ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نشهد يوما عملية تبادل الأسير العربي الواحد بعدد من الإسرائيليين
نشر في هسبريس يوم 05 - 10 - 2009

في كل عملية تبادل للأسرى سواء تلك التي جرت من قبل مع مصر أو سورية أو الأردن، أو هذه التي تجري في كل مرة مع حماس الفلسطينية أو مع حزب الله اللبناني، والتي دوما تسوق على أنها انتصارات رهيبة، ولم يسبق له مثيل مما يهزّ عرش الكيان الصهيوني المهدد -حسبهم- بالزوال والإبادة، نجد في أغلبها أن جثة إسرائيلي تساوي العدد الكبير من الأسرى العرب الذين لا تزال الروح تسري في أجسادهم المنهكة من السجون والأصفاد... ""
إنه بلا شك يوحي ذلك إلى مدى قيمة الإنسان اليهودي لدى الدولة العبرية، والتي هي مستوحاة من عقائدهم وتلمودهم الذي يحركهم ويضبط سلوكهم ويصنع أحلامهم في هذا العالم، ولكن قيمة الإنسان العربي لدى أنظمته أو لدى الكيان العبري المدسوس في قلب الأمة، والذي هو أبخس من النخالة عندما كانت تطعم للكلاب المشردة...
نتحدث عن ذلك ولا يعني مطلقا أننا ضد تحرير الأسرى عن طريق التبادل المشروع من النواحي القانونية والدينية، ولا أننا ندعو إلى مقايضة أسير عربي مقابل إسرائيلي، وهذا الذي بلا شك لا يمكن تحقيقه، لأن سقوط الصهاينة في الأسر لا يحدث إلا في حالات تعد على الأصابع، في حين يوجد آلاف الأسرى في أقفاص من حديد لدى الكيان المحتل، كما أننا لا نسخر – معاذ الله - من تحرير أبرياء أنهكتهم السجون والمعتقلات، ولا أننا نستهين بجهود من حرروهم وبقدر المستطاع.
وطبعا من الواجب تحرير هؤلاء بكل الأثمان، فقد أسروا من أجل القضية ولا يعقل أبدا أن تتخلى عنهم القضية لأي اعتبار، فلا توجد أمة تحررت على مدار التاريخ من دون أن تدفع الثمن من الدم والدمع، ومن يزعم أن التحرير قد يهدى بمفاوضات السلام، أو نفوز به في ستار أكاديمي أو مسابقات من يربح المليون أو وزنك ذهب أو حفلات الرقص وهز البطن والخصر والنهد، أو من خلال فيديو كليب لمجموعة من الغانيات، فهو واهم وسيرتد عليه وهمه عندما يجد نفسه ضحية رصاصة طائشة أو أخرى مصوبة بإحكام، أو أن الأصفاد تسللت لزنديه برغم ما قدم لصالح الأعداء بهذا التصور المبتور والأحمق، لأن التحرير لا يأتي بدلع هيفاء وهبي ولا بعجرمات النانسي ولا بغنج أليسا ولا بقهقهات الشاب خالد، لأن الأصل في التاريخ ومنطق الأشياء أن من يريد السلام عليه أن يكون الأقوى في الحروب.
عندما أتساءل عن اليوم الذي سنبادل فيه أسير واحد بأسرى من الكيان الصهيوني الغاصب، فهذا يعني أننا استطعنا أن نأسر عددا كبيرا منهم، وأنه يتواجد في سجون رام الله أو حماس أو حزب الله المئات من الجنود الصهاينة المتعطشين لدماء أطفالنا وفق شرائع الحاخامات وصلوات التلمود.. وطبعا أنه ما دمنا تمكنا من أسر المئات فهذا يؤكد على ضعف العدو وقوتنا، ولكن عندما نتحول إلى أسرى إما في سجون الاستعمار أو أوليائهم الطالحين بأرضنا، فهي أدلة بينة واضحة على أننا لا نصلح للبقاء أصلا ما دمنا نلوذ بالصمت والاستجداء والخنوع.
