وهبي: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة تعزز الروح الإصلاحية واستقرار الأسرة المغربية    الفتح الرباطي يسحق النادي المكناسي بخماسية    أمن البيضاء يتفاعل مع مقطع فيديو لشخص في حالة هستيرية صعد فوق سقف سيارة للشرطة    رابطة حقوق النساء تأمل أن تشمل مراجعة مدونة الأسرة حظر كل أشكال التمييز    بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا    ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    فرنسا.. الكشف عن تشكيلة الحكومة الجديدة    الفلاح: إطلاق خدمة الأنترنت من الجيل الخامس استعدادا لكان 2025 ومونديال 2030    على سوريا المستقبل الزاهر مناديا    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة أصيلة بالسجن في قضية اختلاسات مالية    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            أخبار الساحة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاسبة الرؤساء بداية الإصلاح
نشر في شبكة طنجة الإخبارية يوم 04 - 11 - 2009

ليس هناك ما يسمى "صلاحيات مطلقة" ولا "سلطات مطلقة" في دول المؤسسات التي تحترم نفسها وتحترم حقوق الفرد والجماعة..لأن "السلطة المطلقة، سياسة كانت أو دينية هي في حقيقتها، مفسدة مطلقة".
والناظر اليوم للكيفية التي تدار بها الكثير من الجماعات المحلية المغربية يسيئه ما يراه من سلطات مطلقة إلى درجة التسيب في من تعامل الكثير من الرؤساء مع من وما يسيرونه في الجماعات التي يرأسونها وكأنها ضيعاتهم الخاصة؛ هم فيها الأسياد وغيرهم الخدم والتابعون.. يتصرفون في أمور خلق الله وكأنهم خلفاؤه في الأرض. يعيبثون في مقدرات البلاد وأموالها العامة، وكأنها إرث شخصي وينفقون منه على المتنفذين ليوفروا لأنفسهم الحماية، يحركون المواقع والموظفين كبيادق الشطرنج.. ويُنعمون على من يُريدون من المحظيين، ويمنعون عمّن يكرهون أو يتوجّسون من المنبوذين، ويعطون لأنفسهم الحق في عزل من يشاءون، واصطفاء من يشتهون، والاتيان بالمولين المريدين، الذين لا كفاءة لها إلا التصفيق للخطأ، ولا رأس مال لهم غير الطاعة العمياء والولاء اللامشروط، ولا هم لهم إلا الانتهازية والاستئثار بالغنيمة لبناء الأمجاد الشخصية، على حساب الجمل وما حمل.
مسخرة الزمان سُقينا منها حتى الثملة.. جماعات حضارية تدار بقرارات مزاجية، لرؤساء نرجسيون مستبدون يثرون على رؤوس الأشهاد بطرق غير مشروعة، ولمواراة ذلك يقدمون الرشاوى للمتواطئين من الإعلاميين، ليظهروا كالقادة الأفذاذ على الشاشات الوطنية والفضائيات الدولية، وعلى صفحات الجرائد، ليتحفوا الجماهير التي ملت وجوههم بتصريحاتهم الرنانة، وخطبهم (الثورية) المنافقة.
يعتبرون أنفسهم جهابذة زمانهم، القادرون القادرون على قيادة الناس بلا رادع. يأتون لنسف قرارات سابقيه،. وهدم ما أنجز – إن كان هناك شيء قد أنجز- ليبنوا على أنقاضه ذكرا جديداً، يعلم الله وحده إنْ كان سيتم في ولايتهم أم سيرحلون عنه قبل أن تقوم أعمدته.. ألسنتهم تقطر شهداً، وحقائب ملؤها الوعود التي تكبر قاماتهم.
وما صمت المجتمع المدني، وغفلت الصحافة، وتراجع الدولة، أو على اقل تقدير، "إسترخاؤها" في تطبيق القانون، وسكوت الأحزاب السياسية المعني الأول بالتصدي لمسخ ما يدور في أروقة جل الجماعات المحلية التي يرهنها تسابقهم المحموم على المناصب في يد رؤساء فاسدون لا يقوون على تسيير "محلبة" صغيرة في زقاق من الجماعة التي كلف بالسهر على مصالحها؛ ليس إلا تواطؤ سافر مع الفساد والإفساد، سواء كان نابعا من عجزها (الأحزاب) عن المواجهة، أو إنسجاما مع أهدافها السياسوية المصلحية الغبية. وهو في جميع الأحوال عنوان لتخلي الهيئات السياسية، قديمها وحديثها، عن أدوارها في تطوير الممارسة السياسية في تجاه إخصاب شروط التغيير.
