أظهرت نتائج انتخابات 12 يونيو 2009 أن رهان القضاء على بلقنة الحياة السياسية في المغرب أثبت محدوديته، فالخريطة التي أفرزتها الانتخابات أكدت أن ثماني هيئات سياسية حصلت على حوالي 90 في المائة من المقاعد، وعلى الرغم من أن عتبة 6 في المائة سمحت بنحو محدود بإمكانية تصور التحالفات المستقبلية بحكم أنه صار بالإمكان تشكيل مكاتب المجالس بعدد أقل من الأحزاب مما كان عليه الأمر في انتخابات 2003, حيث أصبح بمقدور حزبين أو ثلاثة تشكيل مكاتب المجالس في بعض الجماعات، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في المعايير التي ستعتمد في تشكيل هذه التحالفات، هل ستخضع لمنطق سياسي يؤطرها أم أن كل جماعة على حدة سيكون لها منطقها المحلي الخاص في تشكيل هذه التحالفات؟ مؤكد أنه من الصعب أن تتأطر هذه التحالفات بصيغة سياسية تنسحب على كل الجماعات، لاعتبار بسيط هو أن حجم هذا الحزب في هذه الجماعة ليس بالضرورة هو نفس حجمه في جماعة أخرى، ولذلك، من غير الممكن أن نشاهد تحالفا سياسيا بين حزبين ينتظم الخريطة الجماعية بأكملها، لكن، عدم تحقق هذه الإمكانية، لا يعني عدم التفكير في صيغة أخرى تكون حاكمة ومحددة لهذه التحالفات ومانعة لها من المضي في سياق العبث الذي أنتجته تحالفات ما بعد انتخابات 12 شتنبر 2003, لاسيما وأن مساحة الصراع الإيديولوجي تراجعت في المشهد السياسي، وبدأ يتأسس نوع من التقارب بين القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية على أساس عنوان سياسي كبير هو محاربة الفساد وقطع الطريق على المفسدين. ومن المؤكد أيضا أن الحيثيات التفصيلية التي تكون على طاولة التفاوض بين الأحزاب والصراع على المواقع يشكل تحديا حقيقيا أمام هذه القوى لاعتماد هذا المعيار كضابط للتحالف، لاسيما وأن المفسدين يلعبون بكل الأوراق بما في ذلك شراء الأصوات والذمم وتقديم تنازلات عن بعض المواقع وإغراء منتخبي بعض الأحزاب الوطنية، لكن، هذه الاعتبارات الآنية والضيقة يكون لها على المدى المنظور نتائج عكسية، وتؤثر سلبا على رصيد هذه الأحزاب ومصداقيتها، وهو ما أظهرته بوضوح نتائج انتخابات 2009 إذ لم تكشف فقط عن تراجع شعبية المفسدين، بل أكدت أيضا تراجع الأحزاب التي تحالفت معهم. ولذلك، سيكون أكبر كسب تحققه القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية هو أن تجعل عنوان محاربة الفساد وقطع الطريق أمام المفسدين معيارا رئيسا في عملية تشكيل التحالفات، وهو الكسب الذي لن يخدم فقط مصداقية هذه الأحزاب، ولكنه سيعود بالمصلحة على تدبير الشأن العام وعلى مصداقية العملية السياسية، وسيكون له الدور الفعال في استعادة ثقة الناخبين بالعملية الانتخابية، لأنه في الحال الذي يجد فيه المواطن انعكاسات إيجابية لهذه الانتخابات على واقع جماعته، ويرى آثار ذلك على مستوى الإصلاحات التي تمسه بصفة مباشرة، لا يبقى أمامه أي عائق ولا مبرر يمنعه من الانخراط بقوة في رهان التنمية المحلية.