بعد نحو ستة أعوام من الخطة الحكومية لمحاربة الرشوة والفساد، التي وضعتها حكومة التناوب السابقة على رأس برنامجها الحكومي وتصريحاتها الحكومية المتتالية، يعود الموضوع إلى الواجهة مجددا، حيث صادق المغرب أخيرا على اتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الرشوة بعد توقيعه عليها في 9 دجنبر ,2003 وكانت جمعية ترانسبرانسي المغرب لمحاربة الرشوة قد دعت الحكومة المغربية في العام الماضي إلى التصديق على الاتفاقية، مشترطة أن تكون المصادقة مدعومة بملاءمة الترسانة القانونية الوطنية مع مقتضياتها. وقد أعلن وزير العلاقات مع البرلمان المغربي محمد سعد العلمي قبل أيام في تصريحات صحافيةأن الحكومة تهيئ مشروع قانون التصريح بالممتلكات الذي يقضي بإلزام أي مسؤول بالكشف عن ممتلكاته العينية والمالية وكذا ممتلكات عائلته قبل تحمل المسؤولية، لمطابقة ما تم جرده بعد مغادرته، وقال العلمي إن القانون المشار إليه يوجد في مرحلته الأخيرة، إذ وضعت النسخة النهائية منه لدى الأمانة العامة للحكومة لمراجعته كما تقتضي ذلك الترتيبات القانونية المرعية، وأوضح أن الحكومة المغربية تولي اهتماما كبيرا لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد والمفسدين.وفي الشهر الماضي أعلن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومةنبيل بنعبد الله أن الحكومة أعدت خطة عمل من ستة محاور لمحاربة ظاهرة الرشوة والفساد، تقوم أساسا على مراجعة القانون المتعلق بالممتلكات مما سيمكن من الاحترام الفعلي للتصريح بالممتلكات قبل تحمل المسؤولية وبعد الخروج منها، وإخراج القانون المتعلق بتبييض الأموال في أقرب وقت ممكن بالإضافة إلى القانون المتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية، وأكد أن الإجراء الثاني يهم إحداث هيئة لتتبع قضايا محاربة الرشوة ستشكل بالنسبة للدولة أداة للتطهير من هذه الظاهرة ، فيما يهم المحور الثالث تعزيز الشفافية في إبرام الصفقات العمومية من خلال إعادة النظر في المرسوم الحالي وتقوية شروط الشفافية في الولوج إلى هذه الصفقات وتنفيذها، ويهم الإجراء الرابع تطوير أنظمة التتبع والمراقبة والتدقيق داخل الإدارات من خلال إرساء نظام جديد لمراقبة التدبير الداخلي وإعادة النظر في اختصاصات المفتشية العامة للوزارات سيعهد إليها بدور أقوى في هذا الاتجاه، مضيفا أنه سيتم العمل على تبسيط المساطر الإدارية حيث ستتضمن البطاقة الوطنية مثلا كل المعطيات التي تغني عن اللجوء إلى وثائق أخرى مثل عقد الازدياد وشهادة الإقامة،ونفس الأمر بالنسبة للبطاقة الرمادية ورخصة السياقة، أماالمحور الخامس فهو يتعلق باعتماد الإدارة الإليكترونية وتبسيط ولوج المواطنين لهذه الإدارة مما سيمكن من تبسيط المساطر الإدارية والاستغناء عن الكثير من الوثائق التي تكون أحيانا سببا في حصول ظاهرة الرشوة، وأخيرا المحور السادس الذي يهم دعم البرامج التربوية والتحسيسية بهذه الظاهرة بدءا بالمدرسة، مشيرا إلى أنه تم لهذا الغرض تشكيل لجنة يسهر على تتبع أشغالها وزير تحديث القطاعات العامة وتضم في تشكيلتها عددا من الكتاب العامين للوزارات ، ستقدم الإجراءات الملموسة لهذه الخطة خلال 15 يوما المقبلة. محاربة الفساد والرشوة في المغرب مدعوة إلى أن تترسم عبر سياسة واضحة وشفافة تستهدف استرداد المال العام المنهوب طيلة العقود الماضية، فقد أكدت الفضائح الكثيرة التي كشفت عنها ملفات المؤسسات العمومية التابعة للدولة كالقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي والخطوط الملكية الجوية والضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد وجمعية المطاحن والشركة التجارية للملاحة(كوماناف)وغيرها أن هذه المؤسسات العمومية كانت تدار بطريقة بيروقراطية ويتعامل معها مسؤولوها ومديروها كمزارع شخصية لهم أو أملاكا ورثوها عن آبائهم، وبتواطؤ من طرف مسؤولين كبار في الدولة، وبالرغم من ظهور كل تلك الفضائح والاختلاسات التي كبدت الاقتصاد الوطني خسائر فادحة لم تكن هناك متابعات قضائية حقيقية للمسؤولين عنها، وتابع المواطنون تلك الفضائح بالأرقام لكنهم لم يروا الأحكام القضائية تصدر في حق هؤلاء، الأمر الذي أفقد الشعارات الحكومية حول محاربة الفساد والقضاء على الرشوة وتخليق الحياة العامة كل مصداقية. وتقول تقديرات البنك الدولي إن وضع خطة حكومية لمحاربة الفساد بالمغرب هي السبيل الأنجع لتجنيب البلد كوارث اقتصادية، كما ستمكن المغرب من استرداد 2% من الناتج المحلي الخام، والذي يذهب سدى بسبب الفساد وسوء الإدارة، الأمر الذي يعني أن أي خطة حكومية للتشغيل أو الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن تتم في معزل عن سياسة حقيقية للأيادي النظيفة تعيد للبلاد عافيتها وتسترجع ثقة المواطن المغربي. إدريس الكنبوري