سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إرادة استكمال تحصين الإقتصاد الوطني من مكامن قوة المشروع الأستاذة لطيفة بناني سميرس رئيسة الفريق الاستقلالي بمجلس النواب في مناقشة مشروع القانون المالي 2010
قدمت الأستاذة لطيفة بناني سميرس رئسية الفريق الاستقلالي بمجلس النواب يوم الجمعة 13 أكتوبر 2009 ، أثناء الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع القانون المالي، عرضا هاما ناولت فيه مختلف الجوانب التي تضمنها المشروع المذكور. وفي ما يلي نص المداخلة: ********************** يشرفني المساهمة في هذه المناقشة العامة لقانون المالية لسنة 2010 وهو المشروع الثالث لهذه الحكومة ولهذه الولاية التشريعية التي تمتد إلى غاية 2012. وقد أجد في هذه النقطة أهم خصائص هذا المشروع على اعتبار أننا في نصف ولايتنا، وبالتالي نكون مضطرين للنظر إلى الخلف لمعرفة ما حققناه ولكن أيضا إلى الأمام والتساؤل عن ما يقترحه هذا المشروع لهذه السنة، وبالتالي هل ما تبقى من الوقت أمام هذه الولاية سيكون كافيا لتحقيق برنامج الحكومة كما تعاقدنا عليه منذ ثلاث سنوات؟ اعتبارا لهذه المقاربة التي إعتمدناها في فريقنا لقراءة مضامين مشروع هذا القانون المالي، ستأخذ مداخلتي هذه شكلا تقييميا لما تم إنجازه ثم قراءة موضوعية للمقترحات المتضمنة في هذا المشروع على المستويات المالية، والميزانياتية والاقتصادية والاجتماعية. وحيث لا يستقيم التقييم الموضوعي والمساءلة الجادة في مجال كهذا بالنظر إلى التعقيدات والتشعبات التي تلفه، إلا من خلال الوقوف عند ظروفه العامة وسياقاته وإكراهاته ، سأجعل من هذه النقطة أهم عناصر مداخلتي قبل الوقوف عند السياسة المالية للدولة في محور ثان ثم تحليل بعض السياسات العامة التي سطرها هذا المشروع، في محور أخير. I فرضيات وتحديات المشروع المالي: إن هذا المشروع بما له وما عليه لم يأت من فراغ، بل هو في الأول والأخير معادلة محاسبية للممكن، تستجيب لتجاذب الإكراهات والطموحات. وحتى نتبين معطياته المالية الأخرى المرتبطة ببعض السياسات العامة التي تضمنها، وضمانا للموضوعية في المقاربة سأقف عند بعض الاكراهات العامة قبل مناقشة الفرضيات التي إنبنى عليها. 1 . الإكراهات العامة. إن الأمر الذي لا يمكن أن يختلف حوله اثنان هو أن هذا المشروع قد تم التهييئ له في ظل ظرفية مالية واقتصادية صعبة وغير مستقرة، أنتجت إكراهات إضافية كان على المشروع أن يأخذها بعين الاعتبار ويتعامل معها من منطلقات مختلفة. لذا سأحاول أن أقف عند الإكراهات المرتبطة بالمحيط الدولي لبلدنا قبل التعريج على الاكراهات الأخرى المرتبطة بمؤشرات التنمية الداخلية. 1.1 الإكراهات ذات البعد الدولي: إن التركيز على هذا البعد والإكرهات المرتبطة به في مناقشة قانون المالية نعتبرها أساسية بل ضرورية في بلد كالمغرب آثر، الانفتاح على محيطه الدولي بكل تحد ومسؤولية، على الانغلاق والانكماش. وعليه فبقدر ما يكون هذا الانفتاح على الخارج ذا قيمة مضافة مهمة على مستوى التنمية، تنتج عنه انعكاسات محددة، نكون في النهاية مجبرين على التعامل معها بكل مكوناتها سلبا وإيجابا ومن هنا يكون الوقوف عند هذه الاكراهات ضرورة منهجية تخدم النقاش الجاد وتعطيه أسسه الموضوعية. فمن أهم الإكراهات التي أطرت هذا المشروع الذي نحن بصدده، هي الأزمة المالية العالمية كإكراه جديد بالنسبة للمغرب، وبالخصوص لهذا المشروع لأنه يأتي في السنة الثانية لإنطلاق الأزمة، وبالتالي فهو جاء للتعامل معها كمعطى قائم وتهييئ البلد لما بعدها. 