كشفت الحصيلة السينمائية بالمغرب لسنة 2008 عن غياب شبه عام للفيلم الوثائقي في المشهد السينمائي المغربي، سواء على مستوى الدعم أو الإنتاج. وقد اتضح ذلك جليا خلال الدورة الأخيرة (العاشرة) للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، بحيث توج فيلم وثائقي وحيد بجائزة خمسينية السينما المغربية كالتفاتة تشجيعية لهذا النوع من الأفلام، ويتعلق الأمر بـأماكننا الممنوعة لليلى كيلاني الذي يتطرق إلى ضحايا الانتهاكات الحقوقية بالمغرب في فترة ما من تاريخ المغرب. المفارقة أن هذا الشريط الوثائقي هو الذي سيحصل على الجائزة الكبرى في صنف مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة 21 لمهرجان السينما الإفريقية بوكادوكو. معلنا بذلك ضرورة الاهتمام بالفيلم الوثائقي، لأنه جرت العادة عندنا أن لا نهتم بجنس سينمائي أو بشريط ما إلا إذا حقق شهرة في الخارج. المفارقة الثانية هي أن مهرجانات الفيلم الوثائقي بالمغرب في تزايد، بل وأصبح لها جمهورها الخاص. والمفارقة الثالثة هي أن جل السينمائيين المغاربة درسوا بأوروبا التي تعطي أهمية قصوى للفيلم الوثائقي، من حيث إنه نوع سينمائي متميز له خصوصياته الجمالية والثقافية؛ فضلا عن كونه يتطرق لقضايا اجتماعية أو فكرية أو سياسية عادة ما تكون سببا في إحداث تحولات أساسية في المجتمع، ومن هنا نفهم إنشاء قنوات غربية للأشرطة الوثائقية. ولذلك ارتبط الوثائقي بقضايا إنسانية كبرى، ومن هنا نفهم أيضا مدى انتشار الفيلم الوثائقي الفلسطيني مقارنة مع باقي الدول العربية التي تشهد تأخرا في هذا المجال. قلت على الرغم من تواجدهم في أوربا فلم نر من السينمائيين المغاربة من تخصص، أو اهتمام أكثر بالفيلم الوثائقي، إلا ما كان من بعض التجارب المتفرقة والمنقطعة سابقا أو حاضرا. صحيح أن هناك اليوم جيلا من المخرجين الشباب من خاض هذه التجربة، لكن بمعية قنوات أجنبية وعربية تفرض شروطها ورؤيتها على المخرج. ومن هنا وجب التطرق إلى أهم المعيقات التي تلاقي صناعة الفيلم الوثائقي بالمغرب. وفي اعتقادي أن لها علاقة أولا بالدعم والإنتاج، بمعنى أن الدعم غالبا ما يذهب إلى الفيلم الروائي، والمنتجون لا يفكرون إلا بمنطق الربح، مما يجعل خوض غمار الفيلم الوثائقي بمثابة مغامرة. ثانيا خلافا لما كان عليه في السابق فدور العرض لا تقدم للمشاهد أشرطة وثائقية خصوصا قبل الروائية من باب الترويج والتشجيع ثم التثقيف. وهذا ينعكس سلبا على سلوكات المتلقي المغربي الذي تكرست لديه فكرة أن الوثائقي ممل، وأنه يتطلب مستوى ثقافي عال لاستيعاب رسالته. هذا الفهم كرسته كذلك قنواتنا التلفزية التي عادة ما تبرمج الأشرطة الوثائقية خارج أوقات ذروة المشاهدة، إما في الصباح الباكر أو في ساعة متأخرة من الليل. فضلا عن أنها تعتمد أشرطة وثائقية أجنية، دون التفكير في إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي أو التفكير في تشجيع الدبلجة من قبل السينمائيين المغاربة. كل هذا يستدعي في الأخير المرور إلى مرحلة التنفيذ لمجموعات توصيات كان المركز السينمائي المغربي قد طرحها في هذا المجال خلال عدة مناسبات سينمائية؛ خصوصا في ما يتعلق بالدعم.