إن الفروق واسعة وشاسعة بين الحجاب الذي يغطي الجسم بكامله ،بما في ذلك دائرة الوجه وراحة اليدين ، مرورا بالتشادور الإيراني والحجاب الإندونيسي ، وصولا إلى الصيغة التي يتساكن فيها غطاء الشعر والعنق مع الماكياج ،أو الإقتصار على غطاء الرأس مع الإحتفاظ بكافة الملابس العصرية التي لا تتميز عن تلك التي ترتديها غير المحجبات . بالموازاة مع هذا التحول الكبير الذي طرأ على ارتداء الحجاب ، نجد قاعدة مهمة لازالت تحافظ على شكله ومضمونه الدينيين ، وقد كشف البحث السوسيولوجي الذي أنجز أواخر 2007 من طرف ثلة من الباحثين ( محمد الطوزي ومحمد العيادي وحسن رشيق) ، والمسمى الإسلام اليومي والذي سعى جاهدا لتسليط الضوء على السلوكات الدينية عند المغاربة باستعمال أدوات علمية تمتح من حقل السوسيولوجيا ، عن نتائج جد دالة في هذا الصدد ، بحيث عبر ما نسبته 84 في المائة من مجموع المستجوبات (اعتمد البحث على عينة مكونة من 1000 شخص تتضمن كافة الفئات ومختلف الجهات المغربية ، وبعبارة أدق إنها عينة ممثلة وتحترم القواعد العلمية )عبرن عن تثمينهن لهذا اللباس وبكونه يشكل إحدى قناعاتهن الدينية ، بينما 17 في المائة فقط من هذا المجموع اعتبرن أن لباس الحجاب لا يعبر عن قناعات دينية ، بل يرتبط بأمور تتعلق بالموضة وبالتستر من أعين المجتمع . إن هذه النسب التي عبر عنها هذا البحث غير المسبوق في العالم العربي والإسلامي، تتيح للقارئ ، وإن كان بحذر ابستيمولوجي شديد ، لأن كل بحث علمي يباشر القضايا والظواهر الإنسانية التي تتميز بطابعها المركب والمتشابك ، إلا ويجب أن يكون نقديا ومنهجيا في تعامله مع نتائج هذه الأبحاث ،وبالرغم من هذه الملاحظات التي أبديتها ، أن يستنتج أن لباس الحجاب يجد قبولا من طرف الفتيات والنساء بدافع ديني و بوعي وبطريقة مؤسسة ، خصوصا كلما ارتفع المستوى المعرفي بالنصوص الدينية، حيث تعتبر هذه الفئة عن الغالبية من مجموع المستجوبات (67 ) بينما الفئة الأخرى والتي بدأت تبرز بشكل ملفت في السنوات الأخيرة من اللواتي يرتدين الحجاب بمواصفات معينة ، ويعكسن آثار التوتر السلوكي بين المعتقد والفعل ،وهذا ما يدفعنا للتساؤل ما هي العوامل التي ساهمت في هذا الإنزياح في هذا السلوك الديني ذو الرمزية العالية ، ليصبح أحد الظواهر المثيرة للجدل ؟ لاشك أن هذا التحول الذي طرأ على الحجاب وكيفية تمثله من طرف الفتيات والنساء ، له عدة أسباب وعوامل ،وإذا كنا قد ألمحنا إلى بعض هذه المتغيرات ، وخصوصا ما خلفته ظاهرة العولمة من تداعيات على هذا المستوى ،فإن أهم هذه التحولات على الإطلاق هو ما حملته الثورة الإعلامية من مفاهيم وقيم ومعايير وسلوكات ونماذج ،اشتغلت بشكل مكثف على جميع المستويات ،لتخلق جيلا جديدا ،يتماهى مع القيم الغالبة لكن برؤية غير مؤسسة وغير واعية بمستلزمات الحقيقة الدينية ،ومنها مسألة الحجاب ،حيث في بحث سوسيولوجي اعتمد آليات منهجية كيفية وليست كمية (أنجز البحث من طرف الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب تحت عنوان الشباب والحجاب في المغرب وأشرف عليه أستاذ علم الإجتماع إدريس بنسعيد أواخر سنة 2007 ) توصل إلى نتائج جد هامة في هذا المضمار ، ففي سؤال عن دلالات الحجاب وجه لتلميذات وطالبات