدو أن كل تلك الروابط لا تصمد أمام إعصار كرة القدم. فعقب تغلب الخضر على الفراعنة بثلاثة أهداف مقابل هدف في الدور الأول من التصفيات بدأ التوتر في التصاعد والذي بلغ ذروته مع تهكم أحد المعلقين الرياضيين المصريين على أعداد شهداء ثورة الاستقلال الجزائرية، وهو ما كان بمثابة الشرارة التي فجرت المعركة حيث بدأ التراشق بين إعلاميي البلدين. ويعبر المعلق الكاديكي الذي سيتولى التعليق في الفضائية المصرية على مجريات المباراة عن رفضه لما رافق المبارة من تهييج "ما ذكر في بعض الصحف الجزائرية، وقنوات خاصة مصرية، امر مرفوض، لكن ماحدث هو صغائر تم تضخيمها في ضوء ثورة المعلومات والاتصال، والإنترنت التي صارت "شبكة مجرمة" بالنظر لما لنتائج ما يجري فيها". وبالطبع تجاوز الأمر الإعلاميين ليصل إلى جماهير البلدين كلا متعصبا لمنتخب بلاده. فعلى صفحات الصحف والمواقع الألكترونية تباري كل فريق في الفخر ببلاده وتراثها مع التهكم على البلد الأخر وفريقه ونشر كل فريق صور معالجة ببرامج خاصة للسخرية من لاعبي منتخب البلد الأخر. ويكفي للتدليل على حجم التوتر أن أغلب الأخبار الخاصة بالمباراة في الصحف والمواقع الألكترونية تحظى بالعدد الأكبر من التعليقات. ► فيسبوك .. والفيفا يحذر كذلك امتدت ساحة المعركة إلى شبكات التواصل الإجتماعي الالكتروني مثل موقع" فيسبوك" الذي شهد تأسيس جروبات لدعم أي من المنتخبين. واتسعت المعركة لتصل إلى حرب ألكترونية قامت فيها مجموعة من قراصنة الكمبيوتر في البلدين باختراق مواقع الكترونية وتخريبها. وبدأ نجوم الغناء والفن في الادلاء بدلوهم في المعركة. ومع ارتفاع وتيرة التوتر بدأت أصوات إعلامية تدعو للتهدئة مشددة على العلاقات الوثيقة بين البلدين. حيث تبنت صحف مصرية مبادرة استقبال المنتخب الجزائري بالورود وتبادلت وفود إعلامية الزيارات. كذلك تبنت القيادات السياسية في البلدين جهود التهدئة. حيث دعا وزيرا خارجية البلدين الصحافة والإعلام إلى التهدئة. كما أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بيانا يحذر فيه من التوتر الشديد الذي يحيط بالمباراة. لكن يبدو أن كل جهود التهدئة لم تقض على التوتر. فمازالت المنتديات والمواقع الألكترونية تشهد تراشقا حدا بين الجماهير ولا تزال الحرب الأعلامية مشتعلة. بل أن الأمر وصل إلى أن طلبت زوجة مصرية الطلاق من زوجها الجزائري على خلفية اللقاء. ومع كل ذلك فإن "معركة الرابع عشر من نوفمبر" لن تكون سوى مجرد مباراة ستتذكرها جماهير البلدين بوصفها فتحا كرويا أو نكسة رياضية بحسب نتيجة اللقاء. * أجرى الحوار مع حازم الكاديكي الزميل طارق القزيري