هناك مشكلات في حياتنا نحاول تجاهلها، وهو ما يؤدي إلى استفحالها، حتى إذا ما استجد جديد في حياتنا يفضح إهمالنا صرخنا ولجأنا إلى تبريرات واهية وزدنا من تمسكنا بمواقفنا القديمة؛ مدعين مقاومة هجمات العولمة والتغريب. هذا هو بالضبط حالنا في تناول موضوع التربية الجنسية: الآباء، الأمهات، المشرفون الاجتماعيون، الموجهون، الإعلاميون... الكل يجد ألف تبرير لتقصيره في تناول الموضوع بالصورة التربوية السليمة، الكل يحمل الآخرين المسؤولية ليهرب مرتاح البال من مجابهة هذا الهم وهذه الورطة، الكل ينتظر التوجيه والإرشاد لابنه أو ابنته من الطرف الآخر، حتى إذا ما داهمتنا التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام المتطورة وواجهنا حقيقة طغيان المحتوى الجنسي لكثير منها، صرخنا وتعالت الأصوات تنادي بالرقابة والمنع الكلي. ولكن: هل يلغي هذا حق أبنائنا الفطري في المعرفة المتعلقة بهذا الجانب من حياتهم؟ الأبناء لديهم ميل طبيعي لاكتشاف الحياة بكل ما فيها، فتأتي أسئلتهم تعبيرا طبيعيّا عن يقظة عقولهم، ولذلك ينبغي للمربي ألا تربكه كثرة الأسئلة أو مضمونها، وألا يزعجه إلحاح الصغار في معرفة المزيد، بل عليه التجاوب مع هذه الحاجة.. إن استعدادنا للتعامل مع هذا الفضول - نحن الآباء والأمهات - واجب أساسي وليس هامشيا، ولا بديل عنه في هذا الأمر، لأنه يحدد موقف الابن/ الابنة من الجنس، (والأمور المتعلقة بالجنس كالمحافظة على الجسد، كالعلاقة مع الجنس الآخر، فكرة وفلسفة الزواج...) وبالتالي يحكم على حياته الجنسية المستقبلية بالنجاح أو الفشل. إن أول أسباب التهرب من موضوع الجنس مع الأبناء: الارتباك في مفهوم الحياء فقد توارثنا تصورا خاطئا، مؤداه أن خلق الحياء يمنع من الخوض في أي حديث يتصل بأمور الجنس التي بقيت - في إطار هذا التصور الخاطئ - وراء حجب كثيفة لا تستطيع اختراقها، فإذا عرضت للشاب أو الشابة مشكلة تتصل بالأمور الجنسية أو الأعضاء الجنسية حار في التماس التصرف الملائم، والجهة التي يمكن أن يقصدها بحثا عن حل أو علاج. وغالبا ما يكون الحديث مع الزميل أو الزميلة أهون منه مع الوالد أو الوالدة ومع المدرس أو المدرسة. والسبب هو الحاجز الذي أقامه هؤلاء الكبار بينهم وبين أبنائهم وتلاميذهم، أقاموه بصورة غير مباشرة بصمتهم عن كل ما يتعلق بالأمور الجنسية سنوات طوالا، وبصدهم للصغار حين يثيرون أسئلتهم الساذجة البريئة في مجال الجنس. وهذا مما ألقى في روع الأبناء منذ الصغر أن كل ما له صلة بالأمور الجنسية يعتبر عيبا لا يجوز الخوض فيه، وأمرا يحسن - من باب الحياء الواجب - البعد عنه بعد المشرقين. وهكذا صار من شأن المهذبين أن يفضلوا الصمت ويتحملوا آثاره - مهما كانت مزعجة ومؤلمة - على معاناة الحديث. مع أن الحديث يمكن أن يسهم في علاج ما يواجههم من مشكلات، بل قد يكون فيه البلسم لجراح نفسية عميقة. وكي نضع الحياء في إطاره الصحيح علينا أن نعرف مبدئيا أن الحياء، كما شرح الإمام الحافظ: ... الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة. ننا بحاجة إلى خطاب بناء ومتوازن، لأن الهروب والقفز على المشكلة بالتجاهل أو التطرق السطحي لن يحل شيئا، وبالتالي كان لا بد من التطرق إلى جوانب المشكلة المتعددة بصورة متوازنة ومستمرة، فلا يغفل الجانب الشرعي للموضوع، أو يطغى الجانب التربوي على الجوانب الصحية للموضوع، أو يتم إغفال دور الدعاة والأئمة في معالجة الجهل التربوي المتفشي. رئيس القسم الاجتماعي الإنجليزي بشبكة إسلام أون لاين.نت