يكاد الهجوم العدواني الصهيوني على غزة يتم أسبوعه الثالث، وكلما اشتد وطيس العدوان واستعمل الصهاينة مختلف الأسلحة المحرمة دوليا التي يتوفر عليهم جيش العدوان كلما برز صمود المقاومة وبرز صبر المواطنين والمواطنات في غزة وظهر التحمل الذي لم نعهده إلا في الصفوة الأولى من المؤمنين الصابرين المحتسبين الذين تحدث القرآن عنهم في مختلف السور والمناسبات كما جاء في سورة البروج على أصحاب الأخدود » قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود اذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد« فالصهاينة الحاقدون ومن ساندهم ويساندهم من معسكر الصليبيين القدامى لم ينقموا من هؤلاء المواطنين الأبرياء والمجاهدين الصامدين ألا تمسكهم بحقهم في الحرية والعزة والاستقلال. وإذا كان سكان غزة يسطرون بصبرهم وثباتهم وقتالهم أروع البطولات في ملحمة جديدة من ملاحم فلسطين وشعب فلسطين. وكما تأكد الصمود من طرفهم للمشككين والشاكين فقد تأكد كذلك ما كانت تعرفه الشعوب في بعض القيادات الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية من تخاذل والانهزام النفسي والعملي فهؤلاء القادة الذين يتربعون على سدة الحكم والتحكم في مقدرات الشعوب وخيراتها ومصائرها بأساليب التزوير والقهر برهنوا من جديد على مدى قدرتهم على مسايرة الأطروحات الصهيونية ومعاداة حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وفي تقرير مصيره. ان التخاذل بلغ بالبعض حد التنسيق مع المعتدين لتأديب حماس في نظرهم وكأن حماس أتت منكرا تستحق عليه التأديب قد يكون ما يعتبره الناس منذ القدم حتى اليوم حقا مشروعا وهو مقاتلة المعتدى منكرا لدى المنهزمين والذين أرادوا ان يجعلوا من تخاذلهم قانونا يفرضونه على غيرهم. ان ما نسمعه من أفواه هؤلاء ومساعديهم وما نقرأه من تصريحات في الصحف ويرشح عن الاجتماعات السرية والعلنية التي يعقدونها فيما بينهم وبينهم وبين العدو توضح مدى عمق الروح الانهزامية والتخاذل لدى هؤلاء وما كان ممكنا من هؤلاء أن تكون لهم إرادة القتال لان هذه الإرادة تتطلب شروطا لا يتوفر عليها هؤلاء وفي مقدمة هذه الشروط الإيمان بحق الشعوب التي احتلت أرضها في المقاومة. وطالما نبه ذووا الرأي في المجتمعات الإسلامية على ضرورة تمسك المسلمين بإرادة قوية في الدفاع عن حقهم ومن بين هؤلاء اللوار الركى محمود شيت خطاب رجل الفكر الإسلامي والإستراتيجية العسكرية الذي ألف عددا من الكتب في فن الحرب وفي العسكرية الإسرائيلية وغيرها وظل طيلة حياته يناضل بالقلم ويجاهد في سبيل نصرة قضايا الإسلام والمسلمين والحرية وإنقاذ الإنسان المعذب على وجه الأرض بتدخلات الاستعمار وعقب حرب الهزيمة او النكسة علم 1967 ألقى محاضرة في مجمع البحوث الإسلامية في نونبر 1968 تحت عنوان إرادة القتال لعل الظرف مناسب للوقوف على بعض ما جاء في هذه المحاضرة حيث يقول متحدثا عن إرادة القتال. معنى إرادة القتال إذن؟ هي الرغبة الأكيدة في الصمود والثبات في ميدان القتال من أجل مثل عليا وأهداف سامية، وإيمان لا يتزعزع بهذه المثل والأهداف. وثقة بأنها احب وأعز وأغلى من كل شيء في الحياة، وتحمل أعباء الحرب بذلا للأموال والأنفس واستهانة بالأضرار والشدائد وصبرا في البأساء والضراء وحين البأس، حتى يتم تحقيق تلك المثل العليا والأهداف السامية، مهما طال الأمد وبعد الشوط وكثر العناء وازدادت المصاعب وتضاعفت التضحيات. ذلك هو مفهوم:» إرادة القتال في الجهاد الاسلامي»، وهو مفهوم لا تطمع في إدراك شأوه مفاهيم: ويرى الكاتب ان هذه الإرادة التي هي في الواقع عقيدة عسكرية لا تدرك مكانتها أي عقيدة عسكرية إذ أن مفهوم: إرادة القتال في الجهاد الاسلامي، مادة وروح، فيه الدعوة الى الخير والسلام، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه الاعراض عن الاستغلال والاستعباد. ومفهوم إرادة القتال في الشرق والغرب مادة فقط. فيه الدعوة الى التسلط والاستعمار وفي إشاعة المنكر والفساد، وفيه حب الحرب وكراهية السلام. وهذا هو ما نلاحظه في أعمال الجيش الاستعماري الأمريكي في فيتنام والعراق وأفغانستان وما نلاحظه لدى الصهاينة وما يذكره التاريخ عن الاستعمار القديم وكذا عن الصليبيين. فهذه المقارنة من لدن الكاتب هي من وحي الخبرة واستقراء الأحداث. غرس إرادة القتال: وبعد ان حدد الكاتب مفهوم إرادة القتال انطلق ليوضح الأسلوب الذي يتم به غرس العقيدة العسكرية، ويبدأ بالتساؤل: أ- فكيف غرس الاسلام مفاهيم ارادة القتال في نفوس المسلمين وعقولهم معا؟ حث الاسلام على (الطاعة) والطاعة هي الضبط والنظام: « وقالو: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» وأشاع الاسلام معاني الخلق الكريم، ومنه الصبر الجميل: « ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم»، وقال تعالى :» اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله». وقال تعالى: « والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس». وما نلاحظه اليوم في غزة هو من هذا القبيل الصبر والمصابرة والمرابطة مهما كان الواقع. وغرس الإسلام روح الشجاعة والأقدام:» يأيها الذين آمنوا إذا ليتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار. ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير» والتولي يوم الزحف من الكبائر، كما نص على ذلك حديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. وأمر الاسلام بالثبات في ميدان القتال:» يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا». ودعا الاسلام الى الجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمة الله:» إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، اولئك هم الصادقون»، وقال تعالى: « انفروا خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله». وجعل الإسلام مقام الشهداء من أعظم المقامات: »فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين«، وقال تعالى: »ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون«، وقال تعالى: »ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما«. فإذا تذكرنا أن الجهاد في الإسلام، يهدف إلى حماية حرية نشر الدعوة الإسلامية وإلى نشر السلام، وإلى للدفاع عن دار الإسلام. وإذا تذكرنا أهداف القتال في الإسلام وتعاليمه، علمنا بأن: إرادة القتال، التي تتغلغل في أعماق المسلم الحق، مبنية على أسس سليمة رصينة، لأن هذا المسلم يؤمن إيماناً عميقاً بأنه يخوض »حرباً عادلة«، وهذه الحرب هي (حافز) جديد تجعل من المؤمن مقاتلاً رهيباً، كما عبر عن ذلك العسكريون المحدثون. مصاولة الحرب النفسية تعتبر الحرب النفسية أهم مقوم من مقومات الحرب بل وحسم الحرب لفئة دون أخرى وبالأخص في العصر الحديث فإن الجيوش اليوم ربما انتصرت على أخرى بفضل إتقانها لأسلوب الحرب النفسية التي تستدعي حشد الكثير من الوسائل والأدوات التي تؤثر على الخصم والباحث يستعرض في الفقرات التالية بعض أشكال أسلوب الحرب النفسية معززة بآيات قرءانية ويؤكد أن المسلمين لو أخذوا بهذا التوجيه ما كانوا لينهزموا. ولكن »إرادة القتال في الجهاد الإسلامي«، تسيطر على المسلم في ميدان القتال أيام الحرب، كما تسيطر عليه في أيام السلام. وإن الهدف الحيوي من الحرب هو تحطيم الطاقات المادة والمعنوية للعدو فإذا انتصر عليه في ميدان الحرب، واستطاع أن يحطم طاقاته المادية، فلابد من جهود أخرى لتحطيم طاقاته المعنوية، ليكون النصر كاملا يؤدي إلى الاستسلام. وهنا تبدأ الحرب النفسية، التي تستهدف الطاقات المعنوية بالدرجة الأولى. وفي تاريخ الحروب أمثلة لا تعد ولا تُحصى، عن انتصارات استطاعت القضاء على الطاقات المادية، ولكنها لم تستطع القضاء على المعنوية، فكانت انتصارات ناقصة استمرت فترة من الزمن ثم أصبح المهزوم منتصراً وأصبح المنتصر مهزوماً. فكيف يصاول الإسلام الحرب النفسية، ليصون معنويات المسلمين من الانهيار؟؟ كيف يحافظ الإسلام على إرادة القتال، في أيام السلام؟؟ يرى الكاتب ان أهم ما تعتمد عليه الحرب النفيسة هي العناصر التالية : 1/ التخويف من الموت 2/ التخويف من الفقر 3/ إظهار قوة الخصم بشكل يفوق واقعها الحقيقي 4/ بث الإشاعات والأراجيف ويستعرض الكاتب هذه العناصر في الفقرات التالية: لعل أهم أهداف الحرب النفسية هي التخويف من الموت والفقر ومن القوة الضاربة للمنتصر، ومحاولة جعل النصر حاسماً والدعوة إلى الاستسلام، وبث الإشاعات والأراجيف، وإشاعة الاستعمار الفكري بالغزو الحضاري، وإشاعة اليأس والقنوط. المؤمن حقاً لا يخشى الموت: »إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون«. وقال تعالى: »وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله«، وقال تعالى: »أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة«، وقال تعالى: »قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل«. إن المؤمن حقاً يعتقد اعتقاداً راسخاُ، بأن الآجال بيد الله سبحانه وتعالى، وما أصدق قول خالد بن الوليد رضي الله عنه: »ما في جسمي شبر إلا وفيه طعنة رمح أو سيف، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء«. والمؤمن حقا لا يخاف الفقر، لأنه يعتقد اعتقاداً راسخاً، بأن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى: »والله يرزق من يشاء بغير حساب«، وقال تعالى: »ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب«، وقال تعالى: »فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون«. والمؤمن حقاً لا يخشى قوات العدو الضاربة، فما انتصر المسلمون في أيام الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام وفي أيام الفتح الإسلامي العظيم، لعدة أو عدد، بل كان انتصارهم انتصار عقيدة لا مراء. قال تعالى: »قال الذين يظنون أنهم مُلاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين«، وقال تعالى: »يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. والمؤمن حقا لا يقر بانتصار أحد عليه ما دام في حماية عقيدته، لذلك فهو يعرف أن الانتصار في معركة قد يدوم ساعة ولكنه لا يدوم إلى قيام الساعة: »إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله. وتلك الأيام نداولها بين الناس«. والمؤمن حقا لا يستسلم بعد هزيمته، لأنه يعلم بأن بعد العسر يسار: »ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. ولكن المنافقين لا يعلمون«، وقال تعالى: »ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم«. والمؤمن حقاً لا يصدق الإشاعات والأراجيف: »يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا« وقال تعالى: »لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم« وقال تعالى: »وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم. لعلمه الذين يستنبطونه منهم«. والمؤمن حقا يقاوم الاستعمار الفكري ويصاول الغزو الحضاري لأن له من مقومات دينه وتراث حضارته، ما يصونه من تيارات المبادئ الوافدة التي تذيب شخصيته وتمحو آثاره من الوجود. والمؤمن حقا لا يقنط أبداً ولا ييأس من نصر الله ورحمته: »لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا«، وقال تعالى: »ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون«، وقال تعالى: »وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون«، وقال تعالى: »وإن مسه الشر فيؤوس قنوط«. ان هذه الإرادة بهذه المواصفات وان كانت متوفرة لدى المقاومة رغم قلة عددها وعددها فان الحاكمين في ديار الإسلام لا يتوفرون عليها رغم ما يكدسونه من الأسلحة وما يتوفرون عليه من جيوش جرارة فهم يحبون البحبوحة ويحيون الرفاه وهم يخافون الموت وبالتالي فالوهن كما قال الرسول أصاب الحاكمين وأشاعوه بين شعوبهم فكانت النتيجة هي هذا التخاذل والعجز حتى عن عقد لقاء أو اجتماع خشية ان يتخذوا قرارا لا يقدرون عليه لأنهم اعجز من ان يكونوا مستعدين للتضحية بما يتوفرون عليه من وسائل الرفاه والنعم ناسين كل هذا التراث الذي عندهم من الانتصارات وهذا التوجيه القرءاني الذي يشحذ الهمم والعزائم وقد جربنا المقاومة فانتصرنا ولكن هؤلاء القادة استولوا على الحكم في غيبة الشورى والديمقراطية وهم يعضون عليه بالنواجد ولو تحت الذلة وانعدام العزة التي هي صفة أساس من صفات المؤمنين ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ورغم التخاذل فهذا الصمود في غزة هو قمة العزة. فالعزة في غزة ورغم كل التقلبات وما تؤول إليه الأمور فسيسجل التاريخ بطولة أهل غزة وتآمر أهل النظام العربي وخذلانهم (ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله). ويبقى سؤال الشعوب مطروحا عن رادة القتال وسبب خذلان النظام العربي.