1.1.1 الأزمة المالية العالمية كإكراه ظرفي لقد فاجئت هذه الأزمة كل حكومات العالم وجعلت كل مراكز القرار الاقتصادي والمالي تتحرك على إيقاعاتها المختلفة، وأذكت بالموازاة مع ذلك نقاشات سياسية وأكاديمية غنية ومتناقضة، أسفرت أحيانا، هنا وهناك عن اقتراح حلول ظرفية وأخرى هيكلية. وحيث لا أريد أن أقف عند كل النقاشات الاقتصادية والسياسية و لا عند الحلول المقترحة في مختلف الدول، بل فقط التأكيد على أن الأزمة كانت لها انعكاسات قوية تبلورت في شكل ركود حاد ومتباين أحيانا وذلك وفق محددات النمو في كل بلد. وظهرت هذه الانعكاسات بشكل جلي في قطاع الابناك وأسواق الأسهم وأسواق الصرف وأسعار المواد الأولية. وحيث لم نعد اليوم في حاجة إلى إبراز وتبيان تأثير الأزمة من عدمه على بلادنا وهو أمر أقرت به الحكومة في أواخر سنة 2008 وبدأنا نعرف أن تأثير الأزمة على المغرب واقع يجب التعامل معه من خلال وضع استراتيجيات محبوكة لمواجهته. وبالفعل فقد انتقلت الأزمة المالية إلى الاقتصاد الحقيقي الوطني منذ أكثر من سنة، وظهر ذلك من خلال انخفاض الطلب الخارجي الموجه للمغرب، وتراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وانخفاض عائدات السياحة وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. واعتبارا للدور الأساسي لهذه القطاعات في تحريك الدورة الاقتصادية الوطنية وضبط التوازنات المالية الكبرى. فبحسب المعطيات الرسمية، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة نحو المغرب بحوالي 7.1 مليار درهم عند متم الفصل الثاني من سنة 2009 مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2008، وب 11مليار مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2007، وتسارعت وتيرة تراجع مداخيل المغاربة المقيمين بالخارج من 14.6% في بداية السنة إلى 10.3% في شتنبر الأخير. وزادت حدة هذه الوتيرة الانخفاضية فيما يخص عائدات الأسفار التي وصلت الى 9.2% في نفس الشهر بدلا من 21.6% في بداية السنة الحالية، وفي نفس المدة الزمنية تراجعت الصادرات الوطنية من 22.2% إلى 17%. دور فعال للجنة اليقظة الاستراتيجية اعتبارا لما سبق، لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن الأزمة العالمية خيمت بظلالها على بلورة هذا المشروع، وشكلت إكراها ظرفيا إضافيا بالنسبة للحكومة، بقدر ما نحن في حاجة إلى إظهار طرق تعامل الحكومة مع هذه الأزمة وبالتالي معرفة الحيز والمساحة التي أخذتها في بلورة هذا المشروع. وفي هذا الباب أريد أن أقف قليلا عند الطريقة الاستباقية التي تعاطت بها الحكومة مع إرهاصات الأزمة والتي انبنت على دعم الطلب الداخلي وتقوية الاستهلاك. وقد كان لتشكيل لجنة اليقظة الإستراتيجية في هذا الصدد دور فعال في الحد من آثار الأزمة في بعض القطاعات، خاصة الموجهة للتصدير منها. فلا بد أن نذكر هنا أن هذه اللجنة اشتغلت وفق منظور شمولي ومتوازي على محاور متعددة. لم ترتكز على الجانب المالي المحض فقط، وهنا تكمن قوة الاقتراحات وفعاليتها. فإلى جانب المحور المالي الذي ركز على تدعيم الضمانات الممنوحة للبنوك من طرف الدولة لتمويل تسيير القطاعات المتضررة وتأجيل تسديد الديون المستحقة على المدى المتوسط، اهتمت هذه اللجنة كذلك بالجانب الاجتماعي، حيث حلت الدولة محل المشغلين ولمدد محددة، فيما يخص مساهماتهم المالية في الصناديق الاجتماعية (cnss) وكذا التزامات بعض المقاولات فيما يخص سداد الأجور التي تقل عن 3500 درهم شهريا في مقابل التزام هذه الأخيرة بعدم تسريح العمال بأكثر من 5% واحترام الحد الأدنى للأجور. وفي نفس الإطار خصصت الدولة غلافا ماليا مهما - 180 مليون درهم - لدعم التكوين التقني في قطاعات النسيج والجلد وقطاع صناعة السيارات. ونفس المجهود بل أكثر منه، أولته الحكومة للحد من تبعات تداعيات الأزمة على القطاع السياحي وكذلك الأمر فيما يخص دعم التصدير على مستوى الاستكشاف وتنويع أسواق المنتوج