قد يتبادر إلى أذهان كثير من القراء أن التعبير الوارد في العنوان حماة محبوبة من نسج الخيال، نظرا لما ترسخ في أذهان هؤلاء من أن الحماة من ألد الأعداء لزوجة الابن، وزكت هذا التصور أمثال شعبية عديدة وحكايات قديمة تتناول الكيد المتبادل بين الحماة وزوجة الابن. الحماة المحبوبة عملة نادرة، لكن يبدو أنها أصبحت تتكاثر، ووقائع الحياة تستدعي هذه الكثرة، خصوصا في ظل عمل زوجة الابن خارج البيت، فما هي صفات الحماة المحبوبة؟ تتميز الحماة المحبوبة بصفات تحتاج إلى جهد كبير وإلى جهود مضاعفة من زوجة الابن نفسها، كما أن للابن دورا أساسيا في هذه الشراكة العائلية المتينة. من أهم صفات الحماة المحبوبة أولا وقبل كل شيء أن لا تكون من رواد دور السحرة والمشعوذين بحثا عن ميل أبدي من ابنها الذي أصبح زوجا لامرأة جديدة، كما أن من صفات الحماة المحبوبة القدرة على ترك هامش كبير من الحرية لابنها وزوجته وعدم التدخل في الصغيرة والكبيرة، حتى لا تصبح في نظرهما كائنا متطفلا يعكر صفو مودتهما. وإن الحماة المحبوبة هي التي تؤمن في داخلها أن زوجة ابنها في مقام إحدى بناتها، فتحن عليها وتكسبها خبراتها عوض أن تجعلها ندا أو عدوا لها. وحري بالحماة الراغبة في نيل حب ابنها وزوجته أن تكون على قدر لا بأس به من الاحترام لخصوصيات ابنها وزوجته، كما حكت لي إحدى الصديقات أن سر استمرار علاقة الحب بينها وبين حماتها تحت سقف واحد أكثر من عشر سنوات هو حفاظ كل منهما على قيمة الاحترام المتبادل للخصوصيات، وترك هامش من الحرية لكلا الطرفين، إضافة إلى اعتدال الحماة في الحب تجاه أحفادها، فلا هي بالقاسية عليهم أثناء غياب أمهم للعمل خارج البيت ولا هي بالحنونة تجاههم بإفراط يبلغ حد الإدلال الزائد عن الحد. كل ما ذكر من صفات الحماة وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره، لن يكون قنطرة لنجاح العلاقة بين الحماة وزوجة الابن إذا لم تكن هذه الأخيرة على قدر كاف أيضا من النباهة والتواضع، إضافة إلى جرعة لا بأس بها من الصبر والكرم المادي والمعنوي. ولن يتحقق التوازن المطلوب في الحب بين زوجة الابن وحماتها إذا لم تضف إليها جرعات من التفهم والتشجيع والكياسة من الزوج الذي قد يكون سببا في رعاية هذا الحب المتبادل بين زوجته وأمه وضمان استمراريته، وقد يكون أيضا سببا لا قدر الله في نقض كل ما غزلته أمه وزوجته، سواء بالإهانة لزوجته أمام أهله أو بعدم تقدير عاطفة الأمومة أمام تأجج عاطفة الحب الزوجي. الحماة المحبوبة للحياة الزوجية إذن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ويشترك عدة أطراف في الحفاظ عليه، فهنيئا للفائزين بهذا البنيان.