لاشك أن طريقة تعاطي حزب العدالة والتنمية مع أزمة قرار وزارة الداخلية بعزل رئيس الجماعة الحضرية لمدينة مكناس شكلت مفاجأة للكثيرين، وقدمت أحد عناصر تميز فكر المشاركة السياسة المنبثق عن الحركة الإسلامية، فباعتبار أن هذا القرار من حيث توقيته وأبعاده يطرح شكوكا بأنه يدخل في إطار ترتيب الخريطة الانتخابية المغربية، وذلك شهورا قليلة قبل موعد الاستحقاقات الجماعية، وأن الجهة المستهدفة - مدينة مكناس - هي رمز للتدبير الجماعي الذي يتولاه حزب العدالة والتنمية، فكل ذلك كان يدفع في توقع رد منفعل وحزبي ضيق، لكن التأمل في الخطاب السياسي للحزب يدفعنا إلى إبراز عناصر أخرى تتجاوز القضايا الانتخابية الجزئية، ولفت الانتباه إلى عناصر تبرز تميز فكر المشاركة السياسية للحركة الإسلامية وللفعل السياسي المنبثق منها، وهي عناصر يمكن حصرها في في ثلاثة محاور. أولا، أن هذه التجربة تضع قضية مصداقيتها واستقامة أعضائها وشفافية تدبيرها للشأن العام فوق كل اعتبار، ولهذا عوض أن يتحرك الحزب من أجل تجميد هذا الملف عندما طرح من قبل المفتشية العامة لوزارة الداخلية كما تفعل بعض الأحزاب، سارع هو إلى التحرك في اتجاه وزارة الداخلية بحسب ما كشف الأمين العام للحزب في الندوة الصحفية، وذلك من أجل النظر في الأمر وتقديم جواب واضح يخدم توجهات الشفافية وحماية المال العام، بل إن الحزب عبر عن الاستعداد للذهاب إلى القضاء لتصفية المشكل، وهو ما يعني أن صمام أمان العمل السياسي للحزب يرتكز وبشكل أساسي على صيانة رصيد الثقة في نزاهة أطره وفي شفافية تدبيره للشأن العام وفي حرصه على الدفاع عن المال العام، وإن وردت أخطاء أثناء ذلك لا يتردد الحزب في تحمل مسؤوليته والتقدم نحو المحاسبة. ثانيا، أن الأولوية بالنسبة لتوجه المشاركة ليس تحقيق مكاسب شخصية أو حماية مصالح فردية، بل هي لصيانة ما تحقق من مكتسبات في مسيرة الإصلاح السياسي بالبلاد، ولهذا فإن ما أثاره قرار وزارة الداخلية حول مكناس يتجاوز في نظره الحزب ليشمل باقي الحقل السياسي ككل، من حيث كونه يكشف عن تحول في طبيعة وزارة الداخلية من مجرد حكم له وظيفة إدارية إلى فاعل سياسي يعيد تكرار مرحلة سنوات الرصاص، والتي كانت فيها وزارة الداخلية طرفا سياسيا في صراع مع الأحزاب السياسية، وهذا انزلاق خطير له آثار سلبية على التوزان السياسي بالبلاد، وهو توجه يخالف ما انبنى عليه الحزب الذي لم يتأسس ليعيد حقبة الصراع مع وزارة الداخلية وما ارتبط بها. ثالثا، إن هذا القرار يعزز من الشكوك في جدية التحضير لانتخابات نزيهة وشفافة بمشاركة مكثفة في انتخابات يونيو القادم، بعد أن عرفت نكوصا واضحا مع الانتخابات التشريعية الأخيرة (2007)، خاصة وأن مثل هذه القرارات تضرب في رصيد الثقة في العملية السياسية وفي مصداقية القائمين عليها، إذ في الوقت الذي كان فيه الفرقاء السياسيون ينتظرون توجهات وإجراءات سياسية في اتجاه الرفع من رصيد هذه الثقة بما يعيد للمؤسسات مصداقيتها ويقطع مع كل الممارسات السياسية التي كانت سببا في ضعف المشاركة السياسية، يأتي هذا القرار بأبعاده السياسية ليدفع في اتجاه انهيار ما تبقى من رصيد هذه الثقة. إنها ثلاثة عناصر تكشف عمق التحديات التي تعترض مسيرة الانتقال الديموقراطي ككل.