بقدرما يطرح انتشار ظاهرة عبدة الشيطان في العالم العربي تحديات على الأمن الأخلاقي والثوابت القيمية للمجتمع، بقدر ما يطرح أسئلة حقيقية بخصوص مصدر هذه الظاهرة ومن وراءها، فهل يتعلق الأمر بضريبة تدفعها دول العالم العربي والإسلامي جراء انفتاحها غير الواعي على العولمة؟ أم أن الأمر يتجاوز حدود استقبال الظواهر الثقافية والقيمية من الخارج إلى مخططات قاصدة تقوم عليها جهات تهدف إلى تقويض البنية القيمية للمجتمع، وتدمير ثوابته المجتمعية؟ تحديات وأسئلة، تجعلنا نعرج على الإطار التاريخي لفكرة عبدة الشيطان ومؤسسها والمرجعية التأسيسية لمعتقدات هذه الطائفة، وأهم مبادئها وبنية تنظيمها ووسائل اشتغالها وأدوات الاستقطاب عندها، كما تجعلنا من جهة أخرى، نتابع تطور انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي، وفي المغرب، وأهم المجالات والفضاءات التي تستثمرها في عملية الاستقطاب والانتشار. على أن الأهم في هذا الملف ليس متابعة تحركات هذه الطائفة، ولا هو فهم حقيقة من هم عبدة الشيطان، وما هي معتقداتهم، وإنما الأهم في هذا الملف جانبان، الأول وهو توفير أرضية معرفية تسهم في تقديم أرضية للتدخل الشامل، والثاني هو محاولة في البحث عن مقاربة لمعالجة اختلالات الأرضية القيمية والثقافية والاجتماعية التي تسهم في توفير شروط ظهور هذه الظاهرة، وهو ما سعى الملف إلى تحقيقه من خلال بحث وجهات نظر بعض الباحثين من حقول معرفية مختلفة. *** لا نتوفر على أي معطيات دقيقة عن بداية تسرب أفكار عبدة الشيطان إلى المغرب، وعلى الرغم من أن علامات عبدة الشيطان بدأت تظهر في صفوف الشباب؛ خاصة بالمؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية في أواخر التسعينيات، مثل لباس الثوب الأسود وعليه علامة كنيسة الشيطان، إلا أن الوقائع التي يمكن الاستناد إليها بهذا الصدد، تكشف عن بروز متنام لحالات التقليد في اللباس والحركات، أكثر منها وجود بينة تنظيمية واضحة تروج لهذه المعتقدات الضالة، لكن في المقابل ظهور حالات السقوط الفردي بتأثير من الإدمان على الموسيقى المرتبطة بهذه الفئة، وتعاط مكثف لذموقاع الإنترنت الخاصة بها، فضلا عن ظهور حالات ترويج لها من قبل سياح أجانب استهدفوا الشباب المغربي. الدارالبيضاء: قضية مقهى المغارة بحسب تحقيق نشرته جريدة الشرق الأوسط في مارس 2003 عن الظاهرة في المغرب، فإن هذه الفئة استطاعت التغلغل في بعض الثانويات البيضاوية بشكل غامض وسري؛ مستغلة حب المراهقين لموسيقى البلاك ميتال لاستقطابهم إلى معتقداتها، وهم يقيمون حفلات خاصة من أجل هذا الغرض، وبحسب شهادة قدمها أحد المنتمين السابقين إلى هذه الفئة، فإنه انخرط في طقوس هذه الفئة منذ سنة 1999 ، وكان المدخل هو الموسيقي وعزف القيثارة والحضور إلى الحفلات الموسيقية الخاصة، وتحول بعد ذلك إلى تقليدهم في المظهر الخارجي، حتى كشفوا له عن حقيقتهم وأن الأمر يتعلق بكونهم من (الساتانيك). وأفاد التحقيق الصحفي نفسه أن البدايات الأولى لهذه الفئة تعود إلى سنة ,1996 حيث أنشأ مواطنان برتغاليان كانا مقيمين في الدار البيضاء أول خلية لممارسة طقوس عبادة الشيطان، وانتشرت هذه الظاهرة بصفة خاصة في مناطق المعاريف وحي غوتييه وحي بنجدية بالدار البيضاء وسط أبناء الطبقة الراقية والوسطى، وذكر نفس التحقيق أبرز الأماكن التي يرتادها هؤلاء لممارسة طقوسهم وإحياء حفلاتهم بعض المناطق بالبيضاء. لكن الإثارة الإعلامية لموضوع عبدة الشيطان تعود لسنة 2002 بالدار البيضاء، بعد أن اعتقلت السلطات الأمنية المغربية مصريا ضمن 14 شخصا في قضية سميت إعلاميا ب عبدة الشيطان سنة ,2003 وأحالتهم على المحكمة بتهمة انتمائهم إلى جماعة تمارس طقوس عبدة الشيطان، وهي المرة الأولى في المغرب التي يقف فيها متهمون بالارتباط بفكر عبدة الشيطان أمام القضاء المغربي، وقد كشفت التحقيقات الأمنية أن الاعتقال بعد مشاركة هؤلاء في حفل لموسيقى +البلاك ميتال؛ نظم في مقر جمعية +فيدارلية الأعمال اللائكية؛ (لافول) التابعة للسفارة الفرنسية، والواقعة في حي المعاريف بالدار البيضاء، كما كشفت هذه التحقيقات أن قرار تفكيك هذه المجموعة جاء بعد سنة من التحريات والمتابعات مكنت الفرقة الوطنية للأمن من رصد المجموعة، وهو ما يفيد أن الأجهزة الأمنية المغربية وقفت على هذه الظاهرة في سنة ,2002 ، وهي مقهى في ملكية المواطن المصري الذي اعتقل، إلا أن مسار الملف كشف عن كون المجموعة المعتقلة لم تجاوز حدود التقليد في المظهر الخارجي وليس الترويج لمعتقداتهم، وعلى عشق اللون الموسيقي المسمى ب الهارد والبلاك ميتال، وعلى أن الصحافة لعبت دورا في تضخيم الظاهرة لجلب اهتمام القراء، ليطوى بعذ ذلك الملف، ويصبح مجرد قضية موسيقية. القنيطرة:عبدة الشيطان يترجمون معتقداتهم بالتبول على المصحف لم تكد تمر فترة وجيزة على محاكمة عبدة الشيطان في البيضاء، ويقتنع الرأي العام بأن الأمر لا يتعلق بممارسة معتقدات عبدة الشيطان وإنما فقط بهواية الموسيقى والتقليد في المظهر الخارجي، حتى تناقلت وسائل الإعلام خبر تبول بعض تلاميذ ثانوية طه حسين بالقنيطرة: على المصحف الشريف يوم الأربعاء 14 فبراير ,2007 وهو الحدث، الذي أعاد الموضوع إلى الواجهة الإعلامية، بحيث كشف الحدث أن الظاهرة تتعدى حدود التقليد إلى ما هو أبعد من ذلك، خاصة وأن إحراق الكتب الدينية يدخل ضمن المعتقدات الأساسية لهذه الطائفة. وعلى الرغم من أن إدارة المؤسسة نفت وقوع هذا الحادث، إلا أن مصادر من داخل المؤسسة، حسب ما أفادت به وسائل الإعلام، أكدت وقوع الحادثة، وأشارت إلى تنامي تحركات أفراد يزعمون انتمائهم لعبدة الشيطان في المدينة داخل الأوساط الشبابية والتلمذية بشكل خاص. ولم تكد تهدأ تداعيات هذا الحادث في مدينة القنيطرة، حتى تناقلت بعض وسائل الإعلام في أواخر مارس 2008 خبر تجمع دوري تقوم به هذه الطائفة لممارسة طقوسهم ومعتقداتهم بأحد المنازل بحي باب فاس، حيث أفاد مراسل التجديد من مصادر مطلعة وجود 5 أفراد 3 منهم يأتون من مدينة الدار البيضاء، يجتمعون بهذا البيت المعروف لدى سكان الحي بـبيت الساطانيك لممارسة معتقداتهم، ومنها أنهم يعمدون إلى قطع الأرجل الأربعة لقطة يرسمون بها رمزا على الأرض ويلفون حوله وهم يتلون بعض الطلاسم غير المفهومة المعنى، ثم يثقبون عنق القطة ليملأوا من دمها 5 كؤوس يشربها الأفراد الخمسة أعضاء المجموعة، وذكر المراسل أن أفراد المجموعة المذكورة تنشط بشكل كبير لاستقطاب تلامذة بعض الإعداديات والثانويات القريبة من الحي. سيدي قاسم: عبدة الشيطان يخترقون مهرجانات موسيقى الهيفي ميتال شهدت مدينة سيدي قاسم في نهاية شهر يناير 2008 مهرجانا لموسيقىالبلاك ميطال، الذي سبق تنظيمه في نفس المدينة سنة 2005 ، وحسب شهود عيان وفق تقرير لوكالة رويترز فقد لوحظ عشرات الشباب المتشبهين بعبدة الشيطان يتخذون نفس المظهر الخارجي المعروف عن هذه الطائفة، ويلصقون رمز عبدة الشيطان (النجمة السوداء المرصعة بدائرة)، مع تصريح بعض هؤلاء الشباب بأن الأمر يتعلق فقط بهواية الموسيقي ومجرد التقليد الخارجي، إلا أن المعطيات التي كشفتها بعض التحقيقات الصحفية والمناقشات التي أجرتها مع بعض المنتسبين إلى هذه الطائفة تشير إلى أن هذه الرواية التي يلجأون إليها لنفي صلتهم بعبدة الشيطان هي جزء من استراتيجية الانتشار