أبو اسلام مقاول يبلغ من العمر 31 عاما، متزوج، وله مستوى تعليمي إلى حدود الباكالوريا. جرب كل أنواع الانحراف والإدمان، وطبعت حياته أحداث خارجة عن إرادته، لكن الله سخرها له ويسرها فتركت في نفسه آثارا عميقة حولت مجرى حياته من التيه والضياع والتفاهة إلى النور والاستقامة واسترجاع الكرامة، فرسمت له طريقا مستقيما واضح المعالم، وبوأته مكانة في أسرته ومحيطه لم يكن يحلم بها، وغمرت نفسه سعادة وأمل كبيرا في العيش والحياة. البعد عن الله له ظلمة في القلب يحكي أبو إسلام، وهو اللقب الذي اختاره لنفسه عند حوار التجديد له، أن توبته إلى الله تعالى لم تأت مرة واحدة، فكما هو معلوم، يقول أبو إسلام، بالرغم من أنني في بلد إسلامي يرفع الآذان في مساجده خمس مرات في اليوم، إلا أن الإسلام كان عندي مثلما هو حال كثير من المغاربة بالوراثة. ثم بعدت الشقة بيني وبين مبادئ الإسلام حتى في صيغتها الأولى التي تأتينا وراثة، وقد عانيت خلال هذه المرحلة من عدة مشاكل مادية ونفسية وعائلية، نتيجة ظلمة القلب التي يسببها البعد عن الله، لكن رب العالمين سبحانه يسر لي تلميذا صغير السن يسكن بجوارنا، وكان بالرغم من حداثة عهده كذلك بالالتزام داعيا إلى الله، لا يفتر عن تذكير كل أولاد الحي بالتوبة والعودة إلى الله وتعاليم ديننا الحنيف، وكان كلما رآني ذكرني ووعظني وأعطاني بعض الكتب، ورغبني في الصلاة، فجزاه الله خيرا وتبثه على طريق الإيمان والدعوة. حلاوة التوبة لايخفي أبو إسلام شعوره بحلاوة طعم التوبة، فلقد أحس أنه كمن كان يحمل الجبال الرواسي على كاهله قبلها، وبعد إشعاع نور الإيمان في قلبه شملته راحة نفسية عظيمة، هذه الراحة النفسية التي لم توفرها لي لا المخدرات ولا الخمر، والمال فالحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه يؤكد أبو إسلام ممتنا إلى الله عز وجل على فضله وإحسانه. فبعد نعمة الالتزام التي أنعم الله عليه سأل نفسه ماذا يجب على المسلم فعله؟ وما ذا يجب على المسلم تركه؟ وهذا انعكس عليه حاليا؛ متجليا في تصرفاته. يحكي أبو إسلام: في البداية فرحت أسرتي بالتزامي وابتعادي عن المخدرات ورفقاء السوء، أما الأصدقاء فقد هجروني بعد أن كانوا لا يفارقونني، وهذا أحدث لي فراغا كبيرا، ولكن ولله الحمد رزقني الله رفقة أخرى صالحة أحبتني في الله، وعلمتني أمور ديني وعبادتي، أما أسرتي بعد فرحها بالتزامي فلم تعجبها طريقة تعاملي معهم، لأني بدأت ألاحظ بعض الأشياء في المنزل التي قد يكون فيها نظر من الوجهة الدينية، مثل بعض برامج التلفاز وأنواع من الموسيقى والغيبة والنميمة، فكثرت انتقاداتي ربما لهم فلم يصبروا علي، وظاهروني نوعا من العداء، ولكن الله عز وجل أوقد نور الحق في علاقتي بأسرتي وعرفوا بعد ذلك أني كنت على صواب في العديد من الأمور، فأصبحوا يستشيرونني في أمور الدين والدنيا على السواء، وزاد احترامهم لي. أما أصدقائي الذين هجروني رفقة السوء فلم أنسهم أبدا، وحاولت بشتى الطرق الحبية أن أردهم إلى الالتزام، والحمد لله بعضهم هداه الله على يدي والتزم، بل أصبح أكثر مني التزاما. كتاب الله هو النبراس الأحداث التي طبعت مسيرة توبتي كثيرة، يقول أبو إسلام، لكن ما أذكره هو رؤيا في المنام لن أنسها أبدا، رأيت أن أحد الشيوخ في مدينتي وهو مدير دار القرآن سابقا يعاتبني ويلومني، وهو غاضب مني ولا أدري لماذا، ثم أخذني وضربني ضربا مبرحا حتى أحسست أن روحي خرجت من بين ضلوعي، وبعدما قمت من النوم فزعا خائفا، حملت كتاب الله تلك الليلة وحفظت سورتين هما الطارق والغاشية، بعدها أحسست براحة لا مثيل لها. استخلص أبو إسلام عبرة من رؤياه مفادها أن كتاب الله هو النبراس والعروة الوثقى، ولخصها بقوله: العلاقة بكتاب الله إذا استمرت فأنت على درب التوبة وإذا انقطعت فسل الله قلبا خاشعا. والدعوة إلى الله هي زاد المسلم الذي يتقوى به، وختم حديثه بنصح أقرانه من الشباب الغافلين قائلا: أقول لمن لازال غافلا من أقراني الشباب إشربوا من النبع الصافي، نبع الإيمان بالله والتوكل عليه، واسلكوا الطريق إلى الله، فهي أقرب الطرق إلى النجاح في الحياة الدنيا والآخرة، بعيدا عن التعقيدات والعثرات، فقد يمضي الشاب عمره كله لحلها دون جدوى.