على الرغم من أن المعطيات المتوفرة والوقائع التي سقنا بعضها في هذا الملف، لا تسمح بالجزم بأن هناك جهات خارجية تقف وراء نشر هذه الظاهرة، إلا أن الدعم التي تقدمه بعض الجهات تحت مسمى تشجيع الألوان الموسيقية الحديثة، وكذا الانتشار في دول العالم العربي، والذي يتم بتزامن يراعي خصوصية كل بلد ونسبة ليبراليته، والخطورة التي تشكلها هذه الظاهرة على الثوابت القيمية للبلد، والتي تعتبر محط استهداف مباشر من العديد من الجهات، يسمح على الأقل باستبعاد أن يكون الأمر مجرد استقبال ثقافي لظاهرة قيمية واردة من الخارج، خاصة وقد أثبتت الوقائع أن مجموعة من الطقوس يشترك فيها مغاربة وسياح أجانب، وهو ما يعزز فرضية أن تكون هذه الظاهرة عملا منظما يخضع لرؤية فكرية ويتميز بجملة من الممارسات السلوكية الشاذة، وينشط وفق استراتيجية تستثمر الألوان الموسيقية المعاصرة وما تتيحه من فضاءات كحقل للاستقطاب وتوسيع الانتشار. إن عملا منظما بهذه الشاكلة، بموارده البشرية ورؤيته الفكرية وتمظهراته الخارجية وأنشطته الشاذة، لا يستدعي فقط أن تبادر السلطة للتدخل لمنعه، وإنما يقتضي وضع الظاهرة في مشرحة التحليل؛ لتحديد أسبابها وعوامل تمددها وانتشارها، ومن ثمة التواضع على عناصر المقاربة التي ستعالج بها. سيكون من السذاجة أن نعتقد أن تفعيل الصرامة القانونية وحده سينهي الظاهرة من أساسها، وسيكون، في المقابل، من سوء النية أن يتم الدفاع عن هذه الظواهر الشاذة باسم حرية الفن والإبداع. يتعين علينا بدلا من الدفاع المشبوه عن هذه الممارسات الشاذة، وبدلا من الاكتفاء فقط بالمقاربة الأمنية المطلوبة حماية لشبابنا من تيارات هدامة ومخربة أن نوجه الأسئلة الصعبة إلى منظومتنا التربوية والتعليمية التي لا تؤمن الحصانة الكافية للشباب لمنعهم من الارتماء في أحضان هذه الممارسات، كما يتعين علينا ومن باب أولى أن نسائل السياسة الدينية، والتي لم تستطع بالرغم من الحديث عن تجديد حقلها أن تحقن اللقاح الضروري للشباب المغربي لتحصينه من ظواهر الشذوذ في السلوك والانحراف في التصرف. ولعل أول الطريق في المعالجة ألا نفر من الحقيقة وأن نسمي الأسماء بمسمياتها، ثم نحدد بعد ذلك عناصر التدخل؛ بدءا بإعادة الاعتبار للقيم الإسلامية في المنظومة التربوية والتعليمية، وتكثيف المهمة الدينية والإرشادية، وجعل المسجد رهانا في التصدي لهذه الظواهر المنحرفة، وتأطير وسائل الإعلام الرسمية برؤية تربوية يكون من أكبر مهامها تمنيع الشباب وتحصينهم من ظواهر الشذوذ في الفكر والسلوك. وما دامت منظومتنا التربوية والتعليمية تعاني من ضمور القيم الإسلامية، وما دام التأطير الروحي يراوح مكانه في ظل انكفاء المؤسسة الدينية الرسمية، وما دامت الثقافة والفن والإعلام، خاصة منه الرسمي، يفتقد إلى رؤية رسالية مؤطرة تضع التصدي لظواهر الانحراف على رأس أولوياتها؛ فإنه من المنتظر أن تفرز حالة الفراغ ظواهر أخرى غريبة لا يمكن أن تحدها الصرامة القانونية لوحدها.