الوطني. هذا بالإضافة إلى الإجراءات الموجهة لعمالنا في المهجر والتي همت الدعم المالي لتكلفة المشاريع الاستثمارية، ومجانية التحويلات البنكية وتخفيض عمولة الصرف ب 30%. إن هذه الإجراءات قد أبانت عن فعاليتها وأثمرت نتائج إيجابية في الحد من آثار الأزمة. حيث أظهرت دراسات مختلفة تراجع وتيرة الانخفاضات إبتداءا من الأشهر الأولى لهذه السنة في جميع القطاعات المتضررة. ومنها تراجع انخفاض تحويلات الجالية المغربية من 18% في بداية السنة الى 10% فقط عند متم شهر غشت المنصرم. وتحسنت وضعية قطاع النسيج والألبسة في الأشهر الأخيرة، بعدما كان يشكل قلقا حقيقيا عند بداية الأزمة، نظرا لأهمية القطاع وحجم صادراته وكذا اليد العاملة التي يشغلها. وفي نفس الاتجاه قد أبانت مؤشرات إضافية عن انتعاش في المجال الاجتماعي، وذلك من خلال تراجع عدد مناصب الشغل المفقودة أظهرتها دراسة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. سجلت هذه الأخيرة تراجع وتيرة فقدان الشغل في قطاع النسيج والألبسة من 10% في شهر أبريل الى أقل من 7.5% عند متم شهر يوليوز من هذه السنة. وفي قطاع السيارات من 14.8% في ماي الى 7.6% في يوليوز. حبذت أن يقتصر كلامي في تحديد الاكراهات ذات البعد الدولي التي تحكمت في بلورة هذه الميزانية في هذا الإكراه الظرفي المرتبط بانعكاسات الأزمة العالمية على بلدنا مع إظهار المجهود الذي قامت به الحكومة في هذا الباب، وهو مجهود يحسب لها. أتمنى في المقابل أن يكون هذا الإكراه ظرفيا وعابرا حتى يتسنى لنا تجميع جهودنا المالية وتكثيفها لتجاوز الإكراهات الهيكلية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتجهيزية، وهي إكراهات معقدة تحد بالضرورة من إرادية الحكومة. 2.1 الإكراهات الهيكلية للمشروع: فكما كان للمشروع الذي نحن بصدده أن يرضخ للإكراهات العالمية المستجدة ويعمل على تهييئ ما بعد الأزمة المرتقبة خلال نفس السنة. كان عليه أن يأخد بعين الاعتبار الاكراهات الهيكلية للمجتمع المغربي، وسأحاول أن أقف على التوالي عند ثلاثة إكراهات أساسية: 1- تحسين الوضع الماكرو اقتصادي. 2- رفع التحديات الاجتماعية. 3- إتمام تجهيز البلاد. 2.1.1 استقرار الإطار الماكرو اقتصادي. إن العمل على استقرار المكونات الأساسية للإطار الماكرو ? اقتصادي والحفاظ على النسيج الاقتصادي وتحقيق نسبة نمو محترمة والتحكم في التضخم وضبط عجزي الميزانية وميزان الأداءات والتدبير المعقلن للمديونية، تعتبر في بلد كبلدنا، لازال يؤسس ويبحث سبل استكمال تنميته، أكثر من مطالب سياسية واقتصادية يجب على الحكومة أن تبدع في الحفاظ عليها والعمل على تحسينها، بل إكراهات جادة لا يمكن تجاهلها وتحت أية ذريعة كانت، وبالتالي نؤكد على عدم استقامة العروض المالية والميزانياتية إذا لم تكن تقوم على قواعد موازناتية صلبة ومحصنة وهذا أمر وقاعدة لا مزايدة فيهما. فبالرجوع الى السياق الماكرو ? اقتصادي لهذا المشروع ومؤشراته الأخرى المرقمة أو تلك المسطرة في شكل سياسات عمومية وقطاعية، واعتبارا لتوقعات اختتام سنة 2009 والفرضيات الاقتصادية التي ستميز المحيط الوطني والدولي خلال سنة 2010. يندرج هذا المشروع في إطار استكمال تحصين الاقتصاد الوطني والحفاظ على التوازنات الكبرى رغم الظرفية الصعبة، مع انتهاج سياسة مالية إرادية في أكثر من مجال وقطاع. وهنا تكمن إحدى مكامن القوة لهذا المشروع الذي استطاع تجاوز هذا الإكراه الهيكلي دون التراجع عن استكمال الإصلاحات التي تعاقدت بشأنها هذه الحكومة التي تقف وراءه. 