لا جديد تحت شمس طنجة، فمنذ أن قَصَمَ هرقل ظهرها وهي تنتظر الضربات الموجعة من القريب قبل الغريب. طنجة اخترقها الغُزاة من كل الآفاق والضفاف، كما احتضنت مبدعين رفضوا وطنهم الأصلي أو رفَضَهم، ومنحت الدفء لليائسين من عدالة العالم. لقد منحت وطنا لمن لا وطن له. هذه الأيام فُرِض عليها أن تستقبل دون استئذان منها من صادر أوطان الآخرين ونهب تاريخهم وعبث بهويتهم وأعلن عليهم حرب إبادة لازالت مستمرة حتى يومنا هذا. بدعوة من إبراهيم الفاسي الفهري ومن معه، حلت الدموية تسيبي ليفني بطنجة، وهي سليلة عائلة إرهابية، حيث كانت أمها وأبوها عضوين في منظمة «الإرغون» الإرهابية مع الإرهابيين مناخيم بيغن وإسحاق شامير. جاءت هذه الإرهابية إلى طنجة ولازالت دماء الفلسطينيين على أيديها. وكيف لا وهي نجمة «الموساد» المتألقة بحصيلة إنجازاتها الباهرة في اغتيال علماء العراق المحتل، وهي الزعيمة لحزب «كاديما» الذي خرج من ضلعة حزب «الليكود» الإرهابي، وهي الرئيسة السابقة للديبلوماسية الصهيونية الدموية التي عمَّدت مسارها الإرهابي بجريمة مشهودة على أرض غزة. هذا السجل الحافل بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أهّلها لكي تعتلي منبر طنجة لتعلن أنها فلسطينية، أكثر فلسطينية من الفلسطينيين، وأن تتخفّى في ملابسهم ومطالبهم، وتبشرهم ب«حلّ الدولتين»، وهي التي دعت فلسطينيي 1948 إلى الرحيل عن «أرض الميعاد»، فيما تعتبر عودة فلسطينيي «الشتات» حدا فاصلا مُبْطِلاً لكل العقود، وهي التي اتفقت على بناء المستوطنات وزرعها في كل مكان من فلسطين، علما بأن إسرائيل مستوطنة كبرى توجد خارج كل القوانين وتحتل القانون الدولي. لا شك في أنه لا يوجد في الصهاينة أملس، لكن تسيبي ليفني صهيونية بأشواك حادة. وباعترافها، قالت ليفني إنها أفعى رقطاء وقادرة على أن تتحول إلى غانية رخيصة من أجل «مجد إسرائيل الكبرى». عزفت ليفني نغمتها النشاز بدعوة من «معهد» «أماديوس»، الذي يحيل اسمه على مبدع استثنائي وصانع الفرح الإنساني، أماديوس موزار. ولعل المهندسين الحقيقيين لمنتدى «أماديوس» قد استحضروا هذا المعطى حين أوكلوا مهمة تسييره إلى شاب يافع عديم الخبرة بالتاريخ والجغرافيا، ووضعوه في مقام يتجاوز أهليته العمرية والفكرية، وقدرته على التمييز بين الضيوف. لا شك في أن هناك ديبلوماسية رسمية تستثمر في الخوارق والأبناء السُّذج، وترى في الخروج عن المألوف نصرا مبينا وتنتظر منه المعجزات. إن الدَّفْع بهذا المنتدى للارتماء في أحضان الأعداء مجرد «مورفين» مؤقت يهدئ من حرقه الفشل، لكنه لا يشفي الداء العضال، وإن الديبلوماسيات الرسمية لم تصنع أبدا معجزات. هناك في المقابل ديبلوماسية شعبية رافضة للتنازلات على والو، كارهة للتواطؤ مع أمثال تسيبي ليفني مجرمة الحرب ضد الإنسانية، بشهادة يهودي صهيوني اسمه «غولدستون» في تقريره الشهير، إنها الحسابات الظرفية العقيمة التي ستكون ثمارها بطعم العَلْقَمْ.