إنها خليط من الأساطير والحكايات العجيبة والأشياء التي يمكن تصديقها وأخرى تبدو عصية على الفهم. لكن هذه المغارات، تظل دائما قادرة على العودة بزائرها آلاف السنوات إلى الوراء، منذ تلك الأيام الغابرة التي كانت فيها البشرية غير ما هي عليه الآن. أيام كان البشر يتصارع مع المخلوقات الغرائبية، فينهزم تارة وينتصر تارة، وأيام كانت الديناصورات تحكم العالم وتفرض سطوتها على كوكب الأرض، وربما قبل ذلك، وربما بعد ذلك. للمرور إلى هذه المغارات لا بد من اجتياز مدينة طنجة في شمال المغرب. هذا المكان يحوي بين جنباته قدرا كبيرا من الأساطير، لكنها أساطير لا تخلو من رائحة واقعية لا تزال تغذي ذاكرة السكان والزوار الذين يجدون في هذه المغارات مكانا استثنائيا بامتياز. وتقول الأسطورة إن هرقل، ذلك الرجل القوي الذي أمضى حياته في الصراع مع الشر في الأزمان الغابرة، استراح في هذه المغارات بعدما انتهى من معاركه وحروبه التي لا تكاد تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى. غير أن هرقل، قرر أن يرتاح تماما بعدما استطاع أن يفصل بعضلاته القوية القارتين الإفريقية والأوروبية، ولجأ إلى هذه المغارة التي لا تزال إلى اليوم شاهدة على ماض سحيق في منطقة كانت مركز العالم في الأزمنة الغابرة. توجد مغارات هرقل في المنطقة التي تفصل بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة، وفق شهادات مؤرخين، عرفت الكثير من الأحداث والوقائع التاريخية الحاسمة أيام كان العالم يعيش على وتيرة مواجهة عنيفة بين الكائنات البشرية وبين كائنات خارقة تشبه وحوشا ضارية تأتي من أمكنة تحت الأرض أو من أعماق البحار. مغارة هرقل أيضا، هي من بين الأمكنة القليلة التي عُرفت من أمد طويل. ويقال إنها المكان الذي ظهر مباشرة بعد الطوفان، وأن طيورا كانت على ظهر سفينة النبي نوح طارت قليلا وعادت إلى السفينة وعليها آثار طين، فصرخ من كانوا على متن السفينة «طين جاء.. طين جاء..»، فسميت المدينة آنذاك طينجا.. وهي التي أصبحت اليوم طنجة. مغارات هرقل موجودة على حافة مياه المحيط الأطلسي، وعند المد فإن الأمواج تتكسر داخل المغارة، وهي واحدة من الحالات النادرة التي تملك فيها أمواج البحر حق الانسياب داخل مغارة. وخلال أيام المد الكبير، فإن رذاذ الأمواج الكبيرة يلفح وجوه الناس، فيمنحهم إحساسا غريبا بأنهم في عمق غرفة مشرعة النوافذ في بطن المحيط. الأساطير في طنجة موجودة في كل مكان، لكن وجودها أكبر في مغارات هرقل. وغير بعيد عن هذه المغارة توجد آثار أقدام كبيرة على الصخر، يقال إنها آثار أقدام هرقل، الذي كان يتحرك في تلك الجبال المحيطة بالمغارة تحرك السمكة في الماء، خصوصا بعدما انتصر على كل أعدائه، بمن فيهم أطلس، الذي غرق في المضيق بعد هزيمته. وبغض النظر عن الأساطير، فإن المؤرخين يقفون اليوم عاجزين عن فهم كيف تكونت تلك المغارات ومن حفرها، هل هي عوامل طبيعية أيام كان البحر يغمر جزءا كبيرا من اليابسة، أم أن بشر حضارات غابرة سكنوها لكي يحموا أنفسهم من الأخطار، بما فيها أخطار الطبيعة وأخطار الحيوانات الضارية. إنها مغارات لا تزال تحمل إلى اليوم الكثير من رهبة تلك الأيام الخوالي. الناظرون إلى البحر من داخل المغارة يندهشون لذلك التآلف بين السماء والبحر، حيث إن زرقة البحر تختلط مع زرقة السماء، لكنهما لونان ينفصلان عبر خيط رفيع يفصل ما بين البحر والفضاء. مغارات هرقل هي اليوم قبلة لعشاق تأمل غروب الشمس، حيث تبدو حمرة الشمس وهي تغرق في الماء كما لو أنها نار متقدة تخرج من أعماق الماء، لذلك فإن ساعة الغروب تعرف وجود عدد كبير من عشاق هذا المنظر الطبيعي الخلاب، الذين يتأملون تلك الشمس الغاربة والمشتعلة وكأنها ستغرب إلى الأبد. خارج المغارة، هناك عالم آخر من عشاق الجلوس على مقربة من البحر، وهواة تناول سمك السردين المشوي، وعشاق الصيد بالقصبة والصنارة، وأولئك الذين لا يستطيعون التخلي عن رهبة الجلوس أمام بحر بلا نهاية إلى ساعات متأخرة من الليل، وكأنهم كهنة في معبد.