فترى هل من الممكن أن تحقق أي مقاومة عربية هذا الهدف الإستراتيجي المهم وتصل إلى حلم أسر فصائل أو كتائب من جيش الاحتلال الصهيوني؟
هل لدينا من الإمكانيات العسكرية التي تمكنا من الوصول إلى بوابات ثكنات جيش الاحتلال المحصّنة؟
هل بصواريخ القسام أو الأخرى التي يملكها حزب الله اللبناني ما يمكن تحقيق الهدف؟
كم هو عدد سكان الكيان الصهيوني مقابل عدد الأسرى العرب في سجونهم؟
ألا يحتاج ذلك إلى أسر كل الدولة العبرية حتى يمكن أن نحرر أسرانا بطريقة أن المواطن العربي أو المسلم يساوي العشرات أو المئات من مواطني بني صهيون؟
أليس في حال قدرتنا على أسر الدولة العبرية المزروعة كالسرطان في وسطنا فالأفضل أن نحرر مقدسات أمتنا وأرض الشعب الفلسطيني المحاصر والمحتل؟
ألا يوجد عرب آخرون هم أسرى في سجون الاحتلال الأمريكي بالعراق وغوانتانامو وسجون أفغانستان وباكستان وتلك السرية في بعض الدول العربية، وقد تجاوز عددهم العشرين ألفا حسب منظمة هيومن رايتس ووتش؟
ألم تغدو شعوبنا معتقلة وأسيرة في أوطانها وفي أقل الأحوال هي تحت ما يسمى الإفراج المؤقت؟
ما معنى أن تنتفض ضد أسرى في سجون الأمريكان ولا تنتفض ضد حكومة المالكي ومن سار في فلكها، وهي التي جاءت من على ظهر الدبابة تبشر بالدمار والرزية تحت عنوان مزيف اسمه الديمقراطية؟ !!
هل من المعقول أن نبكي دموعا على أسرانا أو قتلانا ونحن أصلا أسرى وأبناؤنا قتلى وأمهاتنا ثكالى وعلى أيدي حكامنا؟
منذ نكبة العالم الإسلامي عام 1948 أي بأكثر من ستين عاما ونحن لا نزال نبادل أسرانا بطريقة، على كل حال لا يوجد سواها اليوم، ولكن هي في الأصل تبرز للعالم قيمة الإنسان اليهودي الذي جثته تساوي المئات من أحياء العرب والمسلمين، أما إن كان هذا الصهيوني حيا فهو يساوي المئات ووصل بنا السقوط أن صار يساوي الآلاف، فقد أجرت مصر والأردن وسوريا ولبنان في 21/07/1949 عملية تبادل مع إسرائيل، مع العلم أن الدول العربية كانت تحتجز 885 أسيرا إسرائيليا في حين يوجد 6306 أسيرا عربيا في الكيان العبري الذي كان يحارب بالعصابات مقابل جيوش نظامية زعم حكامها بشعارات القومية المزيفة والمزورة أنهم سيهزمون ويفتحون العالم، ولا نزال ندفع ثمن غرورهم وكذبهم لليوم.
أما في ديسمبر 1654 أعادت سورية 5 أسرى إسرائيليين مقابل 41 أسيرا سوريا أي أن الجندي يساوي على الأقل ثمانية من العرب. بل أن 5500 مصري كانوا أسرى في سجون الاحتلال تم الإفراج عنهم عام 1957 مقابل 4 إسرائيليين كانوا محتجزين لدى الزعيم والبطل القومي العربي جمال عبدالناصر، وبطريقة حسابية أنه بعد أقل من عشر سنوات من النكبة صار الصهيوني يساوي 1375 مواطنا مصريا، ألا يوجد استخفاف أكثر من هذا وخاصة أن عبدالناصر زعم أنه صلاح الدين الأيوبي المنتظر، وصفق له ولا يزال المخدوعون والمتوهمون في ظل واقع بائس.
تتواصل خيبات الجيوش العربية بقيادة البطل القومي العربي جمال عبدالناصر، حيث في حرب 1967 أسرت القوات العربية 15 عسكريا إسرائيليا، في حين القوات الإسرائيلية اعتقلت 6708 عربيا، لتتم مبادلتهم في 23/01/1968...
وتشير المصادر المختلفة إلى أنه منذ عام 1970 وحتى 20/05/1985 تمت صفقات تبادل الأسرى وقد اشتملت الإفراج عن 407 إسرائيليين مقابل 6684 معتقلا فلسطينيا وعربيا ومن مختلف الدول، أي أن الإسرائيلي الواحد يساوي 16 أسيرا عربيا في أقل الأحوال.
وربما لا يمكن أن نتجاهل عملية تبادل في 21/12/1963 التي جرت بين إسرائيل وسوريا وهي من التي تعد على الأصابع، حيث أفرج عن 11 إسرائيليا مقابل 15 أسيرا سوريا، وطبعا العملية كانت ثنائية في ظل مد وجزر بين الحكام العرب، ولكن يكفي أن الجولان لا يزال محتلا.
إن قيمة الإنسان العربي مقابل الصهيوني ظلت على مدار ستينية "الدولة العبرية" تراوح مكانها أحيانا وتحدث صعود قيمة الصهيوني في أغلب الأحيان، حتى خلال التسعينيات نجد أن الأمر لا يزال على حاله ولم تصعد قيمة العربي في سوق تبادل الأسرى التي كلما يحرر عشرة يعود العشرون إلى المحتشدات والسجون، والسبب واضح هو ضعف كياننا وتمسخنا بالفشل والسقوط الحر والإنتصارات المزعومة والمزيفة.
