ترتفع فاتورة اقتصاد الريع باستمرار نظام الرخص والامتيازات، وتبقى تكلفة هذا الاقتصاد مرتفعة، حسب ما أكده محللون، وهي بقدر ما تضيع على المغرب مبالغ كبيرة، بقدر ما تحد من عجلة التقدم السوسيواقتصادي وتعمق من كلفة الجانب الاجتماعي، الذي يتمظهر في العديد من الاختلالات الناتجة عن عدم تكافؤ الفرص في المجتمع، والتي يعتبر اقتصاد الريع من أبرزها. وأبرز لحسن حداد، خبير دولي في مجال التدبير الاستراتيجي وتدبير المشاريع والموارد البشرية، أن هناك تصاريح كثيرة في إطار اقتصاد الريع تنهك خزينة الدولة والاقتصاد المغربي، وذلك من جراء رخص أعالي البحار، حيث لا ينحصر الأمر في هذه النقطة، بل هناك اتجار في أعالي البحار، أي أن هناك صفقات خارج مجال المراقبة الوطنية، ومن ثم فهناك اقتصاد موازي لهذا القطاع. وقدر حداد كلفة اقتصاد الريع بملايير الدولارات يفقدها المغرب جراء هذه الظاهرة، مشددا على أنه ليس هناك دراسة دقيقة من حيث تحديد المبلغ الذي يخسره المغرب، فقطاع النقل يعد من أهم مجالات انتعاش اقتصاد الريع، ذلك أن الرخص تسلم إلى الأشخاص في غياب معايير موضوعية ودون احترام قواعد الشفافية والتنافسية. ومن أجل تشجيع الاستثمار، يتم تفويت أراضي لشركات معينة، وذلك على الرغم من غياب نص صريح حتى بالنسبة لمدونة الاستثمار، حسب حداد، الذي أضاف أن هناك غيابا للمساطر من أجل التفويت. وقال حداد إنه يجب على الدولة أن تفوت أراضي من أجل جلب المستثمرين، ولكن يجب أن يكون ذلك في إطار قواعد منظمة، مؤكدا على ضرورة محاربة الخلل في الاقتصاد المغربي المتمثل في اقتصاد الريع، وذلك في إطار ضمان الحقوق الفردية والحقوق العامة وفي إطار القانون، وليس عبر نشر لوائح المستفيدين أو ما شابه ذلك. من جهته، أكد عبد اللطيف النكادي من الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة ترانسبرانسي أن اقتصاد الريع يتجلى في عدة مجالات، فهناك تسعير ماء السقي، وسعر الكهرباء، وتفويت الأراضي لأغراض فلاحية أو للبناء والتعمير، وسن الإعفاءات الضريبية، وتحديد نسب فائدة القروض الخ. وحسب المصدر ذاته، فإن الريع يستمر في قطاعات عدة أشهرها النقل والسكر والزيت، ناهيك عما ظهر في ميدان العقار منذ تنامي المضاربات في هذا القطاع، مضيفا أن الدولة في البلدان الليبرالية حقا تعتبر التدبير المفوض نقلا لريع المرفق العمومي المتمثل في احتكار توزيع الماء أو الكهرباء أو غيرهما لشركة معينة مقابل النهوض بمرفق عمومي لصالح السكان. وتبقى كلفة الريع في المغرب مرتفعة، لاسيما أمام الكم الهائل من القطاعات التي تطالها هذه الظاهرة، وفي هذا الإطار أشار النكادي إلى قطاع السكر من خلال البحث الذي أنجزه توايير ْمٌُّوش ، فقد كشف أن حالة الريع الناتج عن السياسة السكرية للمغرب أظهرت حساباته لسنة 1996 أن المستفيد الأكبر من السياسة السكرية هو مقاولة الصناعة الغذائية عامة ومقاولة معينة بصفة خاصة. ويطرح العديد من الفاعلين سؤالا عن مدى ارتباط هذا الاقتصاد وعجلة الإصلاحات، إذ أفاد النكادي أن قطاع الريع بمثابة حجر عثرة أمام الإصلاحات الشاملة، مضيفا أنه ظهر مع الوقت أن الريع والطبقة المستفيدة منه شكل دائما عِـبئا على السلطة بعجزهما عن القيام بدور اقتصادي أو تقديم نموذج سياسي أو محاكاة الليبرالية الغربية في سيرورتها، بل إن ارتباطه بالسلطة ظل مطبوعا بالطفيلية والظلم والجشع مما أفقده الاحترام والامتداد الاجتماعي وجر الحقد الشعبي على السلطة. وبدلا أن يكون حاضِـنا للسلطة ومُـدافعا عنها، كان في كنفها يتغذى من غلتها ويعري شرعيتها في حين أنها تريد من خلاله أن تسوق صورة دولة الرفاه العام ونمط ديمقراطيتها سعيا لتأييد الشعب لها، حسب النكادي.