قبل أيام دوت فضيحة مدوية في أرجاء العالم وتابعها المئات من ملايين المشاهدين الذين كانوا يتابعون ألعاب بطولة العالم لألعاب القوى التي شهدتها مدينة برلين الألمانية، ويتعلق الأمر بثبوت تناول عدائين مغربيين للمنشطات. يقول العارفون بأخبار منافسات ألعاب القوى إن المغرب أصبح من أكثر الدول التي تشير إليها أصابع الشك بتناول عدائيها للمنشطات، والدليل على ذلك أن هاتين الحالتين اللتين تم ضبطهما كانتا الحالتين الوحيدتين في هذه المنافسات، علما أنه سبق أن اتهم عداؤوة مغاربة بتعاطي المنشطات مثل العداء المغربي السابق إبراهيم بولامي الذي اتهم بتعاطي مواد محرمة في التنافس الرياضي، ونفس الشيء بالنسبة للعداء البحريني من أصل مغربي رشيد رمزي، والذي كان قد حاز على الميدالية الذهبية لسباق 1500 متر في أولمبياد بكين مواد منشطة. وكان البطل العالمي والأولمبي السابق والمحلل الرياضي بالجزيرة الرياضية سعيد عويطة قد صرح بأنه فوجئ بالمستوى الذي ظهر به العداء الشطبي وبالتوقيت الذي تحصل عليه في بطولة العالم الحالية، مشيرا إلى أن الشطبي كان عداءا عاديا قبل عام، وأضاف عويطة أن ثبوت تناول الشطبي لمادة منشطة سيشكل ضربة قوية وإحباطا لدى العدائين المغاربة المشاركين ضمن بطولة العالم لألعاب القوى، المقامة حاليا في مدينة برلين الألمانية، والتي ستستمر إلى غاية 23 غشت الجاري. وكان عويطة حين عين مديرا تقنيا لجامعة ألعاب القوى قد أعلن أنه سيشن حربا لا هوادة فيها على تعاطي المنشطات؛ قبل أن يدخل في خلاف وصراع وخلاف مع القائمين على الجامعة بعد ستة أشهر فقط من تعيينه. قد يقال إن تعاطي المنشطات أمر لا يخص ألعاب القوى المغربية، بل إن دولا عريقة في هذه المنافسة ثبت تعاطي رياضييها للمنشطات كما هو الشأن لبعض العدائين الأمريكيين. كما قد يذهب البعض للحديث عن لغة المؤامرة. ولست أدري من يتآمر في الجامعة الدولية ضد ألعاب القوى المغربية، ولماذا لم يسقط هذا التآمر عدائين مثل عويطة والكروج والسكاح وغيرهم من الأسماء الكبيرة؟ ظاهرة تعاطي المنشطات التي شوهت السمعة الرياضية للمغرب ليست ظاهرة معزولة، بل إنها تعكس تحول ممارسة الغش إلى ظاهرة ثقافية بنيوية في السلوك اليومي للمغاربة. وعلى الرغم من أنه لا ينبغي التعميم على الجميع وأنه لا تزال فينا نسبة معتبرة من المواطنين الذين يرفضون الاستسلام لثقافة الغش فإن التأمل في واقعنا يبين أن الغش أصبح لدى كثيرين منا قيمة متأصلة وسلوكا يوميا، بل أصبح ينظر إليهما على أنهما شطارة ومهارة. وقد أصبح جاريا على لسان كثيرين منا كلام من قبيل : فلان أكرمه الله بوظيفة أو عمل لا يعمل فيه أي شيء ( جاب ليه الله خديمة مكاي يدير فيها والو. واسأل رجال التعليم عن تطور فنون الغش في الامتحانات يأتيك الخبر اليقين، فقد طور بعض التلاميذ أساليب رهيبة في الغش وأصبحوا يستخدمون في ذلك أحدث التقنيات العصرية مثل الهاتف النقال، كما تطورت تجارة كاملة يستفيد منها أصحاب آلات النسخ بالقرب من المدارس على مرآى ومسمع من الجميع، إذ تجد الواحد