بروز صورة المرأة المغربية المناضلة في مظاهرات جريئة وحاشدة في مواجهة الرصاص أيام نفي الملك محمد الخامس رحمه الله، ثم صورة هؤلاء النساء وهن يستقبلن محمد الخامس يلبسن الجلباب والنقاب المغربي، ويهتفن بحماسة وشعارات دينية ووطنية، هذه الصور المتحركة بالأبيض والأسود تملأ وجدان المسلم، وتوهم ببداية صحيحة وصحية لصورة المرأة في الإعلام ستكون فيها المرأة هي المرأة الجدية الأصيلة والمتميزة بلباسها كما بمواقفها، لكن صورة هذه المرأة سرعان ما ستخبو وتتراجع لصالح صورة تستغل جسد المرأة. وهكذا كانت قراءة المقرئ الإدريسي أبو زيد لصورة المرأة المغربية في الإعلام، ومعها تفاصيل أخرى في ثنايا هذا الحوار لالتجديد. بداية نود منكم توصيفا للمراحل التي مرت منها صورة المرأة في الإعلام المغربي؟ أول صور تثبت في خيالي كطفل للمرأة في الإعلام المغربي هي صورة النساء المغربيات المناضلات في شوارع المغرب في مظاهرات جريئة وحاشدة في مواجهة الرصاص أيام نفي الملك محمد الخامس رحمه الله، ثم صورة هؤلاء النساء وهن يستقبلن محمد الخامس يلبسن الجلباب والنقاب المغربي، ويهتفن بحماسة وشعارات دينية ووطنية، هذه الصور المتحركة بالأبيض والأسود تملأ وجدان المسلم. إنها توهم ببداية صحيحة وصحية لصورة المرأة في الإعلام ستكون فيها المرأة هي المرأة الجدية الأصيلة والمتميزة بلباسها كما بمواقفها، لا يمنعها حجابها بل وقبها ونقابها من أن تخرج في المظاهرات لمواجهة رصاص المستعمر وأن تخرج لاستقبال محرر البلاد محمد الخامس رحمه الله. لكن صورة هذه المرأة سرعان ما ستخبو وتتراجع لصالح صورتين، الأولى صورة امرأة دخيلة غازية قوية تصل في غربتها وقوتها إلى درجة الفجور، وهي صورة المرأة الأوروبية من خلال الأفلام، التي بدأ المغرب يستهلكها بنوع من الذيلية والتبعية، ويسوق من خلالها دون أن يقصد صورة امرأة متغربة غير محتشمة تشرب الخمر وتحتسي السيجار، وتعاشر الرجال بالقبلات المحمومة، وتتكلم في الغراميات والحميميات وتلبس اللباس المثير في غرفة النوم مع عشيق قبل أن تكون مع زوج. هذه الصورة امتدت طيلة نصف قرن. في الأول كان مقص الرقيب صارما ثم بدا شيئا فشيئا يحتشم، وكلما احتشم مقص الرقيب قل بالمقابل الاحتشام الذي أمامنا. ثم بالمقابل صورة المرأة المغربية في الإنتاج الإعلامي، وهي صورة باهتة، ضامرة، قليلا ما تمر، وإن مرت فصورة امرأة مغربية تقلد المرأة الأوروبية، وفي بعض اللقطات التي تحتفظ بها الذاكرة، صورة لمغربيات يسبحن في مسبح الدارالبيضاء أو صورة أول طيارة مغربية بلباس يعري الفخدين والذراعين وكأنه هناك ضرورة أن تكون ربانة الطائرة متكشفة بهذا الشكل. ثم صور الأخبار التي تأتي عن الفن وعارضات الأزياء وكلها أخبار الوجه والمساحيق والجسد الفاتن. لكن صورة المرأة المغربية بدأت تعرف شيئا من البروز في البرامج التي انفتحت على القضايا الاجتماعية والربورتاجات والأفلام الوثائقية لكي نبدأ بمشاهدة المرأة المغربية الحقيقية في زخمها الاجتماعي وفي امتدادها الطبيعي في حركتها التلقائية لنرى متبرجة ومحجبة، ومحتشمة وغير محتشمة، ومنكسرة