فهل ستنتهي حقبة إستثناء الرؤساء من المحاسبة والمساءلة عن نتائج المشهد المأساوي الذي تعيشه الجماعات، لأنهم كانوا ولازالوا الطرف المهم والشريك الأساسي في صناعة كثير من أزمات المدن والقرى التي تحملوا أمانة تسيير شؤونها كما قال الإمام علي (ع) "لا يطمعن، القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة".. وإنه لمن الأمانة القول أن التعميم هنا فعل غير شرعي ولا عادل، لأن عدداً لا بأس به من الرؤساء ما برح يحفظ شرفه ويؤدي دوره كاملا. لكنه كما يقال في المثل المغربي الدارج "حوتة وحدة تتخنز الشواري" أي أن مجرد سقوط بعض الرؤساء في مهاوي العفن يسبغ الشرعية على التعميم ويفرض التساؤلات المطروحة.
إن إنصلاح حال الجماعات المغربية رهين بمحاسبة ومعقابة الفاسدين من رؤسائها الذين خرقوا القوانين الوضعية، وخرجوا عن التعاليم الدينية وأصولها التي تؤكد على شرط طهارة يد كل من يتصدى للشأن العام محليا كان أو وطنيا- والرئاسة على رأسه- وحرصه على أن تكون ممتلكاته وأمواله حلالاً لا شبهة فيها وأن يستنفر كل قواه العقلية لإقتناص أية تجربة تفيده وهو في موقع المسؤولية. ولذلك حذر الله سبحانه وتعالى وأنذر الذين يخالفون ذلك منهم بحساب عسير وعذاب شديد يوم القيامة كما جاء في ختام سورة "فاطر" في الآية الكريمة: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا" (45). وقد صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة". [البخاري ومسلم] كما استنكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصير المسؤولية سبيلاً للتلاعب بمصالح الأمة والعبث بالشأن العام والإثراء غير المشروع، بدليل ما روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم استعمل رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْلَّتَبِيَّةِ؛ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ؛ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا"، ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ؛ فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ. وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ".
ولم يكتفي النبي صلى الله عليه وسلم بتحذيرالعابثين بالمال العام وخائني الأمانة من مغبة أفعالهم. بل حمل المسؤولية للناس كافة داعيا لمحاسبة وكل من يعين الفاسدين ولو بصمته، كما ورد ذلك في الحديث النبوي الشريف الذي رواه الترمدي والنسائي والذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "سيكون بعدي أمراء من غشى أبوابهم وصدقهم في كذبهم أعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد على الحوض. وانت لم يغشى أبوابهم ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على الحوض". وقال أبو بكر رضي الله عنه، أن "أطول الناس حساباً يوم القيامة وأشدهم عذاباً الحكام- والرؤساء منهم- إلا من اتقى الله".
ورغم كل ذلك فإننا –مع الأسف- لم نسمع في مغربنا الحبيب عن مساءلة رئيس جماعة ومحاسبته بعيدا عن تلك الوقائع المعزولة المرتبطة ببعض الحركات السياسوية التمويهية التي أفقدت الناس كل أمل في قدرة أي كان على محاربة الفساد ومساءلة المفسدين في الدنيا قبل الآخرة، رغم ما يلاحقهم من اتهامات سياسية وأخلاقية مقذعة، تجرمهم أمام المواطنين وتسحب منهم الشعبية والمصداقية ومحبة الناس الذين لم يبقى لهم من أمل سوى انتظار أن يتولى الله وحده مساءلتهم يوم القصاص الذي ينكر المرء فيه من أبيه وصاحبته وبنيه. وهذا لا يعني أن الناس لن يحاسبوا الفاسدين أبدا أبدا، كما عبر عن ذلك المدون عبد الرزاق في مدونته "متقاعد سككي:" فأنا أعدكم ووعد الحر دين عليه أن يوم المحاسبة قريب، فإن لم يتحقق ذلك على أيادي جيلي، فسنترك الوصية للأبناء والأحفاد، وسيكون التاريخ وحده من سيعينهم على القصاص منكم لكن بطريقة ديمقراطية راقية يشارك فيها الشعب بوعي كبير وإيمان عميق بضرورة التغيير". مطبقين القاعدة الشرعية الواردة في الآية 18 من سورة "فاطر" في قوله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ليبتعدوا عما كانت عليه القبائل العربية قبل الإسلام من حيث أسلوب العقاب الجماعي لعائلة أو عشيرة أو قبيلة إذا أخطأ أحد أفرادها.
