لقد كشفت مجزرة غزة، ومثيلات لها في السابق، عن ظاهرة غريبة تتعلق بغياب شبه كامل لصوت جل المنظمات والفعاليات المدنية والسياسية الأمازيغية عن ساحة التضامن والتنديد. غياب يتناقض وزخم انتفاضات شعوب تمزغا لنصرة قضايا الأمة كما تشهد على ذلك قوة تظاهراتهم التي تعد تظاهرة المغاربة المليونية بالرباط، في الرابع من يناير وفي الجزائر في التاسع منه، من أقواها. فما الذي يبرر صمت العشرات من تلك الجمعيات والمنظمات والشخصيات عن الانضمام إلى الأمازيغ في كل ربوع العالم، اللهم إلا من استثناءات مثل ما جرى في الحسيمة والناظور وسوس ؟ ما الذي يبرر تعتيم الإعلام الأمازيغي، الورقي منه والالكتروني، عن قضية غزة؟ ما الذي أبكم جمعيات أمازيغية تعنى بحقوق الإنسان عن الاستنكار كحد أدنى مطلوب؟ أم أن ذلك دليل إضافي على عزلتها وهامشيتها وعدم ارتباطها بالموقف الجماهيري الأمازيغي، وأنها لا تمثل سوى نفسها؟ يا أمازيغ المغرب ! لقد شاع بين هؤلاء الصامتين والمنسحبين والغائبين في القضية أن فلسطين قضية العرب ولا تعني الأمازيغ؟ وهي فرية يكذبها التاريخ والواقع معا. وخطأ لا مبرر له سوى أنه رد فعل غير متوازن وغير عقلاني وغير إنساني؟ وخدعة لتدعيم الكيطو الذي تحاول جهات مغرضة وضع الأمازيغ داخله؟ وحيلة نفسية لتفادي الالتقاء مع باقي مكونات الشعب المغربي تدعيما لأطروحات عنصرية متطرفة. يا أمازيغ المغرب ! إن القضية الفلسطينية تحكمها بحكم الواقع 3 أبعاد، بعد ديني حضاري يستوعب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويفسر انتفاضات كل الشعوب الإسلامية غير العربية في إيران وباكستان و بنغلاديش ... ويفسر انتفاضات الشعب التركي الذي أصبحت احتجاجاته الشعبية نموذجا في العالم الإسلامي. وهذا البعد كان هو الأصل في العالم الإسلامي. وبعد إنساني كوني ينظر إلى الدم والقتلى والجرحى والأطفال والنساء والخراب... بعد حرك مشاعر الإنسان أينما كان بغض النظر عن دينه ولغته ولونه، بعد أطر حركة الشعوب في كل أنحاء العالم حتى داخل إسرائيل نفسها في تل أبيب. بعد يفسر الموقف البطولي للرئيس الفنزويلي تشافيز في طرد السفير الإسرائيلي وإغلاق مكتب إسرائيل، وهو الموقف الذي عجز القادة في العالمين العربي والإسلامي عن إتيان أقل منه. وهو يفسر المسيرات الحاشدة في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا و ... بل ويفسر قرار توقف جميع وسائل النقل لدقائق في النرويج... فهل هؤلاء كلهم عرب؟ والبعدين الديني والإنساني يشكلان الإطار الذي تتفجر مشاعر الأمازيغي الحر الأصيل داخله.