مع انطلاق الحملة الانتخابية يتحرك ذوو المال والنفوذ بنشاط وفي الخفاء للتغرير بالمواطنين والتأثير على توجهاتهم الانتخابية بالمال والوعود الوهمية من أجل الحصول على أصواتهم وأصوات أقاربهم، في الانتخابات يصبح للصوت الانتخابي ثمن، ويتحول هذا العرس الدوري الى مناسبة للاسترزاق للتجارة حيث تتحول الذمم إلى سلع تباع وتشترى. لكل مغربي رأيه الخاص في استعمال المال في الحملة الانتخابية، فرغم أن الدولة والأحزاب الجادة تحاربه بشدة، إلا أن منطق شراء الأصوات ما زال موجودا، تحركه الرغبة في الفوز وامتلاك السلطة بأي ثمن كان، التجديد استطلعت رأي المواطنين في شراء الأصوات خلال الانتخابات. مصطفى (تقني) لم يكن ينوي المشاركة في هذه الانتخابات لكن عندما اقتربت الحملة، وبدأ ذوو المال والنفوذ يخرجون إلى العلن ويجتهدون في استمالة الأصوات بكل الطرق غير المشروعة، ويسعون إلى إفساد العملية، غير رأيه، وقرر المشاركة لقطع الطريق على منطق الفساد وشراء الأصوات، وتابع لقد وعيت بأنني إذا لم أصوت للأصلح سيفوز المفسدون بفضل أصوات المواطنين الذين باعوا ذممهم، ورغم ذلك يقول مصطفى التغيير ليس سهلا لكن واجبي التصويت للأصلح. من جانبه يعتبر (ح-ح) أحد المرشحين في الانتخابات الجماعية مسؤولية تجارة الأصوات مشتركة، لا يتحملها المرشح لوحده بل كذلك المواطنين، الذين يكرسون لهذا المنطق، مستشهدا بتجربته، حيث إنه بمجرد انطلاق الحملة وخروجه إلى الشارع، التقى أنماطا من الناس لم يكونوا ينصتون باهتمام لما يقولون بقدر ما كانوا ينظرون إلى جيوبه منتظرين ما سينالهم منها من مال وعطايا، قائلا الناس تريد ذلك وتعتبر الانتخابات فرصة للحصول على المال، قد يكونون يستحقون ما يعيشونه من سوء تسيير. بسبب البطالة وقلة ذات اليد والأمية المستشرية في المجتمع المغربي، يجد بعض المغاربة أنفسهم أمام امتحان عسير، وأمام فئات تجهل النتائج التي تكون وراء هذه الانتخابات وتأثيرها على مستقبلهم، تتحرك الأموال من تحت البساط، وتنفق مبالغ طائلة جريا خلف مسؤولية لا يدركون ثقلها بل إنهم لا يؤدونها. بنبرة فيها الكثير من اليأس قال عبد العالي وهو شاب في 24 من عمره أن التصويت في الانتخابات لا يعني بالنسبة له شيئا، لأني لا أعلق آمالا كبيرة على المستقبل والنتائج التي يكن أن تسفر عنها هذه الانتخابات، لذلك فإنه إذا عرض علي مبلغ مادي من أجل التصويت على فلان أو أقنع جميع أفراد عائلتي بذلك فإني سأفعل، ويتابع عبد العالي موضحا وجهة نظره في هذا الأمر أطبق قاعدة أفيد وأستفيد، فأنا من جهة أفك مؤقتا ضائقتي المالية ومن جهة أخرى أفيد المرشح بمنحه صوتي، هذه النبرة اليائسة والمختلفة للأمور، تتصادم مع وجة نظر أخرى تجسدها فدوى وهي طالبة جامعية، ستصوت للمرة الثانية في الانتخابات، تقول إنها ستختار الأنسب، موضحة أنها إن باعت صوتها فستكون كمن يتقاضى رشوة، ولا ينبغي لها أن تنتظر الكثير ممن يسير شؤون مدينتها على اعتبار أنها ستكون قد أخذت المقابل سلفا. المدينة بقيت على حالها، لم يتغير أي شيء الحفر تؤثث الطرقات ومصالحنا لا تقضى إلا بالرشوة هكذا يعلق الحاج علي على ما تحقق عبر عقود من الانتخاات والتصويت، الانتخابات مثل المواسم نجتمع فيها، نحضر الولائم ونسترزق فيها، لكن الوقت علمتني أن الانتخابات لها دور في تغيير وضعية المدينة، لذك قررت تغيير أسلوبي في التعامل معها. من باع صوته فهو خائن يبتكر بعض المرشحين في الانتخابات وسائل متعددة شعارها الغاية تبرر الوسيلة والهدف الأساسي هو النجاح والوصول إلى كرسي المسؤولية، وإذا كانوا في بعض المناطق يوزعون المال بكرم، ويشترون الأصوات، إلا أن الأمر في مناطق أخرى مختلف، حيث يلزم بعض المرشحين السكان بالتصويت لفائدتهم عن طريق ما يسمى العهد وقراءة الفاتحة، حيث أن كل من عاهد وشارك معهم الأكل الطعام و قرأ معهم الفاتحة يصبح من واجبه التصويت لفائدته على اعتبار أن من خان العهد فهو منبوذ ومرفوض في قريته. الدكتور أحمد كافي، المتخصص في أصول الفقه قال في اتصال مع التجديد، إن العمل الجماعي من خلال الدخول في المجالس الجماعية، هو نوع من العمل الصالح المبرور الذي يتيح الله عز وجل عليه أهله والمحبين لخدمة الصالح