ففي يوليو/تموز 1996 تمت مقايضة رفات الجنديين يوسف فينك ورحاميم اليشيخ برفات 123 لبنانيا، أما في يونيو/حزيران 1998 تسليم جثة الجندي الإسرائيلي إيتمار إيليا مقابل رفات حوالي 40 لبنانيا وبينهم هادي نجل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. أما يناير/كانون الثاني 2004 سلم حزب الله العقيد الحنان تننباوم وجثث 3 جنود وهم عدي أفيطان وعمر سواعد وبيني أفراهام مقابل 23 أسيرا لبنانيا و12 أسيرا عربيا و400 فلسطيني...
حتى لا نطيل كثيرا في هذه المسلسل الذي يؤكد على أن الكيان العبري يحرص على جثث قتلاه وطبعا بناء على القداسة التي يتمتع بها اليهودي من خلال تلموده، سواء كان حيا أو ميتا، في حين أن الإنسان قدّس عندنا وفي أرقى صوره من خلال القرآن الكريم، ولكن لا قيمة له وهو حي وحر فكيف ستكون له قيمة وهو أسير برغم القضية؟ !!
قد يزعم البعض أننا نسخر من الأسرى أو أننا ندعو إلى ضرورة مبادلة الند بالند وهذا بلا شك سيجعلنا لا نستطيع تحرير 1% من أسرانا، كما أنني أحرص على ضرورة استغلال قيم الإنسان العبري لدى دولته، حتى نصل لتحقيق تحرير المساجين الذين قضوا السنوات الطوال وهم في معاناة لا يمكن وصفها، وإن كانت أرحم بكثير من سجون العرب ومحتشداتهم.
ولكن في الوقت نفسه يجب مراجعة الأخطاء التي عمرت في واقعنا على مدار عمر الكيان العبري المدسوس في عوراتنا، ولا نبقى نفرح ونسوق على أننا منتصرون مادمنا حررنا 19 أسيرة من شريفاتنا التي لم يكحلن عيونهم إلا بدخان المقاومة والكبرياء، مقابل أقل من دقيقة واحدة لشريط فيديو يظهر فيه جلعاد شاليط يقرأ ما كتب له لإثبات أنه على قيد الحياة، وبلا شك سيتم تحريره مقابل آلاف الأسرى، والذين لن تتأخر إسرائيل في إعادة آخرين بدلهم وتبقى سجونهم دوما محشوة بالعرب بمختلف دياناتهم، والذين لا يساوون جميعا في معتقدات بني صهيون حفاظة بول إستعملها الجنود أثناء محرقة غزة الأخيرة !!
لو نظرنا بعين فاحصة وصادقة وحاسبنا أنفسنا لوجدنا أنه لا يمكن أن نطالب إسرائيل باحترام قيمة الإنسان العربي عموما والأسير بصفة أخص، وهو لا يساوي جناح بعوضة في أوطاننا، فإن كنا نلوم الصهاينة على ما يقترفونه في حق الأسرى الفلسطينيين، فما يلاقونه في سجون سلطة رام الله يندى له الجبين، وهل من المعقول أن نتحدث عن ذلك وأطفال غزة يذبحون على المباشر في حين محمود عباس لم يتجرأ على انتقاد الكيان العبري ولو بلوم العاشقة لعشيقها في لحظة شبق جنسي عارم، في حين يستنسر على المقاومة التي في عز الحرب كانت تحتاج إلى الدعم والمساندة ولو بطيب الكلام والدعاء، هذا من أجل حماية أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعزل، في حين ظل هذا العباس يتواطأ على غزة بالتجويع والحصار والتقتيل واعتبارها خارجة عن القانون، ثم التفريط في دماء الأبرياء والمتاجرة بهم في سوق النخاسة، آخرها تجلى في الوقوف ضد تقرير القاضي ريتشارد غولدستون بجنيف، الذي يدين إسرائيل على محرقة غزة، وهكذا صارت قيمة الضحايا الشهداء لا تساوي حتى حبر الورق الذي حرر به التقرير عند العباس والفياض في ما يسمى تجاوزا سلطة رام الله، التي يدعمها نتنياهو وليبرمان وباراك وأولمرت... يا للعجب !!
ترى ماذا لو سقطت صواريخ على مستوطنة صهيونية وقتلت 5 أطفال ومزقت جثثهم، فهل من الممكن أن يطلع إيهود باراك أو بنيامين نتنياهو ويحمل المتطرفين من ذلك الحي مسؤولية سقوط الضحايا، وهل من الممكن أن نتخيل أن أحد هؤلاء المجرمين القتلة سيمدون أيديهم ويصافحون ولو كان حارسا ليليا يظهر عليه ذقن يشبه ذقون رجال كتائب القسّام، في حين حكام رام الله يلحسون أصابع نتنياهو الملطخة بدماء الأطفال الرضع؟ !!