التي تعتمد التوغل في المؤسسات التعليمية وفي أوساط الشباب باستثمار الموسيقى، والملاحظ حسب ما أكدته العديد من التقارير الصحفية العربية، أنها نفس الطريقة التي اعتمدت للانتشار والاستقطاب في بلدان عربية كثيرة، مثل لبنان ومصر وتونس والبحرين والكويت وغيرها. أصيلا: عبدة الشيطان يتسللون إلى مهرجان الموسيقى أنغام السلام وهو ما أوردته بعض وسائل الإعلام المحلية، إذ كشفت استنادا إلى مصادرها إقامة شواذ أوروبيين وعناصر من عبدة الشيطان حفلا صاخبا على شاطئ سيدي مغايت على بعد 12 كم جنوب مدينة أصيلة (شمال العاصمة) مستغلون بعض الفضاءات الهامشية لمهرجان الموسيقى - أنغام السلام في دورته الثانية ما بين 17 و22 أغسطس .2006 الصويرة: عبدة الشيطان يصلون إلى الصويرة حيث شهدت منطقة تكنزة التابعة لنفوذ المقاطعة الحضرية الثالثة للصويرة خلال الأسبوع الأول من يناير الجاري زيارة لمجموعة من السياح (60) سائحا حطوا رحالهم بأستوديو سينمائي بالمدينة. وبحسب مصادر إعلامية فإن المجموعة التي تضم من بين أفرادها مغاربة من الدار البيضاء والرباط ومراكش تنسب نفسها إلى عبدة الشيطان أحيت حفلا صاخبا دام 16 ساعة تحت تأثير موسيقى النيوفانا تيكنو رافعين شعار عبادتهم رسم لرأس ثور، وقد امتدت مدة إقامة المجموعة بالصويرة لخمسة أيام توجهوا بعدها إلى مالي، للمشاركة في المؤتمر العالمي للشواذ الذي يترأسه رئيس بلدية دولانوي، وذكرت نفس المصادر أن رئيس بلدية باريس المعروف بشذوذه الجنسي كان موجودا بمدينة الصويرة خلال الفترة نفسها. تطوان:غابة أقشور تحتضن طقوس عبدة الشيطان فبعد ما تناقلت وسائل الإعلام خبر توافد مجموعة من الشباب المشتبه في انتسابهم إلى عبدة الشيطان إلى غابة أقشور في صيف ,2008 انتقل والي تطوان بنفسه مرفوقا برئيس الشؤون العامة في أول أسبوع شهر يوليوز إلى غابة أقشور للوقوف بنفسه على ما نشرت، وقام بطرد هذه المجموعة بعدما شاهد طقوس هؤلاء الشباب الشاذة، وقد غادر الوالي مقر ولايته الذي كان يحتضن لقاء كبيرا حول منجزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية . وتعرف هذه الغابة في نفس التوقيت من كل سنة فيما يشبه التقليد قدوم مجموعات من الشباب رفقة سياح أجانب. وقد تم طردهم في صيف سنة ,2007 إلا أنهم عادوا لإحياء طقوسهم الشاذة في صيف سنة ,2008 بما يحيل إلى أن الأمر لا يتعلق بحالة عشوائية، وإنما بعمل منظم يصر على اتخاذ غابة أقشور مكانا للاجتماع السنوي لممارسة الشذوذ وطقوس عبدة الشيطان. والذي يدعم هذا الاستنتاج أن عملية الطرد تمت مرتين متتاليتين من نفس المكان، ومع ذلك يتم الرجوع إلى نفس الغابة لممارسة هذه الطقوس الشاذة وفي المكان ذاته. اشتوكة آيت باها: غشت 2005 عبدة الشيطان في مهرجان أنغام للسلام تناقلت وسائل الإعلام أخبارا عن استغلال شباب يشتبه في انتسابهم إلى عبدة الشيطان لبعض فضاءات مهرجان أنغام السلام بشاطئ تفنيت التابع لجماعة سيدي بيبي بإقليم اشتوكة آيت باها، حيث أغلق الشاطىء المذكور كليا، بواسطة حراسة أمنية مغربية مشددة، وبترخيص من السلطات المحلية، وهو المهرجان الذي لقي معارضة واستنكارا شديدين، من لدن الهيئات السياسية والحقوقية وكذا السكان بالمنطقة، بينما اعتبرته السلطات المحلية بالإقليم مجرد نشاط يندرج في إطار تشجيع الاستثمار السياحي بالمنطقة. وقد شاركت في هذا المهرجان فرقتان صهيونيتان، من بين فرق موسيقية أخرى أوربية وأمريكية، وعرف حضورا كثيفا للشواذ، وتحدث شهود عيان عن ممارسات شاذة وطقوس منحرفة، مصحوبة بحالات السكر والعربدة، بالإضافة إلى حضور رموز عبدة الشيطان في ألبسة العديد ممن ارتادوا هذا المهرجان.