ما هو موقف الشرع من الفحوصات الطبية قبل الزواج؟ وهل يمكن استصدار تشريع يحمل الناس عليه بحيث لا يترك الأمر لمجرد الرغبات أو مرهونا باختلاف الثقافات؟ الفحص الطبي قبل الزواج من الأمور المستحدثة في الفقه الإسلامي، وبالتالي لا نجد الطريق فيه ممهدة للإفتاء حيث لا يوجد فيه نص، ولم يتعرض له فقهاؤنا القدامى، وبالتالي يكون الحكم فيه بناء على فقه الموازنات بين منافع هذا الفحص ومضاره، وترجيح أحد الجانبين على الآخر. وعلى الرغم من المنافع المتوقعة من إجراء مثل هذه الفحوص، كأن يكون هناك مرض يمكن علاجه، أو نصيحة توجه لأحد الخاطبين أن يصرف نظرا عن هذه الخطبة، أو غير ذلك، على الرغم من ذلك لا يمكننا إغفال المضار المترتبة عليه، كأن يجعل حياة الناس قلقة، أو إشاعة هذه النتائج التي تؤثر على علاقة المرضى بالآخرين وغير ذلك. وبعد أن درس العلماء المعاصرون هذه المنافع وتلك المضار خلصوا إلى جواز إجراء مثل هذه الفحوص، بغير إلزام من قبل الدولة أو المجتمع، وهو حق لكلا الخاطبين يمكنه المطالبة به، أو التنازل عنه. وقد استعرض مجلس مجمع الفقه موضوع الفحص الطبي الذي هو الكشف بالوسائل المتاحة (من أشعة وتحليل وكشف جيني ونحوه) لمعرفة ما بأحد الخاطبين من أمراض معدية أو مؤثرة في مقاصد الزواج، وبعد المداولة والمناقشة للبحث المقدم في ذلك قرر المجلس ما يلي: أولاً: إن للفحص الطبي قبل الزواج فوائد من حيث التعرف على الأمراض المعدية أو المؤثرة وبالتالي الامتناع عن الزواج ولكن له - وبالأخص للفحص الجيني - سلبيات ومحاذير من حيث كشف المستور، وما يترتب على ذلك من أضرار بنفسية الآخر المصاب ومستقبله. ثانيا: لا مانع شرعا من الفحص الطبي بما فيه الفحص الجيني للاستفادة منه للعلاج مع مراعاة الستر. ثالثا: لا مانع من اشتراط أحد الخاطبين على الآخر إجراء الفحص الجيني قبل الزواج. رابعا: لا مانع من اتفاقهما على إجراء الفحص الطبي (غير الجيني) قبل الزواج على أن يلتزما بآداب الإسلام في الستر وعدم الإضرار بالآخر. خامسا: لا يجوز لأحدهما أن يكتم عن الآخر عند الزواج ما به من أمراض معدية أو مؤثرة إن وجدت، وفي حالة كتمانه ذلك وتحقق إصابة أحدهما أو موته بسبب ذلك فإن الطرف المتسبب يتحمل كل ما يترتب عليه من عقوبات وتعويضات حسب أحكام الشرع وضوابطه. سادسا: يحق لكليهما المطالبة بالفسخ بعد عقد النكاح إذا ثبت أن الطرف الآخر مصاب بالأمراض المعدية أو المؤثرة في مقاصد الزواج.