ورائدة، وبدأنا نرى قليلا في بعض البرامج واللقطات الإخبارية، لكن إلى حدود الثمانينات كان هناك شبه حظر على صورة المرأة المحجبة التي لم تكن تفرض نفسها كأمر واقع، وإن كانت إلى اليوم لم تأخذ بعد حيزها الطبيعي وحجمها الذي يكافئ حجم المجبات في المجتمع عددا ونوعا حسا ومعنى، لكن على الأقل في العشر سنوات الأخيرة بدأت تظهر المحجبة وهي تتكلم في الأستوديو أو في لقطة من فيلم وثائقي أواستجواب أو خرجة إلى الشارع، ويقابل هذا الظهور الانفتاح المحتشم المحدود على الفتاة المحجبة، وإن كنا لم نصل بعد إلى المذيعة المحجبة، ورحم الله أيام كانت المذيعة المغربية تلبس الجلباب وهي تقدم الأخبار في عيد الأضحى أو عيد الفطر تعبيرا عن الروح الدينية لتلك المناسبة، مقابل ذلك بدأنا نرى جرأة كبيرة على جسد المرأة، والكاميرا تتلصص ما بين ثنايا الجسد الحساس ورأينا أفلاما مغربية تشجع على الفحشاء والمنكر، ورأينا لقطات جنسية بتشجيع من المركز السينمائي المغربي وببث من التلفزيون المغربي، وبتمويل من أموال دافعي الضرائب. هناك الآن توجه جريء جدا إلى إهانة المرأة، وإبراز جسدها والتركيز على أنوثتها مقابل إلغاء كل امرأة كبر سنها أو ليست جميلة، ولا مجال للتنافس إلا للجميلات والصغيرات، ولا مجال للتنافس إلا في عرض القطع الحساسة من الجسم. إنه تشييء للمرأة وتسليع لها وإشاعة الفاحشة ومتاجرة بالجنس باسم الانفتاح، ويتزامن هذا مع الصراخ والعويل على تكريم المرأة والصورة السلبية عن المرأة والمساواة وكرامة المرأة، والكف عن التركيز على جسد المرأة في حين أن الواقع يؤكد أن أغلب هؤلاء يركزون على اختزال المرأة في الجسد، نريد أن نفهم هذا اللغز لأن العاقل الذي يملك حسا بسيطا يعجز عن حله (إبراز الصورة كجسد والصراخ من أجل عكس ذلك). ركزتم على صورة المرأة في الإعلام البصري بالخصوص، ما قولكم حول تنامي صورة تشييء المرأة في الصحافة المكتوبة بما فيها الجرائد والمجلات في الآونة الأخيرة بشكل أكثر جرأة؟ للأسف الشديد، هذه الصحافة تنقسم إلى نوعين، نوع عقائدي دوغمائي يؤمن بمشروع يزعم أنه التحديث والانفتاح ومكافحة الظلامية، وهو في الحقيقة إفساد طبقا لقوله تعالى: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون، فهؤلاء يظنون بأن مكافحة الظلامية واستئصالها يكون بإشاعة نموذج حداثي منفتح تقدمي، والحداثة والانفتاح هي جسد المرأة، والميوعة والانحلال، وكأس الخمر، والسيجارة والقبلة، والحديث في المواضيع التي تسمى طابوهات بطريقة إغرائية تدغدغ العواطف، رغم أنه لا يوجد في الإسلام موضوع طابو، فكل المواضيع قابلة للنقاش، حتى وجود الله يناقش في القرآن بأدلته، إن المشكل لدى هؤلاء ليس مشكل الطابوهات وإنما هذا فكر الغرب قبل الثورة الصناعية، وهذه عقدة الغرب في زمن الكنسية الكريكورية لكن هم يزعمون أن هناك طابوهات ليتحدثوا فيها، المشكلة تكمن في الطريقة التي يتحدثون بها عن الطابوهات. هذه الصحافة إذن، وخصوصا بعض المجلات النسائية، تحرص على هذه الصدمات الكهربائية تستهدف حس المواطن المحافظ باعتبار أن هذا فعل تقدم، وذروة ذلك كانت في صورة زوجة