هذا المثل المغربي الدارج يجد مصداقه بكثرة في غالب الانتخابات التي يستولي على مقاعدها الفاسدون. فكل من سار في ركاب الفاسدين وهو يعلم أنهم فاسدون لا يصلحون لتصدر مراكز السلطة ومواقع اتخاذ القرار، سار طمعا في عرض من الدنيا قليل.. دراهم معدودات. لست معنيا بأسباب هذا الطمع هل هو عن حاجة وضرورة تبيح ذلك، أم هو عن شهوة فقط.. وإنما يعنيني بالدرجة الأولى أنه مخالفة أخلاقية ودينية وقانونية، فيها مس فظيع بالمصلحة العامة أي مصلحة الناس بما فيهم الطماع.. بل فيها ما هو أخطر وهو المس بالكرامة الإنسانية. حيث يصير الطماع عبدا ذليلا بين يدي من يكذب عليه ويعده ويمنيه وما يعده إلا غرورا وخداعا. وتظهر حالة الذلة والمهانة ويتأكد رسوخها بكون الناخب الطماع يكتشف كذب المرشح الفاسد، مباشرة بعد انتهاء الانتخاب، وتجده يقسم بالأيمان الغليظة أنه سيفضحه في الانتخابات القادمة.. وتأتي الانتخابات وينسى صاحبنا أو على الأصح يتناسى شمتته وأيمانه الغليظة والرقيقة، وتراه يتسلل في البداية إلى مقرات الفاسدين، ويقف بحيث يراه من يهمه الأمر لعله يلتفت إليه ويدعوه ليكون في جوقته التي سيبيعها وعودا كاذبة جديدة.. وهذا الطماع الذي أهان نفسه وناسه وباع الجميع لفاسد كذاب، ليس مغربيا قحا.. فالمغربي القح إذا خدعه أحد باسم المصلحة العامة أو الخاصة، مهما كانت مكانة الخادع الكذاب، يرد عليه بحكمة الأجداد (قال: شْمَتَّكْ.. قال: عرفتك).. فيتخذ منه موقفا رجوليا يحفظ للإنسانية المغربية كرامتها ويضمن لها أن يضعف كيد الفاسدين الكاذبين.. وهذه المواقف الأخلاقية الرجولية هي التي صنعت مناخا ديمقراطيا سليما في الدول العريقة في الديمقراطية.. وانعدم فيها من يكذب مثل كذب فاسدينا، لأنه لم يعد بينهم من يطمع على طريقة الطماعين منا. أخي الناخب كن مغربيا إنسانا ولا تكن مغربيا ذليلا ذلة الحيوان الداجن.. أنت إنسان حر كريم، فلا تبع كرامتك وحريتك بمال الدنيا كلها.. أنت حر كريم فلا تسمح للسفهاء عديمي الكرامة باستعباد حريتك وامتهان كرامتك.. علمهم اليأس منك ومن كل المغاربة.. سيضطرون إلى إتيان البيوت من أبوابها وإلا اضطروا إلى هجرانها، وتصير الأمور إلى من يستحقها.. وأدعوك أخي الناخب للتأمل في هاتين الحكمتين: قال ابن عطاء الله: ((أنت حر مما أنت منه آيس، وأنت عبد لما أنت فيه طامع). وقال آخر: ((من أشعر نفسه شيئا من محبة الدنيا، فقد قتلها بسيف الطمع، ومن طمع في شيء، ذل لهّ)).