لو صدر الكتاب الذي نحن بصدده في بلد عربي أو مسلم لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكن صدوره في الدولة العبرية يجعله مجرد وجهة نظر لا قيمة لها في السياق العام، مع أن الحاخامات الذي أصدروه وفتاواهم هي التي تتيح للجنود الإسرائيليين والمستوطنين قتل الفلسطينيين بدم بارد: ليس في الحروب والمواجهات الساخنة فحسب، وإنما في الأوضاع العادية أيضاً. كتاب عقيدة الملك هو واحد من كتب التحريض الديني البشعة التي تصدر في الدولة العبرية، وكان من تأليف الحاخام إسحق شابيرا، رئيس مدرسة يوسف لا يزال حيا في مستوطنة يتسهار القريبة من مدينة نابلس، وفي الكتاب (230 صفحة) بحسب صحيفة معاريف تفاصيل حول شرائع قتل الأغيار. والأغيار في العقيدة اليهودية هم كل ما عدا اليهود من البشر، وليس الفلسطينيون أو العرب أو المسلمون وحدهم، لكن وقائع الصراع القائم تجعل الفلسطينيين هم المعنيون بفتاوى الكتاب، وربما اللبنانيين في حال نشوب حرب جديدة ضد لبنان وحزب الله. ثمة نصوص كثيرة نقلها تقرير معاريف من الكتاب تؤكد روحية الموقف الذي يتبناه، والتي تعتبر كل ما من شأنه حماية الإسرائيلي مباح، حتى لو أدى ذلك إلى قتل أي أحد، محارباً كان أم غير محارب، منتمياً إلى الشعب المعادي أم غير ذلك، لكنه يتجاوز الأمر حدود البشاعة التقليدية عندما يشرع الكتاب قتل الرضع الأطفال. فالأطفال الذي يغلقون طريق الإنقاذ: إنقاذ الإسرائيلي مسموح قتلهم. ليس هذا فحسب، إذ يسمح بقتل الأطفال الذين سيكبرون لإضرارنا، إذا يمكن قتلهم هم بالذات، وليس فقط في إطار المس بالكبار، كما يمكن المس بما أسماه أطفال الملك الشرير، وهو العدو بالطبع، وذلك من أجل الضغط عليه. والحق أن مثل هذا الكتاب، وليس كلام السياسيين الدبلوماسي هو الأكثر تعبيراً عن عقائد اليهود كما تتوفر في كتبهم التوراة والتلمود، وإذا كان الأخير نوعاً من التفسير، فإن التوراة ذاتها في نسختها الحالية تزدحم بالعنف وأوامر القتل لأعداء شعب الله المختار ما يتفوق على ما ورد في الكتاب الذي نحن بصدده. والخلاصة أن الحاخام الذي كتب الكتاب، ومن استند إليهم ومن أثنوا عليه لا يأتون بشيء من عندهم، بل هي النصوص الكثيرة، بل الكثيرة جداً التي تتوفر في التوراة وتمنح اليهودي حق قتل الغير بكل بساطة، بل وإهلاك الحرث بعد النسل أيضاً من أجل تحقيق أهدافه. أوامر القتل في التوراة يصعب حصرها، ومن شاء أن يقرأ بعضها فما عليه سوى وضع أية عبارة مشابهة في محرك البحث غوغل لتخرج له عشرات النصوص المترجمة من التوراة مثل تلك التي استند إليها الكتاب. في حرب غزة كانت الأوامر الأساسية للجنود واضحة بأن عليهم تجنب القتل أو الأسر بأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى قتل آلاف المدنيين الفلسطينيين وهدم آلاف البيوت، والتحقيقات التي أجراها القاضي الصهيوني (هو يفتخر بأنه صهيوني) غولدستون أكدت ذلك على نحو لم يمنحه فرصة التهرب من سيل الحقائق الدامغة التي واجهها أثناء التحقيق، والتي تحدثت عنها الصحف الإسرائيلية ذاتها عشرات المرات، ومعها شهادات كثيرة لجنود شاركوا في الحرب. في المقابل لم تتورط قوى المقاومة في قتل الأطفال رغم سهولة ذلك، اللهم إلا بالخطأ في بعض العمليات، أما استهداف ما يسمى المدنيين، فجاء رداً على استهداف المدنيين الفلسطينيين، من جهة، فضلاً عن حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي برمته محتل ويعرف أفراده أنهم محتلون، فضلاً عن حقيقة أنه مجتمع عسكري يخدم الجميع فيه في الجيش أو الجهات التي تدعم استمرار الاحتلال. خلال انتفاضة الأقصى دخل استشهادي من كتائب القسام التابعة لحماس مطعماً بهدف تفجير نفسه، لكن وجود طفل مع أمه في المطعم دفعه إلى ترك المكان، الأمر الذي أثار الريبة وكلفه القبض عليه، ولو كان يحمل مثل أفكار الجنون الحاخامي إياه لما تردد في تنفيذ العملية. للحرب في ديننا فقه ولا أورع، لكن هؤلاء عنصريون، لأن دينهم بطبعته التي يؤمنون بها عنصري أيضاً يمنح الأفضلية للبشر بالوراثة، وفقط عن طريق الأم.