لماذا فشلت مسطرة الصلح في الحد من النسب المرتفعة للطلاق؟ الظاهر أن مسطرة الإصلاح المنصوص عليها في المادة 81 و82 و83 من مدونة الأسرة بشأن الطلاق، والمنصوص عليها كذلك في المادة 94 بشأن التطليق للشقاق، والمنصوص عليها في المادة 113 بشأن التطليق، لا تؤدي عمليا إلى إصلاح ذات البين بين الزوجين لأسباب عديدة منها: أولا، أسند المشرع مهمة الإصلاح بين الزوجين للمحكمة ممثلة في هيأتها القضائية التي تنظر في الملف، ومن المعلوم للكل أن أمام هذه المحكمة ملفات كثيرة جدا ومتنوعة، وهي عمليا تحاسب من رؤسائها على الكم، أي عدد الملفات التي تم التخلص منها لا على جودة تلك الأحكام، وهكذا نستطيع الجزم بأنه ليس للقاضي الوقت الكافي للتوقف طويلا عند تلك المسطرة. ثانيا، إن الزوج الذي يطالب بالحصول على إذن للإشهاد بالطلاق أمام العدلين أويرفع دعوى تطليق للشقاق أوالزوجة التي ترفع دعوى للتطليق عموما لأحد الأسباب التي حددها القانون، لا يقومان عمليا بذلك إلا بعد العزم الأكيد على وضع حد للرابطة الزوجية بينهماإذ لم يعد ينفع مع هذا إصلاح. ثالثا، لقد عمم المشرع مسطرة الإصلاح على جميع حالات الطلاق والتطليق؛ باستثناء ما يتعلق بالغيبة، في حين أن القضاة يجدون أنفسهم أمام حالات كثيرة يظهر من خلالها أنها عبارة عن نزاعات تستعصي على محاولة للإصلاح. رابعا، قرر المشرع بأنه على المحكمة أن تقوم بجميع محاولات الإصلاح بما في ذلك انتداب حكمين أومجلس العائلة أومن تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، في حين جرت العادة عمليا في المحاكم المغربية باعتماد مسطرة الحكمين لأنها الأسهل بالنسبة للمحكمة، بحيث تطلب من كل قبل أن يأتي بحكم من أهله لإجراء مسطرة الإصلاح على أيديهما تطبيقا لقوله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريد اصلاحا يوفق الله بينهما، وعمليا؛ غالبا ما يرافق كل طرف أوأحدهما حكما يأتي أمام المحكمة لا للإصلاح، ولكن لتشجيع صاحبه على الفرقة أي لتأجيج الشقاق والصراع بين الطرفين، مؤثرا بذلك على الاتجاه التشريعي أورغبة المشرع المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 95 من مدونة الأسرة، وقد جاء فيها يقوم الحكمان أومن في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين وببذل جهدهما لإنهاء النزاع، وهكذا تحولت محاولة الإصلاح إلى إجراء روتيني لا فائدة من ورائه. كيف يمكن تجاوز هذا الوضع في نظركم؟ يجب أن تمارس مسطرة الإصلاح بكيفية جدية، وهذا هو المستفاد من قوله تعالى إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، وما عبر عنه المشرع كذلك من خلال الفقرة الأولى من المادة 95 من مدونة الأسرة السابق ذكرها. ثم إن مسألة ترك تعيين الحكم ميلي لكل من الزوج أوالزوجة فيها نظر، وبالتالي يجب على القاضي أن يستعمل خيارا آخر، خاصة أن المشرع قد سمح له بذلك من خلال الفقرة الثانية من المادة ,82 وقد نصت على أنه للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أومجلس العائلة، أومن تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين. وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما. ماذا تقترح كحلول عملية يمكنها أن تساعد في إنجاح هذه المسطرة؟ يجب على السلطة التشريعية إن أرادت لمسطرة الإصلاح أن تنجح، أن تضع جهازا خاصا للإصلاح بين الزوجين أوعلى الأقل أن تمنح تلك الصلاحية لرئيس المحكمة، ومن ذلك مثلا: الاستعانة بفئة العلماء بالمدينة والاستعانة بأئمة المساجد والعدول وأساتذة الجامعة، أوعلى الأقل الاستعانة بمؤسسة هي خليط من هؤلاء لتكوين هيئة تقوم بإصلاح ذات البين بين الزوجين، ذلك أنه يجب أن تتوفر في الحكمين مواصفات خاصة كالأخلاق العالية والتفقه في الدين وملكة الحوار والإقناع، لا أن تسند لكل من هب ودب. يقول القرطبي في مختصر تفسيره للقرآن الكريم للآية المتعلقة بالإصلاح والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة، إذ هما أقعد بحال الزوجين ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر في الفقه، فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك، فيرسل من غيرهما عدلين عالمين وأسطر هنا على كلمة عدلين عالمين. أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية