أجمعت القوى السياسية والشعبية العربية على رفض مذكرة المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، ونددت بالازدواجية التي تتعامل بها المحكمة، وطالبتها بإصدار أمر اعتقال قادة إسرائيل الذين ارتكبوا جرائم في حق الفلسطينيين. ففي مصر دعا المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف جميع الدول العربية والإسلامية الأعضاء بالمحكمة الجنائية الدولية للانسحاب منها ردا على قرارها بحق البشير. واتهم عاكف المدعي العام في المحكمة الدولية بممارسة الابتزاز السياسي ليس للسودان وحده، وإنما للأمة العربية كلها. وقال إن محكمة تكيل بمكيالين وتصدر قراراتها وفق ميزان معتل الكفة ومؤشره مرتبط بالسياسة الأميركية والصهيونية. وتساءل نائب المرشد محمد حبيب أين المدعي العام للمحكمة أين المحكمة بل أين مجلس الأمن من جريمة الحرب والعدوان والإبادة التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني؟. أما السكرتير العام لحزب الوفد منير فخري عبد النور فقال أما وأن المحكمة أصدرت قرارا ضد البشير فلا أقل من أن تصدر قرارا ضد مجرمي الحرب في إسرائيل على الجرائم الفظيعة والبشعة التي ارتكبوها في غزة. وفي الأردن تظاهر العشرات من أنصار المعارضة الأردنية في العاصمة عمان تنديدا بمذكرة التوقيف واصفين القرار بأنه ذو دوافع سياسية. واعتصم قادة مجلس النقابات المهنية الأردنية الذي يضم في عضويته 14 نقابة بعد عدة دقائق من إعلان القرار حاثين جامعة الدول العربية على دعم السودان والانسحاب من عضوية المحكمة الجنائية الدولية. وقال رئيس مجلس النقابات المهنية الأردنية عبدالهادي الفلاحات إن على القادة العرب أن يضعوا خلافاتهم جانبا ويتحدوا في مثل هذه اللحظة ويقدموا دعمهم للسودان أمام الغرب. وأضاف أن قادة عربا آخرين سيستهدفون بعد البشير ما لم يتم أخذ موقف جدي اتجاه القرار. ووصف نقيب المحامين الأردنيين صالح العرموطي القرار بأنه صهيوني أميركي بامتياز، ودعا الشعوب العربية للدفاع عن الرئيس السوداني والوقوف في وجه تنفيذ أمر اعتقاله. واستنكر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد ما وصفه بانتقائية المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع قضايا المنطقة، وتأجيج الصراعات والحيلولة دون نجاح جهود التوفيق بين الفرقاء السودانيين. وتابع أن الجنائية الدولية تؤمن مظلة حماية لمجرمي الحرب الحقيقيين وتلاحق مناهضيهم. وفي لبنان أدان لقاء للأحزاب والقوى والشخصيات اللبنانية مذكرة محكمة الجنايات الدولية وقال في بيان له إن مذكرة التوقيف تأتي بعدما فشلت الضغوط الأميركية الغربية في إخضاع النظام الوطني في السودان ولم تتمكن من جعله يتخلى عن ثوابت استقلاله الوطني وحرية قراره ووحدة السودان. واستنكرت هذه الأحزاب الاستخدام السياسي للمحكمة الدولية التي لم تحرك ساكنا إزاء المجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل وأميركا في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان على مرأى من العالم اجمع. وفي فلسطين دانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي قرار المحكمة واعتبرتا أنه يعكس ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع قضايا المنطقة. ووصف الناطق باسم الحكومة الفلسطينية المقالة طاهر النونو القرار بأنه سياسي بامتياز وظالم في الوقت نفسه، مضيفا أن المحكمة تتجاهل جرائم المجرمين الحقيقيين من قادة الاحتلال الصهيوني الذين اقترفوا المجازر والفظائع بحق شعبنا. ورأى القيادي في حركة الجهاد الإسلامي نافذ عزام أن القرار يعبر عن ازدواجية المعايير لدي محكمة الجنايات الدولية. وأضاف أن محكمة الجنايات الدولية تغمض أعينها تمام عن المأساة التي يعيشها الفلسطينيون وعن جرائم الحرب الواضحة التي ترتكبها قوات الاحتلال الأميركية في العراق وأفغانستان بحق مدنيين عزل. في سياق متصل، وبعد ساعات من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني، اتجهت الأنظار إلى مجلس الأمن الدولي حيث تتسارع وتيرة الجهود الدبلوماسية عربيا وأفريقيا لتأجيل التنفيذ. وفي هذا الصدد ينتظر أن يجري وفد رفيع المستوى من الجامعة العربية مشاورات في مجلس الأمن لتأجيل الإجراءات ضد الرئيس السوداني. وأعلنت الجامعة استمرار الجهود المشتركة مع الاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز لمواجهة الآثار المترتبة على قرار الجنائية في حق البشير، بما في ذلك إرسال وفد مشترك رفيع المستوى إلى مجلس الأمن الدولي. ودعت الأممالمتحدة السودان للتراجع عن قرار طرد المنظمات الدولية العشر الذي أعلنته الخرطوم بعد أن اتهمتها بالتعاون مع المحكمة الجنائية وانتهاك القوانين المنظمة لوجودها بالبلاد. من ناحية أخرى، دعت بكين مجلس الأمن إلى تعليق مذكرة توقيف البشير. وقالت الخارجية في بيان نأمل أن يطلب مجلس الأمن من المحكمة الجنائية الدولية وقف الإجراءات بهذه القضية. وقال البيان أيضا تعبر الصين عن أسفها وقلقها لإصدار المحكمة الجنائية الدولية أمر اعتقال بحق الرئيس السوداني. وأضاف ترفض الصين أي أفعال قد تضر بالسلام في دارفور. يُذكر أن بكين بوصفها شريكا مقربا للخرطوم وعضوا دائما بمجلس الأمن تستطيع القيام بدور هام في تطورات مسألة مقاضاة البشير خاصة أن المجلس يملك سلطة تعطيل الإجراءات إذا لم يستخدم أحد الأعضاء الدائمين حق النقض. من جانب آخر، نصح محللون سياسيون الحكومة السودانية بالتعامل بحكمة وعدم اتخاذ أي رد فعل سلبي تجاه بعض الدول أو المنظمات والهيئات الدولية، بغض النظر عن قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الرئيس عمر حسن البشير، والمتوقع إعلانه في غضون ساعات. وطالب المحللون الحكومة بالعمل على جمع الصف الوطني واتخاذ تدابير أكثر وقائية لمعالجة أزمة دارفور، بجانب المحافظة على جميع اتفاقيات السلام المختلفة.