وعاملات ، لم تستطع فئة التلميذات ولا العاملات من تحديد مضمونه بشكل دقيق،فتارة يتم الحديث عن السترة والوقار ،وتارة أخرى لأنه يشكل موضى العصر ، وقد لا يستغرب القارئ إذا بينا ، أن غالبية المستجوبات من فئة الشابات كشفن عن ضعف المعرفة الدينية بشأن النصوص المؤطرة للباس الحجاب . من جهة أخرى وارتباطا بذات الأسباب التي تبين كيفية انزياح لباس الحجاب من طابعه الديني إلى سلوك اجتماعي يتلون بمختلف تيارات العولمة الجارفة لكل الثوابت والنماذج المعيارية ، نتوقف عند مفارقة تتمثل في علاقة الحجاب بالموضة ،فالموضة كما معروف تحيل على تحول مستمر لا يتوقف للألبسة والأزياء ، دون التقيد بمرجعيات أو نماذج ثابتة ، هدفها الأساس هو التحكم في مقاييس جمالية وعصرية اللباس على مستوى الشكل واللون والثوب ،كما تتجه الموضة بقوة نحو إلغاء الأذواق والخصوصيات المحلية وتعويضها بنماذج تشتغل على مستوى العالم بكامله مستغلة في انتشارها كل القوة التجارية والهيمنة الثقافية التي تساهم في انتشارها السريع التدفق الإعلامي والمعلوماتي الهائل .بالمقابل يرمز الحجاب كزي ديني على رمزية ثابتة وكمعيار لسلوك يحافظ على أصالته من خلال التصدي لكل عوامل التغير والإنحراف . رغم هذا التناقض الظاهر بين الحجاب والموضة ، فشريحة الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب بالتماهي مع آخر صيحات الموضة بالشكل الذي تبدوفيه الفتاة وكأنها حاملة لمتناقضات يصعب حل شفراتها ، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الموضة بدأت تكتسح الحجاب وفق مواصفات ومعايير خاصة ،وهذا ما سمح لبعض المستجوبات في هذا البحث المذكور سابقا بتوصيف الفتاة التي تجمع بين هذين المتناقضين إقرأ فوق وروتانا تحت هذه المقولة تم استلهامه من قناة إقرأ المتخصصة في الثقافة الدينية وقناة روتانا وكما هو معروف فهاتين القناتين تعودان لملكية نفس الشخص . إن هذا التناقض والتوتر الذي يتمظهر في سلوكات فئة من الشابات والفتيات في تفاعلهن مع القيم الدينية بشكل عام ،وليس فقط في الحجاب ،يجد تفسيره في عملية التوليف بين مبادئ الإسلام كمعايير ثابتة ومحصنة ،وبين متطلبات العصر بما يقتضيه من سلوكات ومواقف وقيم نماذج ومعايير قد تقترب من القيم الدينية أو قد تبتعد ، مما يخلق نوعا من الإنتهازية الإستراتيجية ،أو ما يمكن أن نطلق عليه التشظي القيمي ،والذي أصبح عنوانا بارزا في المجتمع المغربي ولكن بشكل خاص فئة الشباب التي تتعرض أكثر من غيرها لعوامل التغير وعدم الإستقرار. ولعل مما يغذي هذا التوجه يمكن أن نشير إلى المناهج التعليمية وإلى وسائل الإعلام العمومي التي لا تقدم صورة واضحة حول عديد من القضايا وعلى رأسها مسألة الحجاب ، فالمناهج والمقررات التعليمية وأقصد مادة التربية الإسلامية تم تشطيب وتجفيف كل متنها وتيماتها من التطرق إلى هذه المسألة ، وذلك بعدما باشر صانعوا القرار التربوي في عهد حكومة التناوب التوافقي بصيغتيها ، سياسة تجديد المناهج والمقررات والكتب المدرسية .أما وسائل الإعلام العمومي فهي الأخرى تتجاهل هذه الظواهر وإذا تم تقديم نماذج منها تكون مبتورة ومشوهة ،وهو ما يعكسه التوجه العام للقناتين المغربيتين من تجاهل كل ما يمت بصلة للحجاب.