2.1.2 رفع التحديات الاجتماعية: نود أن نقف عند إكراهات من نوع آخر كان على المشروع الذي نناقشه اليوم أن يأخذها بعين الاعتبار، ويسن في شأنها إجراءات عملية قمينة بالحد من انعكاساتها السلبية على المسار التنموي لبلدنا ويتعلق الأمر على الخصوص بالمعيقات الاجتماعية الكبرى. اختلالات نوعية وكمية في سوق الشغل وسنركز على الاختلالات التي يعرفها سوق الشغل، وتوسيع نظام الحماية الاجتماعية ومحاربة الأمية والفقر والهشاشة وكذا مواصلة إصلاح التعليم ووقف الهدر المدرسي وتحسين المؤشرات الصحية . ففيما يخص النقطة الأولى، لا يزال سوق الشغل الوطني يعرف إختلالات نوعية وكمية. فعلى الرغم من تراجع نسبة البطالة خلال هذه العشرية من13.8 % سنة 1999 إلى9.6 %سنة 2008 يكمن أهم خلل في هذه السوق في عدم الملاءمة الكمية بين تزايد السكان النشيطين و خلق فرص عمل جديدة يسمح بها مستوى نمو الاقتصاد الوطني . وإن كان من المتوقع أن يرتفع المعدل السنوي للسكان في سن العمل ب 1.8 % في المتوسط على مدى السنوات العشرة المقبلة، كما أبانت ذلك بعض الدراسات، فإن المطلوب هو خلق 300.000 فرصة عمل في السنة، أي بأكثر من 50% إضافية مقارنة مع ما ينتجه السوق حاليا ( 53.000 منصب ) و بحسب نفس الدراسة إن بلوغ هذا الرقم يستوجب تحقيق معدل نمو اقتصادي يفوق 6 % سنويا وهذا طموحنا وطموح الحكومة. أما الخلل النوعي في هذه السوق فتفسر أساسا بعدم التلاؤم، بين العرض والطلب على اليد العاملة المرتبط بالتكوين. و هذا ورش آخر تعيه الحكومة و تعمل على حله. إن توسيع نظام الحماية الاجتماعية يبقى إلى جانب توفير فرص الشغل أحد أهم التحديات التي رفعتها الحكومة منذ توليها شؤون البلاد . وجاء هذا المشروع ليؤكد المجهودات المبذولة في هذا الباب. وذلك من خلال العمل على توطيد تكافل المجتمع المغربي في إطار تنمية تضامنية مرتكزة على توزيع عادل لثمار النمو وإلى مبدأ حق كل المواطنين في التعليم والصحة وفي السكن اللائق وفي تغطية صحية ملائمة. هذه هي الإكراهات والتحديات الأساسية لهذا المشروع و التي سأعود لمناقشة بعض جوانبها في المحور المتعلق بتقييم السياسات العامة. ونفس الشيء بالنسبة للإكراهات المرتبطة بمحاربة الأمية و الفقر والهشاشة ومواصلة إصلاح المنظومة التعليمية ووقف الهدر المدرسي وتحسين المؤشرات الصحية. فإذا كانت محاربة الأمية شرطا أساسيا لتحقيق التنمية البشرية، ودون أن ننكر المجهودات المبذولة في المجال والتي مكنت المغرب من ربح 12 نقطة تقريبا في عشر سنوات ، فإنها لا زالت تشكل إكراها تنمويا حقيقيا، حيث تحددها بعض الإحصائيات في 40.1 % إلى حدود سنة 2007. أما فيما يخص محاربة الفقر والهشاشة فرغم وجود مؤشرات عامة تدل على تحسن مستوى المعيشة في الوسطين القروي و الحضري، حيث انتقل معدل الفقر في الوسط الأول من 25.1 % إلى 14.5 % ما بين 2001 و2007 . ومن 7.6 % إلى 4.8 % خلال نفس الفترة بالوسط الحضري. فلا زال معدل الهشاشة، أي نسبة الساكنة غير الفقيرة والتي تكون مهددة بالسقوط في الفقر في أي لحظة، مرتفعا حيث يحدد على التوالي بالوسطين القروي والحضري في 23.6 % و12.7 % . مجهودات اضافية مطلوبة في التعليم والصحة وفيما يخص إصلاح التعليم ووقف الهدر المدرسي وتحسين المؤشرات الصحية، فلا زالت المجهودات المطلوبة على مستوى الإنفاق العمومي كبيرة و العمل الميداني مضنيا . فمعدل التمدرس بالنسبة للتعليم الأولي لازال ينحصر في 63.8% على المستوى الوطني بالنسبة للموسم الدراسي 2008-2009. ويبقى الوضع أكثر تعقيدا في الوسط القروي حيث لم تتجاوز نسبة التمدرس في نفس المستوى 42.5% لنفس السنة الدراسية. وتكاد الأمور تتشابه إن لم نقل أعقد بالنسبة للمستويات الدراسية الأخرى. وهذا يعني أن الدولة لازالت مطالبة بأخذ هذه المعادلة مأخذ الجد والعمل على حل التعقيدات المتراكمة وبذل مجهودات مضاعفة على المستوى المالي واللوجيستيكي والبيداغوجي. فيما يخص المؤشرات الصحية، نفس الإكراهات الانفاقية تظل مطروحة على كاهل الميزانية العامة من أجل تحسين فعالية الخدمات الصحية و خفض وفيات الأمهات والأطفال و الرفع من مستوى التأطير الطبي فيما يخص الموارد البشرية واللوجيستيكية وكذلك التعاطي بفعالية مع الأوبئة و الفيروسات الجديدة . 2.1.3 تجهيز البلاد وإنجاز البنيات التحتية إلى جانب الإكراهات الماكرو اقتصادية والأخرى المرتبطة بالوضعية الاجتماعية، فإن وضع الميزانية في بلدنا يتعاطى كذلك مع إكراهات تطوير البنيات التحتية وتنويعها وعصرنتها. وهكذا فإن أهم تحدي ترفعه هذه الميزانية هو توجيه وتكثيف الاستثمار العمومي لأجل تجهيز البلاد و تأهيل بنياته التحتية الأساسية و البنيات الداعمة. فعلى المستوى الأول، و أعني الطرق والطرق السيارة و الماء الشروب والصرف الصحي، والموانئ و النقل الطرقي والجوي والسككي و كذلك الأمر بالنسبة لمعضلة الطاقة، لا زال العجز العمومي مهما و طموح البلاد كبيرا ووعي وإكراهات الحكومة أهم وأكبر. وفي هذا الإطار ودعما للمجهودات التجهيزية التي ننتظرها ويأخذها هذا المشروع بعين الإعتبار وبجدية. لازال الولوج للطرق بالنسبة للساكنة بالعالم القروي يتراوح مابين 54 و61%. ولا زال تسريع وتيرة إنجاز البرنامج الشامل للكهربة بالعالم القروي يتطلب تكثيفا للجهود ورصد إمكانيات ضخمة وكذلك الأمر بالنسبة لرفع نسبة الولوج إلى الماء الصالح للشرب الذي لازال ينحصر في معدلات تتراوح مابين 87 و88%. لقد أردت و كما بينت ذلك عند بداية مداخلتي، أن أتفادى هاجس العدمية في تعاملي مع هذا المشروع. ولذلك حاولت في هذا المحور أن أقف عند الإكراهات التي تبلور في ظلها هذا المشروع وذلك قبل أن أبحث في مستجداته ومقترحاته. واعتبارا لهذه الإكراهات التي وقفنا عند الظرفية منها والهيكلية، سنقف في المحور التالي عند بنية الميزانية العامة لإظهار مساحات وإمكانات التدخل العمومي، وذلك قبل تقديم قراءة تقييمية للسياسات العمومية التي يقترحها هذا المشروع في محور أخير. II- بنية الميزانية العامة و مساحات التدخل العمومي. سنقف في هذا المحور الذي أخصصه لبنية الميزانية العامة عند قراءة أرقامها على مستوى المداخيل والمصاريف وذلك بشكل متوازي. 1 - المداخيل العامة بالنسبة للمداخيل العامة، تظهر القراءة الأولية أن موارد الميزانية العامة ستصل إلى أكثر من 216 مليار درهم تنضاف إليها أكثر من ملياري درهم كموارد خاصة بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، وأكثر من 45 مليار درهم كموارد للحسابات الخصوصية للخزينة، ليصل الدخل الإجمالي إلى أكثر من 264 مليار درهم. إن العناصر التسعة الأساسية التي تشكل هيكل ومنبع تمويل الميزانية العامة وإن كانت تعرف نوعا من الاستقرار على مستوى الشكل والهيكلة، فما يهمنا أساسا وبالدرجة الأولى هو الوقوف عند القيمة والمكانة التمويلية لكل عنصر على حدة، و بالتالي بحث إمكانية تحسين كل عنصر وخاصة العناصر المندرجة ضمن خانة عناصر التمويل الذاتي في مقابل العناصر التمويلية الاستثنائية كالقروض والهبات وتفويتات الملك العمومي . 1.1 الضرائب و الرسوم ونجمع تحت هذا العنوان كل المداخيل العادية خاصة الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة الرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة ورسوم التسجيل والتنبر. فأول ملاحظة نخرج بها بعد الإطلاع على توقعات مداخيل هذه العناصر الأربعة خلال السنة المالية 2010 مقارنة مع توقعات السنة المالية التي سنودعها بعد شهر ونصف من الآن. هو أن كل هذه العناصر ستعرف تراجعات على مستوى أداءاتها التمويلية. تراجعات تسير من 2.71 - % بالنسبة للضرائب غير المباشرة، و(8.31- %) بالنسبة لرسوم التسجيل والتنمبر و-9.84% بالنسبة للضرائب المباشرة والرسوم المماثلة لتصل حدة هذه الانخفاضات إلى ( 13.20 - %) فيما يخص الرسوم الجمركية. فإذا كان الانخفاض والتراجع المسجل فيما يخص هذا العنصر الأخير، أي الرسوم الجمركية يجد تفسيره في الاتجاه العام الذي يأخذه الاقتصاد الوطني بانفتاحه المتواصل على الاقتصاد الدولي و الإصلاحات التي استهدفت التعريفة الجمركية من أجل تهييئ الاقتصاد الوطني لبلوغ أهداف هذا الاختيار الاستراتيجي. أود أن أؤكد هنا على أنه وبالرغم من مواصلة التفكيك الجمركي و تخفيض الرسوم على الاستيراد كسياسات مالية و كمنهجية تخدم الهدف الاستراتيجي الذي نسنده، نعتبر أو على الأقل نطمح أن يبقى هذا العنصر التمويلي ذا مردودية إذا ما تمكنا من تعزيز عمليات المراقبة و تكثيف الجهود في مجال محاربة الغش و التدليس عند التعشير و ضبط التصريحات المزورة . ففيما يخص الضرائب غير المباشرة، وإن كان المتحصل الإجمالي المتوقع على مستوى مداخيل هذا النوع من الضرائب سينخفض ب (12.7 - % ) خلال السنة القادمة مقارنة مع السنة المالية الحالية. فإن التكامل بين العناصر المكونة لها قد حد من هذا التراجع الذي كان سيسجل تراجعا بنسب أعلى. وهكذا فإن كان من المتوقع أن تزيد حصيلة الضريبة على القيمة المضافة في الداخل التي تقوم بتحصيلها مديرية الضرائب بنسبة 2.60 % وحصيلة الرسم على المنتجات الطاقية ب% 3.68+وحصيلة الرسم الداخلي على الجعة بزيادة تزيد على41 %. تسجل التوقعات في المقابل تراجعا يصل إلى %37.35 - فيما يخص الضريبة على القيمة المضافة في الداخل التي تقوم بتحصيلها إدارة الجمارك و بانخفاض يصل إلى 11.52- % بالنسبة لحصيلة الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد. فإن كان من الممكن أن نجد تفسيرا للتراجع الذي ستعرفانه الضريبتين الأخيرتين في نفس المسببات التي أشرنا إليها في موضوع الرسوم الجمركية، على اعتبار أنهما يمسان و يعتمدان على نفس الوعاء الضريبي تقريبا. فإن التفسير للأداء الجيد للضريبة على القيمة المضافة في الداخل يعود أولا إلى الإصلاح المؤسسي لهذه الضريبة الذي بدأ سنة 2006 و الذي كان يروم إعادة تموقع هذه الضريبة كآلية أساسية لتمويل الميزانية من جهة. ومن جهة أخرى إلى السلوك الجيد لاستهلاك الأسر التي تفيد كل المؤشرات بأنه في تحسن مستمر . محاربة ظاهرة الأداءات السوداء في العمليات العقارية وفي موضوع رسوم التسجيل والتنبر الذي يتوقع أن يعرف نفس المنحى الانخفاضي المتوقع تسجيله في بعض الضرائب و الرسوم التي ذكرناها أعلاه، ليصل إلى 8.31 -% ، في الإجمال. وتتوزع حدة هذا التراجع بحسب العناصر المكونة لهذه الرسوم حيث يتوقع أن يتأرجح هذا الانخفاض بين 5.11 -% بالنسبة لحصيلة الضريبة على التأمينات و%10.41- وبالنسبة لرسوم نقل الملكية و-14.69% بالنسبة لرسوم التنبر و الورق المقاس لتصل إلى 22.19- % فيما يعود للضريبة السنوية الخاصة على السيارات. إن المتعارف عليه هو أن تسارع وتيرة هذا النوع من الرسوم وتحسن مكانتها في تمويل الميزانية العامة يكون في ارتباط وثيق بتطور النشاط الاقتصادي العام. وإذا كان التراجع المرتقب خلال سنة 2010 يفسر نسبيا بتداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني فإن الإدارة الضريبية والمؤسسات الأخرى المعنية بتحصيل هذا النوع من الرسوم تبقى مطالبة بالعمل من أجل محاربة الغش و التملص الضريبيين وعلى الخصوص ظاهرة الأداءات السوداء فيما يخص العمليات العقارية التي تعتبر الوعاء الضريبي الأساسي لرسوم نقل الملكية . وفي موضوع الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة تؤكد التوقعات تراجعا سيصل إلى %9.84- في الإجمال. وهذه نسبة كبيرة فيما يخص هذا النوع من الضرائب ، خاصة وأن هذه الترجعات ستمس بشكل متباين كل من الضريبة