مدير المركز السينمائي عارية وهي حامل على غلاف مجلة نسائية مغربية، والتي أظن أنها رسالة إلى الجميع مفادها: هذا هو المغرب الذي يريدون، وهذه الجرأة هي التي يريدون الوصول إليها، فالأمر لا يتعلق بشخص عادي، إنه يتعلق برجل يصنع السياسات الإعلامية والفنية في الدولة، رجل يصنع المخيال والذاكرة الجماعية من خلال السينما، ثم هذه زوجته، وكأننا لأول مرة سنتعلم ما هو الحمل وكيف شكل البطن المنتفخ بجنين، وكأننا جميعا سكان القمر وسكان الكواكب الأخرى ويريد زوجها أن يضحي ببعض حميميته ويتصدق علينا بما يخصه في غرفة النوم لكي يرينا ما الحمل. النوع الثاني من الصحف وهي الصحافة الصفراء أو التجارية، صحافة الاستسهال، والارتزاق، فهي ترتزق بالصورة والشتيمة والنميمة السياسية والاجتماعية والأخلاقية، وترتزق بالفضائح الأخلاقية أو الليالي الحمراء وبالإثارة، ومن الإثارة الجسد، لكن الثمن يكون باهضا، وهو هذه الصورة السيئة عن المرأة التي تكرس هذه الوسائل، ولهذا يكثر اغتصاب المرأة، ويكثر تهميشها وعدم تقبلها في مواقع القرار، والاستهزاء بهاعندما تكون شرطية أو مديرة أو أستاذة. وهناك نوع ثالث من الصحافة، لا هو يرتزق ولا هو علماني استئصالي، لكنه للأسف فاقد للاستقلالية والهوية وفاقد للقدرة على الصمود في وجه الإغراء، إذ يرى الآخرين يمشون في طريق يربحون من ورائه اقتصاديا فيتبعهم ويسايرهم للاسف الشديد، بال حمار باستبالت أحمرة. إذا أيقنا أن هناك في المجتمع أغلبية تريد صورة للمرأة المحتشمة المرأة الإنسان المكرم، هل يمكن الحديث عن وجود لوبي وراء تكريس وضع صورة المرأة الجسد والمرأة الإثارة، كماهو الأمر في ما يخص لوبيات على السلع الاستهلاكية يمنع جودتها؟ اللوبي موجود وهو لوبي عالمي بالمناسبة، ونخشى أن يكون بعض الفاعلين بوعي منهم أم من غير بوعي يخدمون هذا اللوبي ويخدمون أجندته الثقافية والقيمية، هذا اللوبي لوبي تجاري ضخم يدخل الأموال الطائلة من تجارة الجسد. وهل لهذا اللوبي هدف تجاري محض أم له أهداف أخرى حضارية؟ أولا الهدف التجاري واضح، إذ هناك ملايير الأرقام التجارية كمعاملات تدور في طاحونة الجيش، ولوبي الجسد هو جزء من لوبي أكبر هو لوبي الجنس الذي يتاجر بجسد المرأة في الفيلم والأغنية وفي الكليب وفي الأفلام الغرامية، كما يتاجر في الجسد المعروض للذة في دور الدعارة ودور القمار وغيرها من الدور الصريحة المقننة وغير المقننة، هذا اللوبي مستعد أن يصل إلى القتل، هذا اللوبي يقتل الإنسان معنويا وإذا وقف في وجهه من يمثل خطر على مصالحه فهو مستعد أن يقتله أيضا ماديا هذا اللوبي لكي تعرفي حجمه يمثل ثاني أكبر رقم معاملات بعد تجارة الأسلحة والصناعة الثقيلة في العالم وهو بآلاف مليارات الدولارات في السنة، مازلت أذكر في سنة 2001 بعد تجارة السلاح والصناعة الثقيلة بحوالي 3 ألاف مليار دولار، جاء لوبي تجارة الجسد بحوالي 1170 مليار دولار منها الرقيق الأبيض ثلث المبلغ والباقي رقيق أبيض بطريقة مقنعة عارضات الأزياء والفنانات، وأفلام الخلاعة والمتاجرة بصورة المرأة بمختلف الأشكال. وأكيد وراء ذلك هدف آخر غير الهدف