"المونديال" يعزز تعاون المغرب والبرتغال    ريما حسن في قلب العاصفة.. اتهامات بالولاء للجزائر وخسارة للمصداقية في المشهد السياسي الفرنسي    الملك يعين الأعضاء الجدد باللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي    التعاون المغربي الموريتاني يُطلق تهديدات ميليشيات البوليساريو لنواكشوط    ترامب يطلق أكبر عملية طرد جماعي للمهاجرين غير النظاميين    توقيع عقد مع شركة ألمانية لدراسة مشروع النفق القاري بين طنجة وطريفة    كرسي الآداب والفنون الإفريقية يحتفي بسرديات "إفا" في أكاديمية المملكة    الذكاء الاصطناعي.. (ميتا) تعتزم استثمار 65 مليار دولار خلال 2025    على خلفية مساعي ترامب لزيادة حجم الإنتاج...تراجع أسعار النفط    الدرك الملكي يحجز طن من الحشيش نواحي اقليم الحسيمة    "حماس" تنشر أسماء المجندات الإسرائيليات المقرر الإفراج عنهن السبت    دوامة    معرض فني جماعي «متحدون في تنوعنا» بالدار البيضاء    الفنانة المغربية زهراء درير تستعد لإطلاق أغنية « جاني خبر »    رواية "المغاربة".. نفسانيات مُركبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    ترامب يرفع السرية عن ملفات اغتيالات كينيدي ولوثر كينغ    مجلس الشيوخ التشيلي يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء    مهدي بنسعيد يشيد بحصيلة الحكومة ويدعو لتعزيز التواصل لإبراز المنجزات    محاكمة بعيوي في قضية "إسكوبار" تكشف جوانب مثيرة من الصراع الأسري لرئيس جهة الشرق السابق    الصيد البحري : تسليم 415 محركا لقوارب تقليدية لتحسين الإنتاجية والسلامة البحرية    وزارة الشباب تكشف عن "برنامج التخييم 2025" وتستهدف 197 ألف مستفيد    اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس: خطوة أولى نحو السلام أم محطة مؤقتة في طريق الصراع؟    الكعبي يتجاوز مواطنه العرابي … ويدخل التاريخ كأفضل هداف اولمبياكوس في المباريات الاوروبية    إضراب عام يشل حركة جماعات الناظور ليوم كامل احتجاجا على تغييب الحوار    تركيا..طفلان يتناولان حبوب منع الحمل بالخطأ وهذا ما حدث!    السلطات البلجيكية تحبط محاولة استهداف مسجد في مولنبيك خلال صلاة الجمعة    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة والمعهد المتخصص في الفندقة والسياحة بالحوزية يحتفيان بالسنة الأمازيغية    العطلة المدرسية تبدأ مع طقس مستقر    تراجع التلقيح ضد "بوحمرون" إلى 60%.. وزارة الصحة في مرمى الانتقادات    "الطرق السيارة" تنبه السائقين مع بدء العطلة المدرسية    عمدة المدينة: جماعة طنجة لن تدخر أي جهد لجعل المدينة في مستوى التظاهرات الدولية وتطلعات المواطنين    اعتقال وحش آدمي تسبب في وفاة ابنة زوجته ذات الثلاث سنوات    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    السكوري: مناقشة مشروع قانون الإضراب تتم في جو عال من المسؤولية    تداولات الإفتتاح ببورصة البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاسبة الرؤساء بداية الإصلاح
نشر في ناظور24 يوم 04 - 11 - 2009

ليس هناك ما يسمى "صلاحيات مطلقة" ولا "سلطات مطلقة" في دول المؤسسات التي تحترم نفسها وتحترم حقوق الفرد والجماعة..لأن "السلطة المطلقة، سياسة كانت أو دينية هي في حقيقتها، مفسدة مطلقة".