فيا أخي أيها المسؤول، كائناً من تكون، رجلا أو إمرأة لا يهمني اتجاهك السياسي، ولا فكرك الثقافي، ولا مذهبك الديني والإديولوجي، بقدر ما يهمني منصب الرئاسة الذي من الله عليك وأكرمك به، وفضلك على كثير من منافسيك تفضيلاً، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70.
فأنت بهذا مسؤولٌ مسؤوليةً دينيةً لأنك ذو دينٍ وتقوى، ومسؤوليةً أخلاقيةً لأنك مسلم ذو خلق، ومسؤوليةً وطنيةً لأنك محب ومنتم لوطنك، ومسؤوليةً قوميةً لأنك كلفت برعاية مصالح قومك وعشيرتك، وأمر أصحابك وذوي جيرتك وساكنة حومتك ومدينتك. وهبك الله ما لم يهب غيرك، وبوأك موضعاً لم يضعه غيرك، والناس في الجماعة ترنو بعيونها وتتطلع بقلوبها إليك، فأنت مسؤول أمامهم عما كلفوك به، وأمام الله عما أعطاك وهيأك له. فماذا عملت من أجل خدمة ِ من ائتمنوكَ على مصائرهم؟.
أنت مسؤول في الدنيا، كما أنك مسؤولٌ في الآخرة، كما قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24. فيا أخي أيها المسرول، أنتهز الفرصة وعد إلى رشدك وحاسب نفسك، أوطالب بمحاسبتك في الدنيا قبل الآخرة لما في ذلك من تخفيف عنك لحظة الامتحان الكبير الذي لا يعرف فيها أحد بأي يد سيتسلم كتابك أبيمينه أم بشماله. وإنك إن لم تفعلها في الدنيا، فانتظر عذابا شديدا من الله. فالواقع، مع الأسف، يؤكد أن عملية الإصلاح والتغيير تبقى بعيدة كل البعد ما لم تكن رئاسة الجماعات فرصة ذهبية لأصحابها من أجل إسعاد المواطن وأن تكون فترة المنصب للإبداع والتطوير والإنجاز لمصلحة هذا البلد البائس. ولن يتأتى ذلك بدون مساءلة ومحسابة هذه الفئة من المسؤولين لأنفسهم كما يحدث عند غيرنا من الشعوب المتحضرة التي، مع الأسف، لا ننقل عنها إلا قشورها الاستهلاكية ونتغاضى عن كل المظاهر الحضارية والسلوكات الجيدة الأخرى كالعلمية والديمقراطية، وطهارة يد المسؤولين ومحاسبة الفاسدين منهم وتطبيق القانون عليهم دون فرق بينهم والمواطنين؛ كما هو الحال في اسرائيل التي قدمت شرطتها اتهاما بالفساد لرئيس حكومتها ايهود أولمرت ولكثيرين قبله من وزراء ورؤساء وزارات، فهم اليوم يواجهون ورئيس الدولة بتهم الإساءة للأمانة واستعمال المنصب واستغلاله لأهداف شخصية و خرق القانون. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها (إسرائيل) - إذا ما جردناها من احتلالها لفلسطين وقوانينه العنصرية – دولة قانون، وأن القانون فيها ينطبق على الأمير قبل الفقير، ويجعل مواطنيهم يحترمون بعضهم البعض، ولا ينتهكون الحقوق، وهو أحد أسباب قوتها، وتقدمها في مختلف المجالات. والعاقل من يتعظ بغيره كما يقول المثل.
