المتابع لتطورات استضافة مجرمة الحرب تسيبي ليفني في طنجة نهاية الأسبوع الماضي يقف على وجه آخر لأزمة جهاز الديبلوماسية المغربية، يكشف حجم التناقض العميق بين الأقوال والأفعال، كما يفضح الغياب الحاد لبوصلة تؤطر مسار هذا الجهاز، خاصة بعد أن جعلت الحفاوة الإعلامية للقاء طنجة لقاءا شبه رسمي يطرح وبحدة المسؤولية السياسة للحكومة المغربية عن علاقتها بهذا الاستضافة وشروط تسهيلها. فبدل محاكمتها على جرائم الحرب التي اقترفتها في قطاع غزة بعد العدوان الهمجي الذي امتد من 27 دجنبر 2008 إلى 18 يناير ,2009 وكشف التقرير الأممي للقاضيغولدستونعن حجم مسؤوليتها الكبيرة فيه بعد أن تجاوز عدد ضحاياه بحسب التقرير ,1387 والمثير أن التقرير يمثل مرجعية في الموقف الرسمي المغربي، والذي كان دوره مميزا في دفاعه عنه أكثر من عدد من الدول بحسب تصريح وزير الشؤون الخارجية والتعاون في مناقشات لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب أثناء مناقشات مشروع قانون المالية، لكن عند الممارسة نجد العكس هو ما حصل، فقد تم استقبال المسؤولة الأولى عن جريمة الحرب بغزة بحفاوة كبيرة جعلت يومية يديعوت أحرنوت تنقل عنها أنه جرى التعامل معها مثل رؤساء الدول وبحفاوة كبيرة، في الوقت الذي كانت فيه الغارات الصهيونية مشتدة على قطاع غزة، وبموازاتها مواصلة خطط التوسع الاستيطاني بالضفة والتهويد الممنهج للقدس. ربما كان هذا أحد وجوه التناقض والمفارقة، ليس فقط بين الموقف المغربي الديبلوماسي اللاهث وراء التطبيع والموقف الشعبي المتضامن مع الشعب الفلسطيني، والمطالب بمحاكمة مجرمي الحرب وفي مقدمتهم ليفني، إذ في الوقت الذي يعبر فيه المغرب عن تأييده ودفاعه القوي عن تقرير كولدستن مع ما يتضمنه من إدانة صريحة لمجريم الحرب الصهاينة، وفي مقدمتهم ليفني، وفي الوقت الذي ينفي فيه أي انسياق نحو التطبيع، تأتي هذه الخطوة لتعبر عن حالة الفصام في السلوك الدبلوماسي الذي يتم التعامل معه مع الكيان الصهيوني، والذي يتمظهر من جهة في ازدواجية الموقف الرسمي الذي ينفي التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي المقابل تكشف أرقام رسمية عن حجم المبادلات التجاربة بين المغرب ودولة العدو الصهيوني، كما يتمظهر من جهة ثانية في التصريح الرسمي بعدم وجود أي صلات دبلوماسية مع الكيان الصهوني؛ في الوقت الذي تستقبل فيه المسؤولة الصهيونية السابقة بهذه الحفاوة في مدينة طنجة. الواقع، أن ما ينتظره المغاربة وما تتطلع إليه الشعوب العربية هو أن يكون السلوك الدبوماسي المغربي في علاقته بدولة الكيان الصهيوني ومسؤوليها ورموزها في مستوى التطلعات الشعبية، وأن يعكس تثمين المغرب تقرير كولدستون ودفاعه القوي عنه والتأكيد على ضرورة محاكمة مجرمي الحرب أو على الأقل مقاطعتهم، هذا ما تتطلع إليه الشعوب العربية والشعب المغربي في مقدمتها، فما تفرضه المصداقية، فهو أن يكون هذا السلوك منسجما يعكس المواقف الرسمية السابقة التي يعبر عنها المغرب، وفي مقدمتها رفض التطبيع وعدم التورط في ربط أي صلة مع دولة الكيان الصهويني ومسؤوليها ورموزها. لكن يبدو أن الموقف الحكومي الرسمي وقف دون ما ترنو إليه تطلعات الشعب، ودون ما تفرضه المصداقية، وانساق وراء تصريح مخادع أدلت به ليفني تؤيد فيه قيام الدولة الفلسطينية، مع أن المنطق البسيط يقر بأن القتلة ومجرمي الحرب ومبيدي الأطفال والشيوخ والنساء لا يمكن أن يتحولوا في لحظة حفاوة رسمية إلى صانعي سلام، وأي سلام؟