والناظر اليوم للكيفية التي تدار بها الكثير من الجماعات المحلية المغربية يسيئه ما يراه من سلطات مطلقة إلى درجة التسيب في من تعامل الكثير من الرؤساء مع من وما يسيرونه في الجماعات التي يرأسونها وكأنها ضيعاتهم الخاصة؛ هم فيها الأسياد وغيرهم الخدم والتابعون.. يتصرفون في أمور خلق الله وكأنهم خلفاؤه في الأرض. يعيبثون في مقدرات البلاد وأموالها العامة، وكأنها إرث شخصي وينفقون منه على المتنفذين ليوفروا لأنفسهم الحماية، يحركون المواقع والموظفين كبيادق الشطرنج.. ويُنعمون على من يُريدون من المحظيين، ويمنعون عمّن يكرهون أو يتوجّسون من المنبوذين، ويعطون لأنفسهم الحق في عزل من يشاءون، واصطفاء من يشتهون، والاتيان بالمولين المريدين، الذين لا كفاءة لها إلا التصفيق للخطأ، ولا رأس مال لهم غير الطاعة العمياء والولاء اللامشروط، ولا هم لهم إلا الانتهازية والاستئثار بالغنيمة لبناء الأمجاد الشخصية، على حساب الجمل وما حمل.
مسخرة الزمان سُقينا منها حتى الثملة.. جماعات حضارية تدار بقرارات مزاجية، لرؤساء نرجسيون مستبدون يثرون على رؤوس الأشهاد بطرق غير مشروعة، ولمواراة ذلك يقدمون الرشاوى للمتواطئين من الإعلاميين، ليظهروا كالقادة الأفذاذ على الشاشات الوطنية والفضائيات الدولية، وعلى صفحات الجرائد، ليتحفوا الجماهير التي ملت وجوههم بتصريحاتهم الرنانة، وخطبهم (الثورية) المنافقة.
يعتبرون أنفسهم جهابذة زمانهم، القادرون القادرون على قيادة الناس بلا رادع. يأتون لنسف قرارات سابقيه،. وهدم ما أنجز – إن كان هناك شيء قد أنجز- ليبنوا على أنقاضه ذكرا جديداً، يعلم الله وحده إنْ كان سيتم في ولايتهم أم سيرحلون عنه قبل أن تقوم أعمدته.. ألسنتهم تقطر شهداً، وحقائب ملؤها الوعود التي تكبر قاماتهم.
وما صمت المجتمع المدني‮، وغفلت الصحافة، ‬وتراجع الدولة، أو على اقل تقدير،‮ "‬إسترخاؤها‮" في تطبيق القانون،‬ وسكوت الأحزاب السياسية المعني الأول بالتصدي لمسخ ما يدور في أروقة جل الجماعات المحلية التي يرهنها تسابقهم المحموم على المناصب في يد رؤساء فاسدون لا يقوون على تسيير "محلبة" صغيرة في زقاق من الجماعة التي كلف بالسهر على مصالحها؛ ليس إلا تواطؤ سافر مع الفساد والإفساد، سواء كان نابعا من عجزها (الأحزاب) عن المواجهة، أو إنسجاما مع أهدافها السياسوية المصلحية الغبية. وهو في جميع الأحوال عنوان لتخلي الهيئات السياسية، قديمها وحديثها، عن أدوارها في تطوير الممارسة السياسية في تجاه إخصاب شروط التغيير.
فهل ستنتهي حقبة إستثناء الرؤساء من المحاسبة والمساءلة عن نتائج المشهد المأساوي الذي تعيشه الجماعات، لأنهم كانوا ولازالوا الطرف المهم والشريك الأساسي في صناعة كثير من أزمات المدن والقرى التي تحملوا أمانة تسيير شؤونها كما قال الإمام علي (ع) "لا يطمعن، القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة".. وإنه لمن الأمانة القول أن التعميم هنا فعل غير شرعي ولا عادل، لأن عدداً لا بأس به من الرؤساء ما برح يحفظ شرفه ويؤدي دوره كاملا. لكنه كما يقال في المثل المغربي الدارج "حوتة وحدة تتخنز الشواري" أي أن مجرد سقوط بعض الرؤساء في مهاوي العفن يسبغ الشرعية على التعميم ويفرض التساؤلات المطروحة.
إن إنصلاح حال الجماعات المغربية رهين بمحاسبة ومعقابة الفاسدين من رؤسائها الذين خرقوا القوانين الوضعية، وخرجوا عن التعاليم الدينية وأصولها التي تؤكد على شرط طهارة يد كل من يتصدى للشأن العام محليا كان أو وطنيا- والرئاسة على رأسه- وحرصه على أن تكون ممتلكاته وأمواله حلالاً لا شبهة فيها وأن يستنفر كل قواه العقلية لإقتناص أية تجربة تفيده وهو في موقع المسؤولية. ولذلك حذر الله سبحانه وتعالى وأنذر الذين يخالفون ذلك منهم بحساب عسير وعذاب شديد يوم القيامة كما جاء في ختام سورة "فاطر" في الآية الكريمة: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا" (45). وقد صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة". [البخاري ومسلم] كما استنكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصير المسؤولية سبيلاً للتلاعب بمصالح الأمة والعبث بالشأن العام والإثراء غير المشروع، بدليل ما روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم استعمل رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْلَّتَبِيَّةِ؛ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ؛ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا"، ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ؛ فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ. وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ".
ولم يكتفي النبي صلى الله عليه وسلم بتحذيرالعابثين بالمال العام وخائني الأمانة من مغبة أفعالهم. بل حمل المسؤولية للناس كافة داعيا لمحاسبة وكل من يعين الفاسدين ولو بصمته، كما ورد ذلك في الحديث النبوي الشريف الذي رواه الترمدي والنسائي والذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "سيكون بعدي أمراء من غشى أبوابهم وصدقهم في كذبهم أعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد على الحوض. وانت لم يغشى أبوابهم ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على الحوض". وقال أبو بكر رضي الله عنه، أن "أطول الناس حساباً يوم القيامة وأشدهم عذاباً الحكام- والرؤساء منهم- إلا من اتقى الله".
ورغم كل ذلك فإننا –مع الأسف- لم نسمع في مغربنا الحبيب عن مساءلة رئيس جماعة ومحاسبته بعيدا عن تلك الوقائع المعزولة المرتبطة ببعض الحركات السياسوية التمويهية التي أفقدت الناس كل أمل في قدرة أي كان على محاربة الفساد ومساءلة المفسدين في الدنيا قبل الآخرة، رغم ما يلاحقهم من اتهامات سياسية وأخلاقية مقذعة، تجرمهم أمام المواطنين وتسحب منهم الشعبية والمصداقية ومحبة الناس الذين لم يبقى لهم من أمل سوى انتظار أن يتولى الله وحده مساءلتهم يوم القصاص الذي ينكر المرء فيه من أبيه وصاحبته وبنيه. وهذا لا يعني أن الناس لن يحاسبوا الفاسدين أبدا أبدا، كما عبر عن ذلك المدون عبد الرزاق في مدونته "متقاعد سككي:" فأنا أعدكم ووعد الحر دين عليه أن يوم المحاسبة قريب، فإن لم يتحقق ذلك على أيادي جيلي، فسنترك الوصية للأبناء والأحفاد، وسيكون التاريخ وحده من سيعينهم على القصاص منكم لكن بطريقة ديمقراطية راقية يشارك فيها الشعب بوعي كبير وإيمان عميق بضرورة التغيير". مطبقين القاعدة الشرعية الواردة في الآية 18 من سورة "فاطر" في قوله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ليبتعدوا عما كانت عليه القبائل العربية قبل الإسلام من حيث أسلوب العقاب الجماعي لعائلة أو عشيرة أو قبيلة إذا أخطأ أحد أفرادها.
فيا أخي أيها المسؤول، كائناً من تكون، رجلا أو إمرأة لا يهمني اتجاهك السياسي، ولا فكرك الثقافي، ولا مذهبك الديني والإديولوجي، بقدر ما يهمني منصب الرئاسة الذي من الله عليك وأكرمك به، وفضلك على كثير من منافسيك تفضيلاً، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70.
فأنت بهذا مسؤولٌ مسؤوليةً دينيةً لأنك ذو دينٍ وتقوى، ومسؤوليةً أخلاقيةً لأنك مسلم ذو خلق، ومسؤوليةً وطنيةً لأنك محب ومنتم لوطنك، ومسؤوليةً قوميةً لأنك كلفت برعاية مصالح قومك وعشيرتك، وأمر أصحابك وذوي جيرتك وساكنة حومتك ومدينتك. وهبك الله ما لم يهب غيرك، وبوأك موضعاً لم يضعه غيرك، والناس في الجماعة ترنو بعيونها وتتطلع بقلوبها إليك، فأنت مسؤول أمامهم عما كلفوك به، وأمام الله عما أعطاك وهيأك له. فماذا عملت من أجل خدمة ِ من ائتمنوكَ على مصائرهم؟.
