على خلاف التوقع بأن تطول مدة المفاوضات السرية والتمهيدية خرج لقاء ديرشتاين بفيينا بداية هذا الأسبوع بقرار التوجه نحو جولة خامسة من المفاوضات الرسمية بين كل من المغرب والبوليساريو وحضور كل من الجزائر وموريتانيا، مع ترك تحديد تاريخ ومكان الاجتماع للمبعوث الأممي والدبلوماسي الأميركي الأسبق كريستوفر روس. أي دلالات يخفيها قرار من هذا النوع؟ وهل يؤشر على نضج وتطور في مواقف الأطراف المباشرة وغير المباشرة لبدء مرحلة جديدة من المفاوضات، أم أنه ينبغي الحذر من التعاطي المبالغ فيه مع استئناف المفاوضات الرسمية بعد توقف تجاوز السنة ونصف السنة، أي منذ آخر جولة رابعة انعقدت في مانهاست الأميركية في يناير 2008؟ الواقع أنه رغم ما شهده لقاء فيينا من توتر بين طرفي النزاع بحسب بعض التقارير الإعلامية الأوروبية، فإن ثمة وعياً عند عموم الأطراف بضرورة الخروج من حالة الانسداد الراهن يعيد الأمل للتدبير الأممي للنزاع، ويخرج كل طرف من دائرة تحميله المسؤولية عن الأزمة، وهو وعي تشكل في ظل عدد من المعطيات الجديدة، والتي يصعب تجاهلها أو الاستخفاف بها، أول هذه المعطيات وجود مبعوث أممي جديد ذي خلفية أميركية تجعله يذكر بالمبعوث السابق جيمس بيكر، وتتيح له جلب الدعم الدولي المطلوب لحلحلة مسار النزاع، فضلاً عن كونه يخلُف مبعوثا هولنديا (بيتر فان فالسوم) أثار جدلا بدفعه السريع للمفاوضات إلى مواجهة حقيقة الحاجة لحل وسط وسياسي يضع جانبا فكرة استقلال الصحراء وفي الوقت نفسه يتيح لها وضعا خاصا في إطار السيادة المغربية، ما أورثه عداء وهجوما من قِبَل كلٍّ من البوليساريو والجزائر، وجعل مهمته صعبة، ما عجَّل بطلب إعفائه، ولعل ذلك شكّل درساً للجميع وليس فقط للمبعوث الجديد الذي وجد أن الأفضل هو ترك مسار التفاوض بين الأطراف يحكم عليهم، أما الأطراف فقد انتبهوا إلى أن الأفضل هو تجنب الدخول في أية مواجهة مع المبعوث الجديد، ما برز في حالة الاستجابة لما طرحه من إعادة إطلاق المفاوضات، مع التركيز على قضايا بناء الثقة وتحسين أوضاع حقوق الإنسان ومشروع الحل السياسي. العنصر الثاني وراء هذا التطور، هو التحول الذي حصل في الإدارة الأميركية بقدوم رئيس أميركي جديد، يبحث عن تحقيق نجاحات في علاقات أميركا مع العالم الإسلامي ككل والعربي على وجه الخصوص، وبرز في سياساته المغاربية اعتماد لغة جديدة إزاء النزاع تتجنب الحديث المباشر عن المبادرة المغربية للحكم الذاتي أو عن خيار الاستفتاء لتقرير المصير بحسب رسالته الأخيرة للملك محمد السادس، لكن تتبنى في الوقت نفسه خيار الحل السياسي الوسط، وهو ما فُسِّر برغبة الإدارة الأميركية الجديد في دعم المبعوث الجديد وعدم تقييده بمشروع معد سلفا، لكن الجديد هو أن ذلك أخذ يتأطر بعنصرين، الأول هو: ما تراه أميركا من دور أساس للمغرب في القضية الفلسطينية وثانياً: معضلة الأمن والإرهاب في الصحراء الكبرى مع تنامي دور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكلاهما يحد من إمكانية توقع أي انقلاب جذري يؤدي لتحول في مستقبل الصحراء وتجاهل مطالب مختلف الأطراف. المؤكد اليوم أن الأطراف تتعاطى مع النزاع وفق منطق يعفيها من تحمل المسؤولية الدولية عن الفشل الأممي في تسويته، لكن في الوقت نفسه استثمار ما يقع من تحولات دولية لتعزيز الموقع التفاوضي لهذا الطرف أو ذاك، أما الحل الحقيقي للنزاع فيبدو مستبعداً، بحيث إن التعايش مع استمراره أصبح هو الأصل في توجيه الاختيارات والسياسات، وهنا يمكن إثارة 3 مؤشرات دالة لاستيعاب هذه الوضعية، الأول نجده في التوجه المغربي نحو التطبيق التدريجي لمشروع الحكم الذاتي بحسب ما جاء في خطاب العرش الأخير والذي تحدث عن جهوية متقدمة، أما الثاني فتمثل في الوعي الدولي بأن التوتر القائم في العلاقات المغربية- الجزائرية عنصر حاسم في استمرار المأزق الحالي في تسوية نزاع الصحراء المغربية، وهو ما عبَّر عنه بوضوح وزير الخارجية الإسباني موراتينوس عندما عرض قبيل انطلاق لقاء فيينا الوساطة الإسبانية بين البلدين، أما الثالث فهو تجدد الأهمية الوظيفية للنزاع في استصدار مواقف من أطراف النزاع لمصلحة سياسات أميركية ودولية في المنطقة العربية ككل، وغني عن الذكر أن تناقضا مغربيا- جزائريا حول سبل تسوية النزاع من جهة وسعيا مغربيا نحو تطبيق الحكم الذاتي من جهة أخرى يعكسان حالة نفض اليد من توقع حل شامل له في القريب.