وليست اسرائيل وحدها الدولة التي يطبق القانون فيها وفوق رؤوس الجميع، وفي كل المجالات حتى السياسية منها فيجعل رجالاتها أكثر استقامة وعدلا واحتراما للغير، فهناك إيطالية مثلا التي قررت محكمتها إلغاء القانون الذي أصدره البرلمان الإيطالي الذي يسيطر عليه انصار برلسكوني والمعروف بقانون "الفانو" لمخالفته لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. بعد موافقة قضاة المحكمة البالغ عددهم خمسة عشر قاضيا بالإجماع على إلغاء هذا القانون. وجاء الطلب بالنظر في القانون بناء على طلب محكمتي ميلانو وروما اللتين تنظران في دعاوى ضد بيرلوسكوني. وكان قانون الفانو اعتمد في تموز/يوليو 2008 بعد ستة اسابيع فقط من عودة بسرلوسكوني الى السلطة. وكان بيرلسكوني في وقت سن القانون يواجه عدة قضايا في المحاكم،...وبذلك ألغت المحكمة الإيطالية حصانة برلسكوني حتى يمتل أمام المحكمة الإيطالية بتهم الفساد.
وهناك فرنسا التي تحاسب في هذه الأيام علية قومها قبل عامتهم حيث طالب الحزب الاشتراكي الفرنسى (الحزب المعارضة الرئيسي) بتفسيرات من قصر الإليزيه بعد أن كشفت معلومات نشرت على أحد المواقع على شبكة الإنترنت أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى أنفق نحو 400 ألف يورو في حفل استقبال أقامه فى مانهاتن بنيويورك لنحو 4 آلاف فرنسى من المقيمين فى الولايات المتحدة لأغراض انتخابية، وما يحدث مع ساركوزي حدث مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلا دليل على ذلك، فما أن انتهت ولايته الرئاسية وودع قصر الاليزيه حتى تلقى دعوة عاجلة من طرف قاضي المحكمة الوطنية في باريس للمثول بين يديه بتهمة اختلاس أموال عمومية عندما كان عمدة لمدينة باريس، إضافة إلى تهم أخرى.
كما أصدر القضاء الفرنسي أحكاما بالسجن على وزير الداخلية السابق شارل باسكوا وعلى رجلي الأعمال الإسرائيلي من أصل روسي اركادي غيداماك والفرنسي جان فالكون، فيما أصدرت نفس المحكمة حكما بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ بحق جان كريستوف ميتران ابن الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران في إطار فضيحة انغولا غيت المتعلقة ببيع الأسلحة لصالح انغولا في التسعينيات بصورة غير شرعية.
ففي جل الدول الغربية المتقدمة يعيش الناس حياة كريمة وينال كل ذي حق حقه، بفضل تطبيق القانون وحده لولاه لما كان بينهم وبين نظرائهم في الدول المتخلفة أي فرق، حيث تهضم فيها حقوق الناس في كل يوم، وتعيش الأغلبية حياة مليئة بالبؤس والظلم والذل، ليس من طرف المخزن فقط، بل حتى من طرف من انتخبوهم من الرؤساء المتنفذين الذين تمارس غالبيتهم الفساد بأشكاله المختلفة، ويترقون بفضل ذاك الفساد والتذيّل واللصوصية إلى مناصب عليا، فيصبح بعضهم قادة سياسيين يخططون لمصير شعب ووطن بدلاً من أن يكونوا في السجون ما وسع من دائرة الفئات الانتهازية التي تتسّلق السلم الاجتماعي، وتحظى دون وجه حق بالمناصب القيادية التي تؤهلها للمشاركة في صنع القرار، مما أدى إلى شيوع مظاهر الإحباط واللامبالاة في أوساط الأكفاء، والمجِّدين والمخلصين، ويجعل أجواء جل الجماعات خانقة مضجرة تنهك عجلة العمل، وتضعف الإنتاجية وتعيد المجتمع برمتّه للوراء... ويعد وعيد وزير الداخلية الذي برز في اجتماع له مع مجموعة من رؤساء الجماعات في قوله إن "الوزارة ستعمل على تفعيل كل الآليات والوسائل لضمان تخليق العمل الجماعي، والتصدي بحزم وصرامة لكل التجاوزات، التي قد تمس السير العادي للجماعات، تعد خطوة استدعاء لبعض مخزون قيمنا الأصيلة؛ من محاسبة النفس قبل محاسبة الآخرين، وهي خطوة نريدها أن تتكرر وتتطور، وتتنوع لتكون مثلاً سارياً لحسن الأداء والمحاسبة. وهي مبادرات مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولطالما كانت توجيهات الملك تصب في تنمية هذا المجال وتطويره
فكم يتمنى الناس لو أن كل رئيس جماعة تشرب سلوكات تطبيق القانونواحترامه، وأصلح كل منهم ما تصل إليه يده. ولو فعلوا ذلك لاختصروا كثيراً
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.