وعدت في عز المحنة والدفاع عن غزة العزة بكشف حساب معركة التحرير والصمود. وها أنذا أفي بما قد وعدت، بهذه المقالات التي أعتز بانتمائي لأمتي والكون مع المجاهدين لا مع أعدائهم هنا أو هناك، ومع انعدام التكافؤ، وغياب النصير لأهل غزة في صموده، وامتداد الحبال في السر والعلن للدولة العبرية الغاصبة، فإن هذا الصمود وحده كاف لرفع التحيات والتبريكات، والانحناء بالأبصار أمام هؤلاء الأشاوس. ... *** - 1 حصاد العدوان على غزة ـ ليس للغاصبين من اليهود مقدسات وعدت في عز المحنة والدفاع عن غزة العزة بكشف حساب معركة التحرير والصمود. وها أنذا أفي بما قد وعدت، بهذه المقالات التي أعتز بانتمائي لأمتي والكون مع المجاهدين لا مع أعدائهم هنا أو هناك، ومع انعدام التكافؤ، وغياب النصير لأهل غزة في صموده، وامتداد الحبال في السر والعلن للدولة العبرية الغاصبة، فإن هذا الصمود وحده كاف لرفع التحيات والتبريكات، والانحناء بالأبصار أمام هؤلاء الأشاوس. أول الغدر: ليس للغاصبين من اليهود مقدس: ولست أتحدث في هذا السياق عن المقدسات عندنا نحن المسلمين، فإننا أمة تحترم عهودها ومقدساتها، لا ترضى أن تتخلى على اليسير والصغير من هويتها ودينها وحضارتها، ومهما كلفها ذلك من أثمان. ولسنا نتحدث أيضا عن اليهود الذين لم ينخرطوا في صف النازيين من عصابة أولمرت وباراك وليفني، فهؤلاء وإن كانوا يهودا ولهم الحق في البقاء على عقيدتهم، وأمرنا بالبر بهم والاعتراف لهم بحقهم شرعا في كتابنا نتلوه ونتعبد الله تعالى به، هؤلاء الذين بقوا على شرفهم ووفائهم للمقدس عندهم وعند الإنسانية ليسوا حديثنا، وسنتكلم عن هؤلاء الشرفاء منهم في الحلقة الثانية حتى لا يقع التعميم والظلم للناس، وإن كانوا يخالفوننا في الدين، خاصة وقد ظهر من اليهود المغاربة من خرجوا في مسيرات الشعب المغربي تضامنا مع غزة وتنديدا بالعدوان ودعوة لمناهضة التطبيع. إن شرفنا ومروءتنا نحن العرب والمسلمين تمنع عنا التفريط في هذا الرصيد العظيم من الأخلاق وإن أحاطت بنا الخطوب من كل جانب، ورمتنا الأمم الظالمة عن قوس واحدة. سائل العلياء عنا والزمانا هل خفرنا ذمة مذ عرفانا المرؤات التي عاشت بنا لم تزل تجري سعيراً في دمانا وإنما حديثنا عن المقدس عند رهط الغاصبين الصهاينة، الذين يزعمون تقديس يوم السبت والعمل في بحر ليله ونهاره؛ وانتهاك حرمته أو شن الغارات فيه. ومع ذلك أصروا على أن يكون العدوان على غزة في ظهيرة السبت الذين يزعمون تقديسه، ليسفر الفجور عن سفالة أنفسهم وسفالة الدِّين الذين أنزلوا رتبته، وعن كذبهم على الدِّين، وتلاعبهم بما هو مقرر عندهم، وصدق العلي العظيم إذ قال:وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(النساء:154). فأصروا على الاعتداء رغم الميثاق الذي أبرموه مع رب العزة، والعهود التي أعطوها لرب العالمين، وأنهم كانوا بالجريمة عالمين غير مغفلين أو ناسين أو جاهلين، وإنما أصروا بعلم على العدوان، فقال عنهم رب العزة: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ(الأعراف:163). ما أشبه يوم الأحزاب بيوم غزة: في تلك الأيام التي رجع فيها صف المسلمين منهزما في معركة أحد، ومع الميثاق السابق الذي كان بين محمد صلى الله عليه وسلم ويهود المدينة : بأن لا يكونوا لا معه ولا ضده، قال ابن هشام: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود، وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم(السيرة:2/ص911). فإذا بهم مع الجراحات في أحد التي سماها رب العزة مصيبة: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(آل عمران:165)، يقوم بعض من يهود المدينة بخرق الميثاق والتنكر للعهد في هذا الظرف العصيب. وفور بلوغ خبر غدرهم، أرسل لهم صلى الله عليه وسلم خيرة أصحابه لثنيهم وليعودوا إلى رشدهم، فنالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا من هو محمد؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد. فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدة، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة(ابن كثير في البداية والنهاية 4/401, والسيرة النبوية: 2/222). ثم أطالوا حصار المسلمين ما بين الأربعة والعشرين يوما والشهر، ولم يصبر الناقضون للعهد على شناعة فعلهم، وزادوا مكرا بأن يكون الهجوم يوم السبت لاستغفال المسلمين، قال أهل السير: واتفقوا أن يهجموا على رسول الله صلى الله عيه وسلم وأصحابه ويكبسوهم يوم السبت، لأنهم قد أمنوا أن يقاتلولهم فيه(الضوء المنير على التفسير: ابن القيم:5/ص51). فكانت الأثافي الثلاثة: نقض العهد ـ والحصار ـ والاعتداء يوم السبت. وإذ رد الله تعالى كيد المعتدين بغدرهم، ومع ما أصاب المسلمين من الخوف حتى إن أحدهم لا يستطيع قضاء حاجته، وما وقع من الشهداء، وما جاعت من البطون بسبب الحصار، فقد عبر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا النصر بعد الغدر به وبمقدساتهم هم، رغم ما أوقعوه ولم يدركوا ما أرادوا ، قال صلى الله عليه وسلم حين رحيلهم: الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم(صحيح البخاري)، وعبر الحق عن خسارتهم: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ(الأنفال:59). وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا(الأحزاب:25). وإن المعتدين اليوم قد فعلوا نفس ما فعل بعض من أسلافهم، فلم يراعوا أي معاهدة للسلام أبرموها، وخرقوا السلام الذي وقعوه بأيديهم الملطخة بالدماء أزيد من مائتي مرة، وأطالوا الحصار الظالم، الذي قرب من السنتين، ولما طال عليهم أمره، أرادوا كبس المسلمين في يوم مقدس عند اليهود، حتى يستغفلوا أهل غزة. ولعل في ذلك عبرة وتأمل عندما ننظر لبعض اليهود الذين احتجوا ضد العدوان في بريطانيا في الأسبوع الأول منه، بل وأقدم أحد المتدينين فعلا على حرق جواز سفره الإسرائيلي. تعبيرا عن تبرئه من هذا الكيان الغاصب الذي يصر على تعريف نفسه كدولة لليهود. ومع كل ما فعلوه، فقد رد الله كيدهم، وأبطل فجورهم، فلم ينالوا شيئا مما تعلقت قلوبهم به. وإذ صمد أهل غزة العزة كل هذه الأيام والشهور، واحتسبوا أيام الغدر والقتل، فلم يختر الشعب الركوع، ولم يوقف المقاومة. ومن الآن؛ وقد وضعت الحرب أوزارها، نقول قول نبينا مستبشرين: الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم. فهذا أوان أن نبدأ نحن بالغزو ولا يبدأون، ونتوجه إليهم للتحرير ولا يتوجهون، حتى نحرر الأقصى ونسترجع القدس، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء.