ذرف حسن الدموع، وتوقف لحظات عديدة وهو يحكي لالتجديد قصة توبته ومسار حياته الذي تغير بشكل جدري بعد أن كان يعيش حياة الحيوانية وحياة العربدة كما وصفها أكثر من مرة أثناء حديثنا معه. حسن.ك رجل في الخمسينيات من عمره، ذو لحية يغلب عليها بياض الشيب، ووجه أبيض به ندوب وآثار جراح من مخلفات الماضي المرير الذي سيحكي لنا عنه. التقيناه بعد عودته من المسجد بعد أدائه صلاة العصر مع الجماعة، وهي سنة أصبح حسن يحرص عليها منذ سنوات، أخد حسن نفسا عميقا وتساءل من أين سيبدأ حكايته؛ قبل أن ينطلق في سردها والغوص في ماض بدا أنه لا يحبذ تذكره. عاش حسن حياة عاقر فيها الخمر بكل أنواعه، والمخدرات بكل أنواعها؛ الرخيص منها والغالي، و تناول آلاف الحبات من الحبوب المهلوسة، وسجن أربع أو خمس مرات تراوحت مدة العقوبات فيها بين شهرين وخمسة أشهر؛ أغلبها كانت بسبب السكر العلني وتبادل الضرب والجرح: كنت أقضي اليوم في ممارسة القمار وأقضي الليل مخمورا، وكانت حياتي كلها شجارات وعراك يخلف جروحا لازالت بادية على جسدي حتى اليوم ، باختصار؛ كنت أنتحر في اليوم أكثر من مرة، وأعيش حياة حيوانية، عبارات وصف بها حسن حياة العربدة التي كان يعيشها في شبابه، والتي نجا فيها من الموت أكثر من مرة، لأن تبادل الضرب بالسكاكين والسواطير كان شبه يومي بالنسبة إليه، وبينما كان يحكي حسن عن حياته لمحت عيناه أحد رفاق الماضي السيئ الذي كان يمر بجانبنا، وتحسر على حاله لكونه لم يتخلص من حياته الحيوانية بعد، و دعا له بالهداية والتوبة واكتشاف حلاوة أن يكون الإنسان على الطريق الصحيح. سنة 1984 كانت بالنسبة لحسن بمثابة مفترق الطرق الذي قلب حياته رأسا على عقب، فهو يتذكر بكل دقة تفاصيل اليوم الذي كان قد خرج فيه من السجن بعد قضاء عقوبة حبسية، وكالعادة يقول حسن: ينظم رفاق الحياة الحيوانية ليلة خمرية لكل من خرج منهم من السجن، وبالفعل اشترى حسن حصته من الخمر استعدادا لقضاء الليلة وتركها بسطح البيت، لكن القدر شاء أن يلتقى بشابين من أبناء الجيران اللذين لا يخفي حسن احترامه لهما لاستقامتهما وأخلاقهما الطيبة، هنأه أحدهما بمناسبة خروجه من السجن، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل سأله سؤالا بقي راسخا في ذهنه إلى ذلك اليوم: إلى متى ستظل على هذا الحال يا أخي حسن؟ سؤال نخر جسدي - يقول حسن- وتابع، عرضوا علي فكرة ممارسة التجارة مثل والدي رحمه الله؛ الذي لم يكن قد مر على وفاته سوى ستة أشهر تقريبا، وعرضوا علي مساعدتي بمبلغ من المال كي أبدأ المشوار، في تلك اللحظة كان عقل حسن مشدود إلى الليلة التي يستعد لقضائها رفقة رفاقه، أما الشابان فكانا في طريقهما إلى المسجد لأداء صلاة الظهر، فاقترحا عليه مرافقتهما فقبل، وذهب إلى المسجد، وعاود الذهاب لصلاة العصر، لكن حسن لم يستطع التغلب على إغراء طقوس الليلة الخمرية، واستسلم لشيطانه وقضى الليلة في معاقرة الخمر، ثم أكمل الليلة منفردا فوق سطح منزلهم بقنينة كان يحتفظ بها لنفسه، لكن كلام الشابين، والنصيحة التي قدماها له، وصوت الأذان الذي بدأ ينتبه له؛ أشياء ظلت معه تلك الليلة تراوده بشكل كبير، وكأن شيئا جديدا أصبح يعيش معي لم أفهم معناه في تلك اللحظة يقول. في الغد استحم حسن وخرج من البيت، وبعد لحظات التقى أحد الشابين وسأله عن أحواله، كما تساءل عن سبب غيابه عن صلاتي المغرب والعشاء، فما كان من حسن إلا أن اعترف له بما فعله ليلتها، فعرض عليه أن يتناول معه وجبة الغذاء في بيته فقبل الدعوة، وهناك عاود نصحه بأن يقلع عن الحياة التي يتخبط فيها، ومنحه مبلغا رمزيا من المال، وأهداه شريطا يشرح بساطة التوبة وصفح الله عز وجل عن التائبين، وحذره من أن يصرف هذا المال في شيئ يغضب الله لأنه مال حلال، وسيكون له خير كثير عليه إن استثمر في تجارة حلال. في تلك اللحظة تذكر حسن والده رحمه الله الذي كان يصرف على أسرته من مال تجارة الفواكه بالتقسيط، وتذكر كيف أن والده كان يتمنى أن يرى حسن شابا مستقيما، وذرف الدموع وهو يستحضر تلك اللحظات، كان والدي رجلا طيب رحمه الله، عاشر العلماء بمدينة سلا، قبل أن ننتقل إلى مدينة القنيطرة لنستقر بها، كان يشتري لي الجلباب والشبشب، وأنا طفل صغير ويأخذني معه إلى المسجد، لحظات تذكرها حسن وهو يتحسر على حال السنين التي مضت في معاقرة الخمر والعربدة. بدأ حسن حياة جديدة وانطلق في ممارسة التجارة قام بعدة محاولات؛ قبل أن يستقر حاله على بيع الدجاج بالتقسيط بأحد الأسواق الشعبية المجاورة لحيه أصبح حريصا على الحفاظ على الصلوات الخمس؛ خصوصا صلاة الصبح، وقطع الحبل مع رفاق السوء، مر حسن بلحظات عصيبة وهو يقاوم من أجل الإقلاع عن حياة الماضي وعدم العودة إلى الخلف، بالرغم من أنه لم يخف تأثير الماضي عليه، إذ كان في بداية المشوار سريع الغضب، لكنه تخلص من كل ذلك مع مرور الزمن، حديث حسن لا يخلو الآن من الاستشهاد بحديث نبوي شريف أو آية قرآنية قرأ العديد من الكتب، واستمع إلى العديد من العلماء، تمنى أن تكون توبته رحمة على روح والده. حسن الآن متزوج وله أربعة أبناء، و يسر له الله أمر شراء منزل يجمع فيه أسرته ويحافظ على صلواته في المسجد، ومحبوب لدى كل أبناء الحي، وباستمراره في حياة الاستقامة أصبح مثلا يضرب في التوبة والاستقامة، أصر حسن أن يوجه رسالة إلى كل من يعيش حياة التيه والبعد عن الله أن يطرق باب التوبة فهو مفتوح، وسيذوق حلاوة الإيمان والأمان كما طلب حسن توجيه شكر للدكتور حمدوش عبد الله الذي يتابع علاجه عنده من مرض الربو؛ الذي أصيب به داخل زنازن السجن وبسبب حياة التشرد التي كان يعيشها.