تشهد «الدفاتر الذهبية» التي تتوفر عليها أغلب الفنادق المصنفة على مراحل تاريخية مهمة عاشها هذا الفندق أو ذاك، من خلال احتضانها لحدث تاريخي ما، أو من خلال استقبالها لشخصيات طبعت بصمتها في مجال من المجالات سواء السياسية، الاقتصادية، الرياضية أو الفنية، هاته الشخصيات التي لم تبخل بتسطير بعض الكلمات على صفحات هذه الدفاتر التي نحاول القيام بإطلالة عليها وتقديم مضمونها للقارئ. ظهر فندق «ميراج» بطنجة كما يظهر السراب، بدأ قطعة قطعة ثم تحول اليوم إلى واحد من أشهر وأفخم الفنادق، ليس في طنجة فقط، بل في المغرب والعالم. المنطقة التي يوجد فيها «ميراج» حاليا هي التي يلتقي فيها المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط. إنها منطقة أسطورية على مر التاريخ، وفيها تجمعت حكايات العصور الغابرة، بدءا بصراع أطلس مع هرقل في الأزمنة السحيقة، وانتهاء بقيام هرقل بفصل القارتين الإفريقية والأوربية بذراعيه القويتين، ومنذ ذلك الوقت أصبح هناك مضيق بحري بين القارتين طوله 14 كيلومترا، وأصبحت إفريقيا منفصلة عن أوربا، والسبب، للأسف، هو هرقل. الأسطورة تقول إن أطلس انهزم وغرق تحت مياه مضيق جبل طارق، وكتفاه هما حاليا جبل موسى على الضفة الجنوبية المغربية، وجبل طارق على الضفة الشمالية للمضيق. الأساطير دوما جميلة لأنها لا تتطلب المنطق لفهمها، لأنه لا يعقل أن ينهزم أطلس العملاق على يد هرقل الذي كان يسكن مغارة صغيرة. على بعد خطوات فقط من الباب الرئيسي لميراج توجد تلك المغارات الشهيرة التي تحمل اسم «مغارات هرقل»، وهي مغارات، وإن كانت على قدر متوسط من الإثارة، فإنها تحمل الكثير من عبق التاريخ، وهي أيضا مغارات مهددة وتم إغلاق جزء منها بسبب التصدعات والبناء الموجود حولها. بجانب مغارات هرقل توجد ساحة حولها الكثير من المطاعم الشعبية وعدد من البازارات الصغيرة التي تبيع للسياح والزوار تذكارات من كل نوع. في الأسفل توجد صخرة واسعة وناتئة على حافة الموج، وعليها توجد مظلات صنعت من الخشب وسعف النخيل وبضعة كراس وموائد يأكل عليها الناس السردين المشوي وطاجين الحوت. فندق ميراج أقيم إذن في منطقة على قدر كبير من الجاذبية السياحية والطبيعية، لكنها منطقة ظلت معزولة لزمن طويل، وربما كان هذا شيئا إيجابيا لسكان طنجة الذين يفضلون الأماكن المعزولة، لكن العزلة لا تستمر إلى الأبد، ومن الصعب اليوم العثور على أماكن معزولة في طنجة. كان «ميراج» مجرد مطعم في البداية، أي في أواخر عقد الثمانينيات، وانتقلت الفكرة من مجرد مطعم إلى إضافة غرف قليلة تجعل الزبائن يقضون بضعة أيام في هذه المنطقة المبهرة، وشيئا فشيئا تحول المكان إلى فندق فخم في مكان من النادر الحصول على مثله. في السنوات الأولى لافتتاح ميراج كان زواره قليلين، من المغاربة والأجانب. ربما لأنه يبعد عن وسط المدينة بحوالي 20 كيلومترا، وكثير من السياح يفضلون جلبة المدينة وصخبها. لكن في أحد أيام أواسط التسعينيات، سيقفز اسم «ميراج» إلى الواجهة الإعلامية العالمية بعد حدث لم يكن ينتظره أحد. لقد استضاف الفندق أحد أشهر الحكام الأفارقة وأكثرهم إثارة للجدل. لقد حل به الرئيس الزاييري موبوتو سيسي سيكو هو وعائلته بعد أن انقلبت الأوضاع في الزايير، (الكونغو الديمقراطية حاليا) رأسا على عقب، ولم يبق هناك مكان لهذا الرئيس الذي حكم البلاد بيد من حديد لعدة عقود. منذ ذلك الوقت أصبح اسم ميراج مختلفا، واليوم يحتفظ هذا الفندق بدفتر ذهبي به عشرات التوقيعات لمشاهير من كل المجالات. رؤساء دول ووزراء وممثلون ومشاهير وقعوا ووعدوا بالعودة، ويعودون كثيرا. وفي أحد جوانب الفندق، يحتفظ أحمد شقور، مدير الفندق وأخ مالك «ميراج» عبد السلام شقور، بعشرات الصور لهؤلاء المشاهير الذين زاروا الفندق والتقطوا لهم صورا ووقعوا في دفتره الذهبي. يقول شقور إن فندق «ميراج» استطاع في أقل من 20 عاما أن يستضيف شخصيات لم تستطع فنادق مغربية أخرى استضافتها في 100 عام. لقد فعل ذلك في زمن قياسي ولا يزال كل يوم يستقبل المزيد من طلبات حجز غرفه وأجنحته. في هذا الدفتر توقيعات لشخصيات على قدر كبير من الاختلاف والتنوع. الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الأمير سلمان بن عبد العزيز، الكاتب الأمريكي الراحل بول بولز، الممثلة كاترين دونوف، الوزير والشاعر الفرنسي دوفيليبان، الرئيس السنغالي عبد الله واد وزوجته، زوجة شاه إيران الراحل فرح بهلوي، مدير صحيفة «إيل باييس الإسبانية»، رئيس الوزراء الإسباني الأسبق فليبي غونزاليس، الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، المستشار الملكي أندريه أزولاي، الصحافي الشهير عبد الباري عطوان، رئيس جمهورية غانا، المخرج السينمائي فرانسيس فورد كوبولا، الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، كارلوس غضن رئيس مجموعة رونو نيسان.. وكثيرون آخرون. إنها توقيعات بتعابير وخطوط وألوان وأحاسيس مختلفة.