أنت مسؤول في الدنيا، كما أنك مسؤولٌ في الآخرة، كما قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24. فيا أخي أيها المسرول، أنتهز الفرصة وعد إلى رشدك وحاسب نفسك، أوطالب بمحاسبتك في الدنيا قبل الآخرة لما في ذلك من تخفيف عنك لحظة الامتحان الكبير الذي لا يعرف فيها أحد بأي يد سيتسلم كتابك أبيمينه أم بشماله. وإنك إن لم تفعلها في الدنيا، فانتظر عذابا شديدا من الله. فالواقع، مع الأسف، يؤكد أن عملية الإصلاح والتغيير تبقى بعيدة كل البعد ما لم تكن رئاسة الجماعات فرصة ذهبية لأصحابها من أجل إسعاد المواطن وأن تكون فترة المنصب للإبداع والتطوير والإنجاز لمصلحة هذا البلد البائس. ولن يتأتى ذلك بدون مساءلة ومحسابة هذه الفئة من المسؤولين لأنفسهم كما يحدث عند غيرنا من الشعوب المتحضرة التي، مع الأسف، لا ننقل عنها إلا قشورها الاستهلاكية ونتغاضى عن كل المظاهر الحضارية والسلوكات الجيدة الأخرى كالعلمية والديمقراطية، وطهارة يد المسؤولين ومحاسبة الفاسدين منهم وتطبيق القانون عليهم دون فرق بينهم والمواطنين؛ كما هو الحال في اسرائيل التي قدمت شرطتها اتهاما بالفساد لرئيس حكومتها ايهود أولمرت ولكثيرين قبله من وزراء ورؤساء وزارات، فهم اليوم يواجهون ورئيس الدولة بتهم الإساءة للأمانة واستعمال المنصب واستغلاله لأهداف شخصية و خرق القانون. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها (إسرائيل) - إذا ما جردناها من احتلالها لفلسطين وقوانينه العنصرية – دولة قانون، وأن القانون فيها ينطبق على الأمير قبل الفقير، ويجعل مواطنيهم يحترمون بعضهم البعض، ولا ينتهكون الحقوق، وهو أحد أسباب قوتها، وتقدمها في مختلف المجالات. والعاقل من يتعظ بغيره كما يقول المثل.
وليست اسرائيل وحدها الدولة التي يطبق القانون فيها وفوق رؤوس الجميع، وفي كل المجالات حتى السياسية منها فيجعل رجالاتها أكثر استقامة وعدلا واحتراما للغير، فهناك إيطالية مثلا التي قررت محكمتها إلغاء القانون الذي أصدره البرلمان الإيطالي الذي يسيطر عليه انصار برلسكوني والمعروف بقانون "الفانو" لمخالفته لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. بعد موافقة قضاة المحكمة البالغ عددهم خمسة عشر قاضيا بالإجماع على إلغاء هذا القانون. وجاء الطلب بالنظر في القانون بناء على طلب محكمتي ميلانو وروما اللتين تنظران في دعاوى ضد بيرلوسكوني. وكان قانون الفانو اعتمد في تموز/يوليو 2008 بعد ستة اسابيع فقط من عودة بسرلوسكوني الى السلطة. وكان بيرلسكوني في وقت سن القانون يواجه عدة قضايا في المحاكم،...وبذلك ألغت المحكمة الإيطالية حصانة برلسكوني حتى يمتل أمام المحكمة الإيطالية بتهم الفساد.
وهناك فرنسا التي تحاسب في هذه الأيام علية قومها قبل عامتهم حيث طالب الحزب الاشتراكي الفرنسى (الحزب المعارضة الرئيسي) بتفسيرات من قصر الإليزيه بعد أن كشفت معلومات نشرت على أحد المواقع على شبكة الإنترنت أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى أنفق نحو 400 ألف يورو في حفل استقبال أقامه فى مانهاتن بنيويورك لنحو 4 آلاف فرنسى من المقيمين فى الولايات المتحدة لأغراض انتخابية، وما يحدث مع ساركوزي حدث مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلا دليل على ذلك، فما أن انتهت ولايته الرئاسية وودع قصر الاليزيه حتى تلقى دعوة عاجلة من طرف قاضي المحكمة الوطنية في باريس للمثول بين يديه بتهمة اختلاس أموال عمومية عندما كان عمدة لمدينة باريس، إضافة إلى تهم أخرى.
