قال لي صاحبي: إلى متى تبقى تشارك في هذه الانتخابات التي ليس وراءها طائل؟ قلت له: ما دام في بلدي انتخابات، سأشارك فيها ولن أتأخر عنها بأي نوع من أنواع المساهمة لإنجاحها.. ثم التفت إليه وقلت له: وأنت يا صاحبي العزيز ! إلى متى ستبقى مقاطعا ومهملا للانتخابات؟ قال: حتى أضمن وأطمئن أنها ستكون نزيهة، ولن تتدخل في تشويه نتائجها قوى الفساد. قلت: يبدو أنك لن تشارك فيها أبدا، لأنك بهذا التعاطي والتوقف السلبي لن تدرك ضمانا و لا اطمئنانا.. يا صاحبي أريدك أن تستوعب منطق التغيير والإصلاح الذي نسلكه إنه منطق التدافع الحركي الدائم بين الخير والشر الذي هو فرع عن تصارع الحق والباطل.. لا يجوز في قانون هذا التدافع، التراجع ولا التوقف ولا الانسحاب.. فمن تراجع، خسر.. ومن توقف، خسر.. ومن انسحب.. كان أكبر الخاسرين. وكما يقول فقهاؤنا العظام الذين أتقنوا أكثر من غيرهم مقاربة أصول العمل الصحيح ومقاصده: (النفوس لا تترك شيئا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرا إلا إلى مثله، أو خير منه..)، والأصل ـ عندهم ـ في حركة الإنسان الفعل والإنجاز لا الترك والإهمال.. وعليه فالأصل أن نشارك في الانتخابات لأنها معدودة من الخير.. وأن تكون مشاركتنا عن حد أدنى من الوعي السياسي.. وأما عدمُ المشاركة، ومقاطعةُ العملية الانتخابية فينبغي أن يصار إليه كحالة طارئة و ضرورة قاهرة، تقتضيها حسابات سياسية إصلاحية دقيقة ليست بعيدة عن حس الجمهور ووعيهم.. وأن لا تكون المقاطعة أي (ترك) المشاركة ديدن الناس وعادتهم، لأن أحوال البلاد لا تستقيم إلا بالمشاركة والمدافعة لأجل التقدم إلى الأمام ولو خطوة واحدة.. هذا إن كانت أمور البلد بخير وتسير سيرا طبيعيا.. أما إن كانت مبتلاة بسلسلة من الإخفاقات والتراجعات، فدائرة المطالب الإيجابية ودرجاتها تكثر وتتعدد، ويصبح ما هو مرفوض في حالة السير الطبيعي، مطلوبا في حالة الإخفاقات والتراجعات.. فإيقاف التراجع يعتبر مكسبا مطلوبا بل واجبا على الاستطاعة.. بل إن لم يكن في الاستطاعة إيقاف نزيف الإخفاقات، نتراجع إلى ما هو أقل من ذلك حيث الواجب المستطاع، وهو إضعاف أثرها وتخفيض وتيرة تسارع انهياراتها..