التجاري هو إفساد الحياة البشرية والذين ينساقون مع هذا اللوبي يتوهمون دائما أنهم يكسرون الجمود والتقليد والمحافظة والتحجر وقمع الحريات بأسلوب تشجيع التحرر من الجهة الأخرى، وهم إنما يشيعون الفاحشة في يد من هم أقوى، أنا أومن ببروتوكولات ححماء الصهيون وأومن أنها بروتوكولات صحيحة، فالآن يطبق ما نراه بأم أعيننا وأنا أعتبر أن أخطر ما في بروتوكولات صهيون ليس تطبيقها ولكن إقناع العالم، أن البروتوكولات وثيقة مزيفة مكذوبة على اليهود، بروتوكولات اليوم ممنوعة في أغلب دول أوروبا المتصهينة وأمريكا، أنت لا تستطيع أن تتحدث عنها في فرنسا أو في ألمانيا دون أن تقع تحت طائلة معاداة السامية، بمعنى أن اليهود نجحوا في إقناع العالم بهذه البروتوكولات التي تتحدث عن أنها سوف تستمر في عرض جسد المرأة ومشاهد الجنس تحت الشمس أمام الملإ إلى أن يفقد الناس أخلاقهم وإذا فقد الناس أخلاقهم سهل التحكم فيهم. التاريخ أثبت أن التفسخ الأخلاقي أداة عدم للأمم وأن هناك دول عظمى تفككت بسبب الانحلال الخلقي والجنسي وما سيتتبعه من فسوق وضعف وإغراق في اللذات وعجز عن الأخذ بمعالي الأمور وانتشار للأمراض الجنسية. وها نحن نرى العالم اليوم يغرق في هذه المصائب والمشاكل في هربز واكيولا وأمراض جنسية تقليدية وجديدة وتكاليف باهضة، وتفكك أسري وخيانة زوجية واضطراب وقتل وانتحار وجريمة وصراع على الأنثى يؤدي إلى القتل ويؤدي إلى الكيد والصراع القضائي، هذه أحداث يومية نقرؤها في الصحافة، يقتل صديقه من أجل عشيقته، وفي جلسة خمر هذا خبر قرأته مؤخرا في الصحف الوطنية، فهذا اللوبي وراءه من هم حريصون على أن تطبق هذه البروتوكولات حتى يسهل عليهم التحكم بالأميين كما قال القرآن الكريم ذلك أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل. نأتي إلى دوركم أنتم كنواب للأمة، ماهي الخطوات التي قمتم بها ولازلتم في هذا الاتجاه؟ كنت أكلم أمينة العاصمي النائبة البرلمانية المحترمة عن حزب الاستقلال في هذا الموضوع، وقالت لي أن علينا كنواب أن نحرك الآلة التشريعية. صدقت، فعلا الآلة التشريعية والرقابية ضعيفة في هذا المجال، حزب العدالة والتنمية أحيانا يجد نفسه وحيدا إن لم يكن في أغلب الأحيان وحده إلى درجة أن البعض صار يقول بأن الحزب ليس له مشروع لا اقتصادي ولا اجتماعي وأنه لا يفهم في التنمية ويمارس الوعظ والإرشاد، صارت سبة أن ينتصب طرف سياسي للدفاع عن ما تبقى من القيم التي تنهار مثل الجليد الذائب في القطب الشمالي والذي يهدد الشواطئ بالغرق، فعلا السيدة النائبة المحترمة التي طالبت في عدة مرات وزير الإعلام بأن يعقد جلسة داخل لمقر الإذاعة والتلفزيون وأن تتم متابعة البرامج ومناقشتها لا على الورق، والنظر إليها بشكل مباشر للأسف الشديد حزب العدالة والتنمية حسب القوانين والمساطر يجد نفسه مضغوطا بأجندات وبقيود لا تسمح بإثارة هذا الموضوع دائما وإنما يقدم تعديلات قوانين ومقترحات قوانين وأسئلة شفوية وكتابية في مجال الرقابة ولكن الجواب دائما يكون بلغة الخشب، جواب إما تبريري وإما تهويني وإما هجومي يتهمنا بالظلامية والرجعية. (يتبع)