العام، ولهذا العلماء يعتبرون حق الجماعة من حق الله تعالى، وكل إنسان يدخل هذا المجال ينبغي أن يعلم أنه بما أقدم عليه إنما يؤدي شهادة لله عز وجل، ويؤكد كافي على معنى الشهادة في هذا المقام من خلال ما ورد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، من الدعوة إلى إقامة الشهادة بالحق والصدق والعدل وعدم الحيف والجور فيها، فالله تعالى يقول أقيموا الشهادة لله وقوله ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن شهادة الزور من أكبر الكبائر، حيث قال في الحديث النبوي ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا: لا يسكت أو قالوا: ليته سكت). ويعتبر الدكتور كافي بناء على ذلك أن كل إنسان يبيع صوته لكي ينال بعضا من الدراهم أو لأنه لم يستطع القيام بالشهادة، يعتبره خان الله ورسوله وخان الأمانة التي حملها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث من استعمل رجلاً من عصابة - أي مجموعة من الناس-، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين، فلذلك لا يجوز أن يبيع المسلم ذمته ولا يجوز أن يبيع صوته لأن الأمر يتعلق بمصلحة الجماعة، والاصل فيها أن يجتهد الإنسان وأن يتقي الله عز وجل فيختار الأصلح بين المصلحين إذا كانوا كثر أو أن يختار أقلهم صلاحا إذا كانوا دون ذلك، أما إذا كانوا كلهم فاسدين فعلماء الإسلام قرروا أن الإنسان ينبغي أن يختار من هو أقل فسادا وأقلهم ضررا على أهل الإسلام. ويمضي كافي في تقديم الرؤية الشرعية حول هذا الموضوع، حيث يقول أن الناخب والمترشح سواء من الناحية الشرعية وأيضا من الناحية القانونية، ويؤكد على أن المرء لا يجوز له أن يتقدم ويرشح نفسه لهذه المهمة، إلا إذا علم أنه قادر على القيام بها على أكمل وجه، ويستطيع أن ينفع الأمة، أما أن يتقدم لهذه المهمة ولا تكون فيه الآلية المطلوبة والمواصفات اللازمة فهذا لا يجوز في مثل هذه الأعمال التي تتعلق بالأمة والجماعة والوطن، لأن العمل الجماعي له امتدادات سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي، وينبغي للانسان أن يكون لديه استعداد لهذه الأعمال ولمسؤوليات متعددة ومتنوعة اخرى. كتمان الشهادة وبذل المال لشراء أصوات الناخبين هو نوع من الرشوة المحرمة ويستوجب من فعلها اللعن كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله الراشي والمرتشي رواه أحمد والطبراني وأبو داود ، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وزيد في بعض طرقه والرائش الذي يمشي بينهما. ومن يقبل الرشوة فهو بحسب العلماء مرتش وخائن للأمانة، كما أن من يدفعها راش ومعين على المعصية، ويجب على المسلم أن يعي حدود الله ويقف عندها، فلا يقدم المرء نفسه للترشيح إلا إذا علم من نفسه القدرة على القيام بحمل تبعات الأمانة، كما أن على الناخب أن يكون أمينا فلا يعطي صوته إلا لمن يتوسم فيه الصدق والأمانة. وكما أن للأمر خطورته من ناحية المرشح، فإن ضرره وتبعاته أنكى بالنسبة للناخب حيث إنه بقبوله لها، فإنه يقبل كتمان الحق وأداء الشهادة التي أمر الله تعالى بقولها بالحق، - والانتخابات نوع من الشهادة خ بعيدا عن أي تيار مهما كان اتجاهه، فالأصل أن من ينتخب يوقع لله تعالى ويشهد أمامه أنه انتخب فلانا أو الاتجاه الفلاني، وأنه شهد أمام الله أنه يرى بقلبه أن من انتخبه أحق بمقاعد الانتخابات من غيره، قال تعالى: وأقيموا الشهادة لله ، ودفع الأموال للناس الفقراء أو غيرهم ليغيروا شهادتهم أمام الله تعالى يجعل الشهادة لغير الله، وهو محرم شرعا. والنبي صلى الله عليه وسلم جعل من علامات الساعة، والتي ينكر فعلها أن يوسد الأمر إلى غير أهله، كما جاء في حديث أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟. فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذ قضى حديثه قال: (أين السائل عن الساعة). قال: ها أنا يا رسول الله، قال: (فإذا ضعيت الأمانة فانتظر الساعة). قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وبناء على هذا الحديث فإن إعطاء الأصوات لمن دفع المال تضييع للأمانة، وإعطاء أماكن لأناس ليسوا أهلا لها، وما يتبع ذلك من فساد، وما بني على باطل فهو باطل.