أزيد من 133 مليار درهم هو رقم معاملات المؤسسات والمنشآت العامة سنة ,2007 رقم ضخم لهذه المؤسسات التي بلغ عددها 695 منشأة، إلا أن التأثير على الواقع السوسيو-اقتصادي يبقى دون المستويات المطلوبة، مما يثير أكثر من علامة استفهام حول الأدوار التي من المفروض أن تلعبه هذه المنشآت، وتكثر التساؤلات والانتقادات عندما يكشف عن اختلالات مالية وقانونية داخل دواليب هذه المؤسسات، فضلا على المؤشرات التي تؤكد تراجع المغرب في الكثير من الأصعدة. مؤسسات بلغت استثمارات المنشآت العامة في الاقتصاد الوطني سنة 2007 ما يناهز 5,49 مليار درهم بنسبة نمو بلغت 9,20 في المائة، تمثل 8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ويبلغ رقم معاملاتها 3,133 مليار درهم، لكن ما مدى انعكاس هذه الأرقام على المجال السوسيو ـ اقتصادي وكيفية تجاوز الاختلالات التي تكشف عنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والتي تتصدر صفحات الجرائد الوطنية بين الفينة والأخرى. تخوفات كثيرة يعرب عنها العديد من الفاعلين الاقتصاديين، ومبعث هذا التخوف هو غياب آليات الإشراف عن هذه المؤسسات والدور الرقابي الذي لا يفضي إلى نتائج عملية، بالإضافة إلى المؤشرات التي تؤكد تراجع المغرب في الكثير من الأصعدة، مثل تراجعه في ترتيب الدول فيما يخص الرشوة والتنمية البشرية ومناخ الأعمال. وفي هذا الصدد أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2007 جملة من الاختلالات التي تعرفها العديد من المؤسسات العمومية، وسلط المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي لسنة 2007 عن جملة من الاختلالات التي تعرفها العديد من المؤسسات العمومية. ويأتي هذا التقرير ليضع العديد من المؤسسات موضع التساؤل، خصوصا أن مبالغ خيالية ذهبت أدراج الرياح. وأكد برادة عبد القادر أستاذ الاقتصاد الجامعي أن المنشآت العامة لها دور في خلق قيمة مضافة وإحداث مناصب شغل وتحقيق مداخيل ضريبية، إلا أن المديرية المشرفة على هذه المنشآت ليس لها صلاحيات كبرى لضبط هذه المؤسسات. وحسب المصدر ذاته فإن هناك غياب لرؤية شمولية في التخطيط والبرمجة فيما يتعلق بهذه المؤسسات. وحول الدور الرقابي لهذه المنشآت فإن القانون المالي لا يخضع هذه المؤسسات العمومية للمراقبة، وذلك بالرغم من التقرير الذي يشير إلى الأرقام والإحصاءات المرتبطة بها، إذ هناك غياب نظرة شمولية ونظام محاسباتي، وأدوات للتخطيط، فضلا عن أن البرمجة وعدد من النقاط الأخرى لا يناقشها البرلمان. وأشار إلى أن الأرقام التي تأتي في تقرير قطاع المؤسسات والمنشآت العامة غير مضبوطة؛ على اعتبار أن مجموعة من الشركات لا تقدر على استرداد الديون، و تعتبر أن سداد الديون استثمارا. وأكد زهير الخيار أستاذ الجامعي في الاقتصاد أنه يجب تحريك المسطرة القضائية فيما يخص الاختلاسات الكبيرة التي تكشف عنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، لأن الخروقات المالية التي تأتي بها هذه التقارير مجرد نصف الطريق، لتبقى المرحلة الأخرى غائبة على اعتبار أن هناك غياب المتابعات القضائية. وقال الخيار في تصريح لـالتجديد أن المغرب يعرف إشكالين كبيرين؛ الأول مرتبط بالاختلاسات التي تعيش على وقعها المؤسسات العمومية، والثاني مرتبط بمنظومة توزيع الثروات التي تعرف اختلالا كبيرا، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن أزيد من 80 في المائة لا يستفيدون من ثروات البلاد. آليات تكشف العديد من التقارير عن الاختلالات التي تعرفها المؤسسات، سواء تعلق الأمر بالتقارير الدولية أوالوطنية، وتبقى دار لقمان على حالها لأن التجاوزات التي يعلن عنها المجلس الأعلى للحسابات يواكبها جواب من لدن المؤسسات المعنية، ويقف الأمر عند هذا الحد، إذ لا تحرك المساطر القانونية. برادة أبرز أن طريقة عمل المجلس الأعلى للحسابات غير مضبوطة، ويعمل في ظل إكراهات سياسية، ولا يكشف على الاختلالات الخطيرة، وبالإضافة إلى غياب المتابعة القضائية، وضعف الموارد البشرية والمادية والقدرة على التحرك، وبالتالي يبقى عمله هامشيا، لغياب المتابعة القضائية من جهة، وضرورة التوفر على قضاء مستقل من جهة أخرى. التعيينات في المناصب التي تدير هذه المؤسسات موضع تساؤل كذلك، وفي هذا الإطار قال برادة إن بعض المؤسسات تسير من لدن أفراد غير مهنيين، وليس لهم دراية بمجال اشتغالهم، مما يحد من فعالية هذه المؤسسات، ومن ثم يجب اعتماد التعيينات باعتماد الكفاءة وليس الزبونية حسب برادة. ويعرف المغرب العديد من المؤسسات الرقابية مثل المفتشية العامة للمالية، التي لا تكشف عن تقاريرها، وفي هذا الإطار دعا برادة إلى ضرورة الكشف عن هذه التقارير، وتجاوز ضعف الموارد البشرية في عدد المفتشين، إذ أشار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى هذا الخصاص، وإلى غياب التنسيق بين الهيئات الرقابية. وتبقى الترسانة القانونية المنظم لهذا المجال تعرف قصورا، وأوضح برادة بضرورة إعادة النظر في القانون التنظيمي للمالية وللمراقبة فضلا إلى إعادة النظر في التصميم المحاسباتي للدولة، واعتماد محاسبات ممتلكات الدولة، بوسائل مضبوطة.