بلا شك أن ذلك لن يتحقق لأن دم الصهيوني "السامي" في معتقداته وقيمته وشحمه ولحمه، يساوي الدنيا لدى سلطات الاحتلال السياسية والدينية، في حين الفلسطيني لا يساوي شيئا لا عند عصابة محمود عباس، ولا حتى عند الحكام العرب من حسني مبارك إلى الملك عبدالله الثاني ومرورا بآل سعود، ووقوفا عند من يزعمون أنهم مع فلسطين ظالمة أو مظلومة كالجزائر وبوتفليقها عانق إيهود باراك، أو حتى المغرب التي ملكها يترأس ما يسمى لجنة القدس ومستشاروه صهاينة بامتياز.
من كل ما تقدم فإننا نؤكد على أن النصر لن يتحقق وقيمتنا في بورصات العالم لا تساوي جناح بعوضة، وهذه القيمة يجب أن تظهر من خلال واقعنا في أوطاننا، حيث لا يصبح المواطن يفر من بلاده عبر زوارق موت، ولا يتحزم بالقنابل من أجل إبادة الآخرين انتقاما على احتقاره لذاته، لأنه لا يمكن أن يحترم الناس شخصا تهينه أسرته وإخوته وأقرب الناس إليه، بل تتركه يقتات من المزابل والملايير تبذر في الليالي الحمراء والدعارة والدياثة.
فعندما أرد على من يزعمون أن إسرائيل مهددة بالزوال لأسباب إستراتيجية وأخرى عقدية، فلست أهرف بما لا أعرف، لأن الزوال يبدأ بفقدان هيبة الدولة ثم يصل إلى فقدان هيبة الإنسان وبعدها يأتي الانقراض، فإن أخذنا هذه المعايير بعين الاعتبار فإننا نحن المهددون بالزوال حتما، مادمنا لا نملك دولا بمفاهيمها وشروطها الحضارية التي أرست دعائمها قوانين الحياة، ولا نملك قيمة سوى تلك التي نتبجح بها من خلال النصوص الدينية، فالقيمة ليست شعارات براقة لكنها واقع ملموس نراه رأي العين لدى العدو قبل الصديق...
فالأمم التي تريد البقاء تصنع لنفسها وعرقها ودينها قيمة، عن طريق إرساء شروط القوة التي بينها العقدية والإنسانية والأخرى العسكرية، وبلا شك ومهما اختلفنا مع إيران ومهما انتقدناها، فهي الدولة الوحيدة حاليا من عالمنا المختلة موازينه، التي تريد أن تبني كيانها من كل النواحي في ظل عالم يتجه نحو وحشية الكبار ضد الصغار، فهي تحقق التفوق العسكري، وهي تنجز نموذج الحكم الحي الذي يجعل من صوت المواطن ذا قيمة وليس مجرد ورقة بالية يتم تغييرها أثناء الخلوة، كما أنها تصدر ثورتها الدينية وفق رؤية ترسي دعائمها لدى الأمم الأخرى...
ولهذا فالصهاينة يدركون هذا الخطر القادم لذلك يريدون تدمير بنية إيران التحتية وقدراتها العسكرية عن طريق القصف العسكري المخطط له في دهاليز الموساد، وتحطيم ديمقراطيتها ومنها تحطيم الدولة وذلك بإشعال فتيل الفتن الداخلية، كما تريد تقويض مدها العقدي في العالم الإسلامي عن طريق دعم المناهضين لها...
باختصار جد شديد أقولها بصراحة لما نصل لليوم الذي يصير للإنسان المناهض للصهيونية قيمة سواء كان جنسه من العرب أو الفارس أو الأفغان أو الهندي أو باكستان أو حتى من بلاد الوقواق، حينها قد نستبشر بالنصر المؤزر، والقيمة لا تظهر في الشعارات الطنّانة والرنانة بل هي واقع ملموس، نتذوقه ونكحل به عيوننا حيث يتجلى في أبسط الأشياء، وطبعا تبادل الأسرى من بينها..
وأؤكد أن حماس ستطلق سراح جلعاد شاليط قريبا مقابل ربما آلاف من الأسرى الذين سيحررون من سجون الاحتلال، ولكن أنا على يقين أن ذلك لن يغفر لها وسيسقط آلاف ضحايا غزو واعتداء آخر على قطاع غزّة في ظل تآمر من العرب قبل الغرب، وستعاد الزنازين التي أفرغت وتملأ من جديد بأسرى جدد، ليبقوا ينتظرون شاليطا آخرا، والذي سيصعب تحقيقه في ظل الانقسام والحرب الداخلية والمؤامرة والعمالة في حبات الزيتون المتوجعة في صحن البيت الفلسطيني... وللحديث بقية.
*كاتب وباحث جزائري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.