كما أصدر القضاء الفرنسي أحكاما بالسجن على وزير الداخلية السابق شارل باسكوا وعلى رجلي الأعمال الإسرائيلي من أصل روسي اركادي غيداماك والفرنسي جان فالكون، فيما أصدرت نفس المحكمة حكما بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ بحق جان كريستوف ميتران ابن الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران في إطار فضيحة انغولا غيت المتعلقة ببيع الأسلحة لصالح انغولا في التسعينيات بصورة غير شرعية.
ففي جل الدول الغربية المتقدمة يعيش الناس حياة كريمة وينال كل ذي حق حقه، بفضل تطبيق القانون وحده لولاه لما كان بينهم وبين نظرائهم في الدول المتخلفة أي فرق، حيث تهضم فيها حقوق الناس في كل يوم، وتعيش الأغلبية حياة مليئة بالبؤس والظلم والذل، ليس من طرف المخزن فقط، بل حتى من طرف من انتخبوهم من الرؤساء المتنفذين الذين تمارس غالبيتهم الفساد بأشكاله المختلفة، ويترقون بفضل ذاك الفساد والتذيّل واللصوصية إلى مناصب عليا، فيصبح بعضهم قادة سياسيين يخططون لمصير شعب ووطن بدلاً من أن يكونوا في السجون ما وسع من دائرة الفئات الانتهازية التي تتسّلق السلم الاجتماعي، وتحظى دون وجه حق بالمناصب القيادية التي تؤهلها للمشاركة في صنع القرار، مما أدى إلى شيوع مظاهر الإحباط واللامبالاة في أوساط الأكفاء، والمجِّدين والمخلصين، ويجعل أجواء جل الجماعات خانقة مضجرة تنهك عجلة العمل، وتضعف الإنتاجية وتعيد المجتمع برمتّه للوراء... ويعد وعيد وزير الداخلية الذي برز في اجتماع له مع مجموعة من رؤساء الجماعات في قوله إن "الوزارة ستعمل على تفعيل كل الآليات والوسائل لضمان تخليق العمل الجماعي، والتصدي بحزم وصرامة لكل التجاوزات، التي قد تمس السير العادي للجماعات، تعد خطوة استدعاء لبعض مخزون قيمنا الأصيلة؛ من محاسبة النفس قبل محاسبة الآخرين، وهي خطوة نريدها أن تتكرر وتتطور، وتتنوع لتكون مثلاً سارياً لحسن الأداء والمحاسبة. وهي مبادرات مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولطالما كانت توجيهات الملك تصب في تنمية هذا المجال وتطويره
فكم يتمنى الناس لو أن كل رئيس جماعة تشرب سلوكات تطبيق القانونواحترامه، وأصلح كل منهم ما تصل إليه يده. ولو فعلوا ذلك لاختصروا كثيراً
من الهزائم، ولحصدوا العديد من الانتصارات، ولتولد لدينا كم هائل من الإصلاح الذي لابد أن يغير حال المغاربة وينتقل بهم إلى الأفضل. لإن قطرات الماء –إذا تواصلت وتكاثرت– بإمكانها أن تشق الصخر وتحفر لها مجرى تسير منه. وكذا الأفراد إذا تضافرت إراداتهم وأصلحوا ما تصل إليه أيديهم. لكن الأماني شيء والواقع شيء آخر، واللهات المسعور وراء الكراسي والكسب غير المشروع، والاغتناء الفاحش، وراء انتشار الفساد وتعميمه. فالحاجة اليوم ملحة لخلق هيئة محايدة وقوية تستطيع بترَ الأيادي التي لا تؤمن بقوله سبحانه "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم، والتي لا يريد لها أصحابها تغييرا أو صلاحا ويرى البعض أن ملف البلديات ورؤسائها يستلزم حواراً وطنياً جاداً باعتبار أن هذا الملف هو التحدي الرئيسي لعملية التنمية وللرؤية الاقتصادية المستقبلية.. وفي الختام أطلب العذر ممن سوف تصيبه بعض شرارات مقالي البريء الذي لا أبغي به مشاغبة احد.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.