كشفت إحصائيات رسمية أن 37 في المائة من المشاكل الصحية المرافقة للولادة تتسبب في ارتفاع نسبة وفيات الأمهات والمواليد، كيف تقيمون مستوى الخدمات التي تقدمها أقسام الولادة بالمغرب؟ تقييم الخدمات الصحية التي تقدمها أقسام الولادة بالمغرب، هو تقييم لمستوى الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة أو قطاع الصحة بصفة عامة، وبالتالي فهي تخضع لنفس العوامل السلبية التي تؤثرعلى مستوى الخدمات في المنظومة الصحية، والتي هي أساسا لها علاقة بغياب سياسة صحية مبنية على معطيات واقعية ومنطلقة من الواقع، وتستجيب للحاجيات الأساسية والضرورية للمواطن. وحينما ينصب الاهتمام والحديث كثيرا على مصالح الولادة في القطاع الصحي؛ فذلك بحكم أن المؤشرات المعتمدة عالميا، تستند أساسا على وفيات الأطفال ووفيات الأمهات، ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام بهذه المصالح. لذلك فالمشكل في نظري يرجع بالأساس إلى غياب سياسة صحية واضحة، أما الواقع المعاش فهو عبارة عن مبادرات تتعلق بالتوجه الذي ينهجه المسؤول الذي يكون على رأس الوزارة، وليس هناك استمرارية في نهج متبع. هناك اختلاف في ظروف أداء مصالح الولادة؛ سواء تعلق الأمر بالمصالح داخل المستشفيات أو بالمصالح التابعة لمصالح الوقاية في ظل غياب سياسة صحية، هناك خلل في برمجة هذه المؤسسات ومصالح الولادة، وخلل يتعلق بطرح الميزانية المخصصة لهذا البرنامج، أما العائق الأكبر في هذا المجال فيتعلق بالخصاص الحاد في الموارد البشرية، خاصة الأطباء والممرضات المتخصصات، وكذا سوء توزيع الأقلية القليلة من هذه الموارد المتوفرة. كشفت تقارير رسمية أن 50 مركزا لا يقوم بأية عملية توليد بالوسط القروي، كيف تقرؤون هذا المعطى؟ أنا أرى أن الحديث عن العالم القروي فيه نوع من التخفيف عن عجز السياسة الصحية، لأننا عندما نقول بأن المشاكل تتراكم في العالم القروي، فمعنى هذا أن المشاكل في العالم الحضري تم التغلب عليها، وأن المواطن يستفيد من تغطية صحية مناسبة وخدمات جيدة.. وهذا فيه مغالطة تروج للأسف بشكل رسمي، فالوضع كارثي والمنظومة مختلة يعاني من ترديها المواطن أينما وجد. والحديث الآن عن 50 مؤسسة صحية مغلقة لا تقوم بأية عملية توليد، فيما الوزير السابق كان قد تحدث عن 400 مؤسسة مشيدة ومجهزة لايتم تشغيلها، نظرا للخصاص في الموارد البشرية، وربما الحديث عن 50 مؤسسة قد يكون من باب التقليل، ولكن في الحقيقة هناك العديد من المؤسسات لا تشتغل إما مغلقة أو شبه مشتغلة.. هناك مؤسسات مفتوحة وتشتغل في ظروف كارثية، وهناك مؤسسات وجدت بطريقة اعتباطية.. رصدت ميزانية وزراة الصحة للسنة المالية ,2009 مبلغ 59,5 مليون درهم من مجموع اعتمادات الأداء للرفع من وتيرة تفعيل المخطط الوطني لتقليص الوفيات لدى الأطفال والأمهات عبر تأهيل بنايات وتجهيزات دورالولادة، في نظركم هل رفع الاعتماد المالي كفيل بتقليص حدة هذا الوضع؟ المسألة لا تتعلق بميزانية ولا بأهميتها ولا بهزالتها، بقدر ما تتعلق بغياب سياسة واستراتيجية واضحة لتوزيع الموارد البشرية بشكل يمكن أن يستجيب لحاجيات المواطنين، ففي بعض الأحيان نجد أن هناك مصالح استشفائية تم بناؤها وتجهيزها ولا تشتغل؛ نظرا للخصاص في الموارد البشرية، أو أن هناك مؤسسات تشتغل بأقل ما يمكن من الموارد البشرية، وهناك مؤسسات وضعت في غياب أي خريطة صحية، وهناك مؤسسات شيدت من قبل وزارة الصحة أو من قبل متدخلين آخرين، ولكنها لا تستجيب لحاجيات المواطنين. مشكل الصحة بالمغرب ليس مشكل ميزانية بالرغم من هزالتها، الوضع لن يتحسن بالرفع من الميزانية، ولو تمت مضاعفتها عشر مرات. ولكن الأمر يتعلق بتدبيرعقلاني، بناء على معطيات تنسجم مع الواقع، ويتم توزيعها وفقا للمتطلبات الأساسية للمواطن. هذه الميزانية المخصصة في ماذا ستصرف؟ هل في اقتناء كمية أكبر من الأدوية..؟ فالواقع يؤكد أن هناك سوء تدبير وسوء تسيير في هذا المجال، والميزانية المخصصة للأدوية لا تستهلك إلا 70 في المائة سنويا، ولا تتوصل المؤسسة الصحية إلا بـ 50 إلى 60 في المائة من هذه الأدوية. . هل ستصرف في اقتناء معدات جديدة؟ فهناك الكثير من المعدات التي تم اقتناؤها وهي لا تشغل، إما لأنها لم ترسل إلى المؤسسات الصحية أصلا، أو لأنها مؤسسات مغلقة تنتظرمن يشغلها. هل ستصرف في بناء مصالح جديدة؟ فهناك العديد من المصالح مبنية ومجهزة وتنتظر من يشغلها بشكل جيد.. أين ستصرف الميزانية إذن؟ وكيف يمكن لها أن تحسن من الوضع، وأن تحد من وفيات الأمهات والأطفال، التي تظل وصمة عار في وجه النظام الصحي المغربي. وما هي طريقة صرف هذه الميزانية؟ ونحن نجد أن أغلب الاعتمادات المالية توجه إلى مستشفيات المناطق الحضرية، بينما المناطق التي تسجل بها أكبر نسبة وفيات الأمهات والمواليد نجد أن ما يخصص لها لا يوازي حاجاتها، بما يعني أن هناك سوء توزيع للميزانية، لأنها توزع بطريقة كلاسيكية منذ سنوات وليس هناك اجتهاد في صرفها. في اعتقادي أن الحل يكمن في إعادة النظر في التدبير والتسييرعلى كافة المستويات، والارتكاز على خريطة صحية، وأقصد بالخريطة الإطار القانوني الذي سوف يحدد كيفية توزيع الموارد المالية والبشرية والمعدات على الصعيد الوطني، بناء على المعطيات السكانية والابتيمولوجية، وليس التوزيع العشوائي الذي يعرفه القطاع منذ سنوات. فالأوضاع الاستشفائية المزرية ليست وليدة اليوم أو الأمس ولا تتعلق بوزير حالي أو الذي سبقه، وإنما هي مسألة هيكلية منذ نصف قرن. ولا بد من اعتماد هذه الآليات: سياسة صحية وطنية، وخريطة صحية تحدد مقاييس توزيع كل الموارد.. الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الصحي