منهم عاكفا على استنساخ صور مصغرة مكتوبة بخط نملي لبعض المدمنين على الغش في الامتحانات. واسال العارفين بشؤون الصفقات العمومية سواء من جهة أساليب تفويتها أو في الفوز في المناقصات الخاصة بها أو على مستوى جودة إنجازها ينبئك وضع الطرقات التي تتدهور حالتها بعد حين، وعيوب البنايات والمنشآت عن استحكام آفة الغش. أما عن جودة السلع والخدمات فحدث ولا حرج، إذ إن الحصول على خدمة بمواصفات الجودة هو معاناة حقيقية اليوم؛ تقتضي منك بحثا قد يستغرق منك أياما كي تحصل على بغيتك من مهني متقن ومخلص في مهنته، أو سلعة تتوفر فيها مواصفات الجودة حتى أصبح من وصايا السواح، الذين سبقت لهم زيارة المغرب واكتووا من خداع بعض التجار أو مقدمي بعض الخدمات، التحذير من غش المغاربة الذي صار مسألة سارية. ثقافة الغش ثقافة خطيرة ومدمرة للعلاقات الاجتماعية ومعيقة للنمو وكابحة للاستثمار. ثقافة الغش تكرس تلك الرغبة الجامعة للربح السريع والنجاح بدون بذل جهد مقابل. ثقافة الغش تهدد قيمة العمل وتعلي من قيمة الربح والوصول السريعين وتقلل من شأن التنافس الشريف ومن شأن الاستحقاق وتكافؤ الفرص، ومن ثم فهي تنشئ أوضاعا شاذة في المجتمع فيتصدر المخادعون والنصابون ويتراجع العاملون المبدعون. ثقافة الغش اليوم على الرغم من أنها تسائل السلوك الأخلاقي الفردي إلا أنها لم تعد ظاهرة فردية، بل إنها تكاد تصبح ثابتا من ثوابت الحياة العامة والحياة السياسية على وجه الخصوص، كما تشهد على ذلك مختلف ظواهر الفساد والإفساد الانتخابي واستعمال المال الحرام أو مختلف مظاهر النفوذ والجاه السياسي للحصول على مواقع غير مستحقة للبعض في المشهد والخريطة السياسيين لو كان الانتخابات والممارسة السياسية في المغرب تتم في ظروف عادية من النزاهة والشفافية والمنافسة الديمقراطية الشريفة. ليس غريبا إذن أن تلطخ سمعة المغرب الرياضية بفضائح متتالية لتعاطي المنشطات، ما دام استخدام المنشطات لم يعد مقتصرا على حقل الرياضية، ومادام مضمار التنافس السياسي قد شهد دخول عدائين سياسيين حديثي عهد بالتنافس السياسي، ولم يسبق لهم أن تهيأوا بما يكفي من التربصات والتداريب والمباريات الإعدادية، فإذا بهم يفوزون بميداليات ذهبية تارة وفضية ونحاسية تارة أخرى، وإذا بهم يصبحون أبطالا في التنافس السياسي. من الطبيعي أن ينتقل الدوباج أو تعاطي المنشطات إلى حقل الرياضة لأن السياسة التي يفترض فيها أنها تمرين علني من قبلالنخبة أمام المجتمع بمختلف فئاته من النخبة على قيم التنافس الديمقراطي الشريف وعلى قيم النزاهة والإبداع في الأفكار والبرامج وعلى قيم العمل والاستحقاق، أصبحت المجال الأمثل لالدوباج والمنشطات بجميع أشكالها وألوانها، مع فرق بسيط هو أن المنتظم الدولي اليوم ليس معنيا بقيام ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، وأنه معني أكثر بتقديم شهادات حسن سلوك للأوضاع السياسية التي تخدم مصالحه وامتيازاته، وإلا لأسس لجنا مختصة في الكشف عن المنشطات في السياسة كما تفعل الجامعة الدولية لألعاب القوى.