نصت مدونة الأسرة على إحداث صندوق التكافل العائلي، وبعد مرور خمس سنوات على العمل بها لايزال هذا المشروع حبرا على ورق بالرغم من تأكيد الخطاب الملكي لـ10 أكتوبر 2003 الذي ألقاه الملك بمجلس النواب آنذاك على ضرورة إحداث صندوق للتكافل العائلي كآلية أساسية لضمان تفعيل ناجع لمدونة الأسرة، وتصريح وزير العدل أمام المجلس ذاته بأن الوزارة أعدت مقترحا لمشروع قانون بخصوصه. وبالتالي يسجل هذا الموقف وهذا التأخير فشلا آخر لسياسة النهوض بحقوق المرأة التي كانت الأساس في إحداث مدونة جديدة قضت قبل المصادقة عليها أربع سنوات في السجال حول مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ينضاف إلى ما أنتجه العمل ببعض البنود الجديدة من ارتفاع لظاهرة الطلاق للشقاق حسب إحصائيات لوزارة العدل، بسبب سهولة المساطر حسب تصريحات بعض القانونيين .. وعن ضرورة التسريع بإحداث صندوق اجتماعي يخفف من حدة الهدر المدرسي والتشرد في صفوف أطفال الطلاق آثرنا أن نقف عند هذه النقطة بالذات، والتي كانت من أهم مقتضيات مدونة الأسرة، وبعدم تنفيذها أفرغت المدونة من محتواها الذي ليس إلا حماية مكونات الأسرة وتحقيق التماسك الأسري من أجل مصلحة المجتمع، لاسيما إذا ذكرنا أن معظم الحالات التي ترد على مركز النجدة، هن نساء تعاني من مشاكل النفقة؛ سواء بسبب الطلاق أو تهرب الزوج من تحمل مسؤولية الأسرة. ويبقى السؤال، من المسؤول عن تأخير ظهور صندوق التكافل العائلي للوجود في الوقت؛ الذي تعج فيه المحاكم بقضايا النفقة التي يستعصي تنفيذ أحكامها، والتي لن تجد حلا لها في غيابه؟ ولماذا؟ فشل حكومي من المثير أن ترفض الحكومة خلال مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2009 تعديلات تقدم به فريق العدالة والتنمية خاص بإحداث صندوق التكافل العائلي، والأكثر غرابة أن يأتي هذا الرفض في ظل إعلان وزارة العدل بأن عدد القضايا الرائجة في موضوع النفقة خلال سنة 2007 بلغ 47 ألفا و,277 وكون عدد القضايا الرائجة في موضوع الحضانة سنة 2007 بلغ ألفا و349 قضية، كما أن عدد القضايا الرائجة في موضوع كفالة الأطفال المهملين سنة 2007 بلغ ألفا و389 ، الشيئ الذي اعتبرته النائبة البرلمانية بسيمة الحقاوي مؤشرا آخر على فشل هذه الحكومة؛ على اعتبار أن التكافل العائلي كان من ضمن التزامات الحكومة قبل خمس سنوات مضت، مضيفة في تصريح لـالتجديد أن هذا المشروع يعتبر من الأشياء الجميلة التي جاءت بها مدونة الأسرة؛ لكون بنودها تكفل للمرأة وأبنائها النفقة في حالة الطلاق، وفي حالة عسر الزوج وعدم تمكنه من دفع المبلغ سيقوم صندوق التكافل العائلي بهذا الدور. وتشدد الحقاوي على أن عدم تنفيذ هذا المشروع من قبل الحكومة يعتبر خيبة أمل، وأيضا مؤشر فشل آخر للحكومة وعلى وفائها بوعودها، لكنها مجبرة-تضيف المتحدثة ذاتها- ومنوط بها أن تنزل القوانين التي يصادق عليها في البرلمان. من جهة أخرى تعتقد الحقاوي أن الحكومة لاتزال لم تفكر بعد في مصادر تمويل هذا الصندوق، وفي الأشخاص الذين سيستفيدون منه كالأشخاص المسنين والأطفال في وضعية صعبة؛ الشيئ الذي يفترض أن تقوم به قبل إصدار هذا القانون ونشره بالجريدة الرسمية كسلطة تنفيذية. ومن جهتها قالت جميلة المصلي في تصريح سابق لـالتجديد، إن حزب العدالة والتنمية طرح هذا التعديل، وطالب بتمويله من الرسوم القضائية التي عرفت ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة، لعلمه أن الحاجة ماسة لهذا الصندوق؛ على اعتبار أن عدد النساء المعيلات للأسر هو في ارتفاع مستمر، إما بسبب تخلي الزوج عن النفقة بعد الطلاق الفعلي، أوبسبب إهمال الأسرة، أو الترمل، أو بسبب معاناة الأسر المتضررة من هذه الأوضاع من مشاكل جمة، على مستوى الكساء والتطبيب والتعليم، والأكثر من ذلك أن المهددين بهذا الوضع هم الأطفال رجال المستقبل، إلا أن الحكومة مصرة على تسويف إخراجه. السجن ..عوض أداء النفقة تفيد الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل بأن حالات التطليق في المغرب تشهد ارتفاعا مهولا يهدد استقرار العلاقات الأسرية، فبينما توقف ارتفاع نسبة الزواج بين 2006 و2007 عند نسبة 40,11 في المائة، ارتفعت حالات التطليق في نفس الفترة بنسبة 20,44 في المائة. ففي 2007 صادقت محاكم المغرب على 21 ألفا و328 حالة تطليق، بزيادة 20,44 في المائة عن عام ,2006 وتلجأ النساء إلى مسطرة التطليق بإيقاع متزايد، حيث تصل طلبات النساء للتطليق إلى نصف الحالات الرائجة داخل المحاكم المغربية، حيث تقدمن بمجموع 21 ألفا و547 طلبا للتطليق بالشقاق، أي نسبة 18,56 في المائة من مجمل طلبات التطليق. وبالتالي تعتبر الملفات المتعلقة بالنفقة من القضايا الأكثر رواجا لدى قضاء الأسرة، والحل الناجع لهذه المشكلة يتمثل في التعجيل بإحداث صندوق التكافل العائلي، حيث صارت الحاجة ملحة إلى وجوده، لاسيما والكل يتحدث اليوم عن الدولة الاجتماعية عوض الدولة الدركية، والتي يجب عليها أن تسير في اتجاه الحل الإجتماعي الأنجع للعديد من المشاكل حسب المحامي عبد المالك زعزاع. ويرى زعزاع أن محاكم الأسرة تصدر يوميا العديد من الأحكام التي تهم النفقة لفائدة الزوجة المطلقة وأبنائها، لكن هناك صعوبات واقعية وعملية، وأحيانا قانونية تقف في وجه تنفيذها، وفي كثير من الملفات يفضل الأزواج السجن بدل أداء النفقة، لاسيما إذا تعلق الأمر بأداء مبالغ كبيرة، وليس في استطاعتهم ذلك. وتنتهي المسألة إذن باعتقال الأب بتهمة إهمال الأسرة، وتشرد الأطفال حسب المتحدث ذاته، في حين ترفض بعض النساء إدخال الزوج المطلق للسجن تحت ضغط الأبناء الذين يعتبرون الضحية الأولى في هذه المعادلة. ولو بادرت الحكومة إلى تنفيذ مشروع الصندوق الاجتماعي لكفالة هذه العائلات التي تصير عرضة للشارع لخففت من مسؤولية العديد من الأمهات اللواتي تضطررن إلى ترك أبنائهن عرضة للشارع.