العامة على الدخل بنسبة -12.75%. والضريبة على الشركات بنسبة -7.96% . وإن كانت حصة هذا النوع من الضرائب لازالت تفوق منتوج الضرائب غير المباشرة للدولة، مكرسة بذلك المنحى الذي بدأنا نعرفه في المغرب ابتداءا من السنة المالية 2004. وهذا أمر كنا دائما نطالب به ونطمح إليه اعتبارا لكونه مؤشرا مهما جدا على تحول البنيتين المالية والاقتصادية للدولة . وداخل هذا النوع من الضرائب نؤكد على مؤشر آخر نعتبره أساسيا فيما يخص هذا التحول الذي تعرفه بنيتنا الاقتصادية، ألا وهو تجاوز المتحصلات المالية المتأتية من الضريبة على الشركات تلك التي يكون مصدرها الضريبة على الدخل، وإذ أكتفي بهذا فيما يخص هذا النوع من الضرائب، فإن القراءات الأساسية التي يمكن تقديمها لتفسير تراجع الأداء المالي لهذه الضرائب هو الإصلاح المهم الذي تعرفه الضريبة على الدخل إبتداءا من السنة المالية الحالية والذي سيعرف شطره الثاني خلال سنة 2010 بالإضافة إلى الانتظارية التي تميز سوق العقار على اعتبار أهمية مداخيل الضريبة على الدخل المفروضة على الأرباح العقارية. فإن تباطؤ النشاط الاقتصادي العام جراء الأزمة والصعوبات الحالية لبعض الشركات الناجمة عن ذلك قد يكون كافيا لتبرير تراجع أداء الضريبة على الشركات بالنسبة للسنة المالية الجديدة. إخضاع بعض المؤسسات لعقود برامج عمل 1.2 الموارد غير الضريبية: سيقتصر كلامنا في موضوع الموارد غير الضريبة على عائدات أملاك الدولة، عائدات الاحتكار والاستغلالات والموارد الناتجة عن تفويت حصص مساهمات الدولة. إن الملاحظة الأساسية التي تعطيها التوقعات هو أن هذا النوع من الموارد سيعرف منحى الانخفاض مماثل أو قريب من الانخفاضات المتوقعة فيما يخص الموارد ذات الطبيعة الضريبية، فما عدا الموارد المتوقعة لعمليات الخوصصة والتي من المنتظر أن تعرف ارتفاعا يصل إلى 33.33% وارتفاعا بنسبة 1.58% بالنسبة لعائدات أملاك الدولة، ستعرف باقي العناصر انخفاضات مهمة تحدد ما بين -6.73% بالنسبة لعائدات مؤسسات الاحتكار والمساهمات المالية للدولة و -20.40% بالنسبة للموارد المتوقعة من الاقتراضات والهبات. وإذا كنا نرى في هذه الانخفاضات أمرا لا يدعو إلى التشاؤم أو القلق على اعتبار أن هذه التراجعات تؤشر على استقلالية متزايدة للميزانية العامة عن هذه الفئة من الإيرادات التي نعتبرها إستثنائية بطبعها وخاصة تلك المتعلقة بموارد الخوصصة والاقتراضات الخارجية. نؤكد بالموازاة مع ذلك على ضرورة الرفع من عائدات الاحتكارات والاستغلالات وذلك من خلال إخضاع بعض هذه المؤسسات لعقود برامج عمل تروم الرفع من إنتاجيتها وبالتالي الرفع من مستوى مساهمتها التمويلية للميزانية العامة واخص بالذكر هنا صندوق الإيداع والتدبير والشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية، ونؤكد على نفس الشيء بالنسبة لعائدات ومداخيل أملاك الدولة، خاصة عائدات بيع مباني أملاك الدولة القروية وحصيلة مداخيل مباني أملاك الدولة. هذان الصنفان من المداخيل يمكن أن يتحسنا بشكل أفضل إذا ما تمت إعادة النظر في طرائق التقييم العقاري والمالي لهذه الأملاك طبقا لمنطق ومنهاج السوق المعمول بها في القطاع الخاص. 1.3 موارد الدولة المسيرة بصورة مستقلة تحدد توقعات السنة المالية 2010 موارد ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة في أكثر من 2 مليار و304 مليون درهم، تتوزع على أكثر من 190 مصلحة مسيرة بصورة مستقلة تعمل في مختلف المجالات والقطاعات الحكومية. إن أهم مميزات هذه الآلية التدبيرية هي المساهمة في تسيير الشأن العام، من منطلق يختلف عن طرائق التدبير الإداري والمالي الكلاسيكي، فهي ليست مستقلة عن الدولة ولا تتمتع بالشخصية المعنوية، وإن كانت تستفيد من إعانات الميزانية