ألقت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأراضي الفلسطينية، جراء حالة الحصار من ناحية وارتفاع الأسعار من ناحية أخرى، بظلالها على حركة بيع وشراء مواشي الذبح من الأضاحي، التي لم يعد يقدر على شرائها إلا الميسورين. وعلى مشارف عيد الأضحى المبارك وجد الفقراء من الفلسطينيين أنفسهم بين نقص الأضاحي الفردية وغياب مساعدات الجمعيات الخيرية التي اعتادت توزيع لحوم الأضاحي عليهم بسبب إغلاقها من قبل السلطة. ويقول فوزي وهو رب أسرة فقيرة من قرية فقوعة بجنين إنه اعتاد في كل عيد على تلبية احتياجات أسرته من لحوم الأضاحي التي كانت تصل إلى بيته من خلال المؤسسات الخيرية والجمعيات التي تتابع شئون الفقراء. ويضيف لصحيفة فلسطين قائلا: قبل أحداث غزة والتي سيطرت فيها حركة حماس على القطاع كانت الجمعيات تدخل الفرحة على قلوب الفقراء وأبناء الشهداء والأسرى من خلال ما يتم جلبه من الأضاحي يتم التبرع بها، ولكن اليوم لا يوجد ما يفرح العائلات بسبب أن الأجهزة الأمنية تعتبر توزيع الأضاحي تهمة يعتقل صاحبها . وانعكست حالة الفقر التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة الغربية وعدم القدرة على شراء الأضحية سلبا على نسبة الفلسطينيين الراغبين بذبح الأضحية، كما قضت تلك الظروف على الكثير منهم بالاستعانة بالأقارب أو الدين لتمضية أمور عيدهم، ومن لم يقبل بذلك أمضى العيد بالقليل القليل. كساد ومن خلال جولة بسيطة في سوق المواشي الخاصة بالأضحية سوق الدواب بجنين يلفت النظر قلة المعروض من أضاح للبيع من ماعز وخراف وعجول صغيرة وأخرى متوسطة الحجم. ويقول أبو حامد أحد التجار في السوق: إن هذا الموسم فرصته النادرة سنويا للحصول على ربح يقوت به عائلته، ويقول مشيراً إلى السوق: كما ترى، لا إقبال كما كنا نعتاد . ويعلق أبو حامد وهو من منطقة عين البيضاء في الأغوار آمالا على تحسن الوضع في الأيام المقبلة، وإن كان لا يتوقع ذلك، مضيفا: نحن لا نيأس من رزق الله، لكن لو بدها تمطر كان رشرشت، ولو الوضع بده يتحسن كان بان، عادة من قبل . ويقول أيضا: في مثل هذا الوقت من السنة أي قبل العيد بعشرة أيام بتكون الحركة على البيع والشراء كبيرة، ونبيع في اليوم الواحد ما بين 40-60 رأساً، أنا وخلال ثلاثة أيام لم أبع عشرين رأسا . ويعتقد عدد آخر من الباعة أن السبب في هذا التراجع يرجع إلى أن الكثيرين من المواطنين الفلسطينيين أعجزتهم ظروفهم الاقتصادية عن توفير مبلغ 100 دينار أردني للاشتراك في أضحية عجل مع ستة أو خمسة أشخاص آخرين، أو أنه أيضاً لا يملك المال ليشتري ماعزا أو خروفا وتكون الأضحية خاصة به وحده، كما يقول التاجر أبو محمد زاهر من بلدة عقربا جنوب نابلس. أما التاجر أبو سلامة الخطيب من رام الله فيقول: صحيح أن ارتفاع الأسعار يثقل على كاهل الناس، ولكن نحن التجار أيضا نعاني من قلة المبيعات، ونحن عرضة لتقلبات الأسعار ونحن ننتظر العيد حتى نعوض بعض خسائرنا . لا قوة شرائية للأضاحي من ناحيته، يقول الجزار سعد جابر من مدينة نابلس: إن القوة الشرائية على الأضاحي حتى هذه اللحظة ما زالت ضعيفة وباهتة ومنخفضة جداً فهو لم يبع حتى الآن 20 من الخراف رغم أنه كان في السنوات الماضية يبيع أكثر من 500 خروف في مثل هذه الأيام . وأضاف فقط الزبائن تأتي للفرجة والتحسر، لأنهم لا يستطيعون الإيفاء بثمن الأضحية نتيجة فقرهم وعوزهم الذي لم يعهدوه في الماضي، حيث بلغت حالات الفقر معدلات عالية جدا بحسب الإحصاء الفلسطيني، وبسبب قلة الأضاحي لارتفاع الأسعار وأسعار الأعلاف وملاحقة الأجهزة لمن يضحي اعتقادا منهم أنه من حماس أو عن طريق حماس يضحي. من جهته، يشير المواطن علاء مصطفى 50 عاماً من نابلس إلى أنه بات يفكر ألف مرة قبل اتخاذ أي من القرارات المادية لأسرته بما في ذلك الأضحية، لافتاً إلى أنه خلال السنوات الماضية لم يعر المسألة اهتماماً كبيراً فقط الهم الأكبر لديه هو ذبح الأضحية في العيد : كان حلمي أن أذبح الأضحية وأدخل شعور الفرحة والبهجة بالعيد لنفوس أطفالي ولكن الحصار والفقر وملاحقة الأجهزة في الضفة يمنعني . التاجر سهيل يوسف من بلدة اللبن قال: إن عدة عوامل تمنع وجود وضع طبيعي للأضاحي أولها الارتفاع الكبير في سعر الأضاحي في فلسطين الذي يعد الأعلى عالميا نحو 28 شيقلاً لكيلو الخروف الحي . ونتيجة لارتفاع أسعار المواشي في الأراضي الفلسطينية تراجعت نسبة الإقبال على شراء الأضاحي، حيث وصل متوسط سعر الأضحية إلى نحو 350 دولاراً أمريكياً، وهو ما يعادل نصف راتب شهر لموظف متوسط الدخل. ويؤكد التاجر علي مهدي أن أسعار الأغنام هذا العام مرتفعة جدا بشكل لم يسبق له مثيل، موضحاً أن سعر الأضحية الجيدة يصل إلى نحو 420 دولارا أمريكياً، وإلى أنه رغم كون ارتفاع الأسعار قضية عالمية فإنه لم يصل إلى هذا المستوى خلال فترة عمله الطويلة في تجارة الماشية. أما التاجر مجدي عوض من مخيم بلاطة بنابلس فيرى أن ارتفاع الأعلاف قبل أشهر جعل مربي الثروة الحيوانية يبيعون ما لديهم من أغنام وخراف لكلفة إطعامها المرتفعة مما أوجد حالة من قلة في الأضاحي.