العامة للدولة على سبيل نفقات الاستغلال ونفقات الاستثمار فهي مطالبة بأن تغطي جانبا مهم من أنشطتها بموارد ذاتية. وقد ثبتت الإحصائيات المتوفرة حتى الآن أن ما نسميه الموارد الذاتية قد وصل إلى 41% سنة 2008 مقابل 19% كإعانات من الميزانية العامة بل وأكثر من ذلك حققت هذه السيكمات فائضا وصل حد 40% رحل للسنة المالية الموالية، وقد نجد هنا مؤشرات على جدية العمل بهذه الآلية. وعلى مستوى بنية النفقات الخاصة بهذه المرافق تظهر بعض الدراسات أن 5% فقط من ميزانيات هذه السيكمات تخصص للأجور مقابل 18% للاستثمار و77% للمعدات والتجهيزات المختلفة، وهذه بنية إنفاقية نسبيا مقبولة مقارنة مع بنية الصرف في الإدارة العمومية والمؤسسات العامة خاصة إذا عرفنا أن هذا النوع من التدبير أصبح يركز أكثر في القطاعات الاجتماعية. وأن أزيد من 145 سيكمة من أصل 190 تعمل في هذا القطاع منها 79 في المجال الصحي. عرفت على إثره مؤشرات الإنتاجية بالمستشفيات ذات نظام مرفق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، ارتفاعا مقارنة مع باقي المصالح الطبية التي لازالت تشتغل وفق الهيكل الإداري العادي. و تؤشر نفس المعطيات على تحسن ملموس في الخدمات خلال الثلاث سنوات الأخيرة بأكثر من 13% . واعتبارا لهذه المعطيات وخاصة هشاشة القطاعات التي تعمل فيها هذه السيكمات، لسنا في حاجة للتركيز على مواردها والبحث في طرق تنميتها كما قمنا بذلك في ما يخص الموارد الأخرى، بل ندعو الحكومة إلى التوصية ببعض المرونة فيما يخص الولوجيات لبعض المصالح كالمستشفيات، حتى لا يكون أداء المساهمات بشكل مسبق إنكارا لحق الاستشفاء، ونقول هذا اعتبارا للعوز والفقر الذي أكدنا فيما سبق أنه يبقى أحد أهم وأكبر الاكراهات التي جاءت هذه الميزانية لتستمر في تحديهما. 1.4 الحسابات الخصوصية للخزينة يقدر المشروع الذي نحن بصدده، موارد الحسابات الخصوصية للخزينة في 45 مليار و723 مليون درهم، تتوزع بشكل غير متكافئ بين الحسابات المرصدة لأمور خصوصية بأكثر من 35 مليار وحسابات القروض والهبات وحسابات الانخراط في الهيئات الدولية و حسابات العمليات النقدية و حسابات النفقات من المخصصات. إن الملاحظة الأساسية التي تعطيها هذه التقديرات أن كل هذه المكونات الخمسة للحسابات الخصوصية للخزينة ستعرف إنخفاضا في الموارد فباستثناء موارد حساب النفقات من المخصصات الذي سيعرف ارتفاعا ضعيفا مقارنة مع موارد السنة المالية الحالية والذي سيصل إلى 0.78 % ستعرف موارد الحسابات المرصدة لأمور خصوصية انخفاضا بقدر18.70 - % و حسابات القروض إنخفاضا أكبر يصل إلى حد ( -88.36% ). البقية في ص 10 فإن كنا ركزنا في مناقشة سابقة للقانون المالي لسنة 2008 على ضرورة الترشيد فيما يخص خلق هذه الآليات على اعتبار أنها آليات موازية للعمل الحكومي خاصة لعمليات الصرف العمومي من خلال الميزانية العامة. وطالبنا بحذف بعض الحسابات الخصوصية للخزينة لعدم إنتاجيتها أو فعاليتها الاقتصادية والمالية . نؤكد على أهمية العمل الذي قامت به الحكومة في إطار الترشيد لهذه الحسابات. أولا على مستوى العدد حيث انتقل هذا العدد من 132 حساب سنة 2002 إلى 77 حسابا هذه السنة. ثانيا على مستوى إنتاجية بعض أنواع الحسابات وأخص منها بالذكر الحسابات المرصدة لأمور خصوصية. فهي تشكل 66 % من مجموع الحسابات سنة 2009 مقابل 35 % سنة 2002 . واعتبارا لمجال تدخلها تظهر أهمية هذه الحسابات. حيث نجد أنها تتوزع بشكل متوازي بين المجال الفلاحي والبنيات التحتية والإنعاش الاقتصادي والتنمية البشرية والاجتماعية و التنمية المحلية. واعتبارا للخصاص التنموي في هذه القطاعات الحيوية تؤكد الإحصائيات المتوفرة أن توزيع النفقات المنجزة في إطار هذه الحسابات بحسب مجالات تدخلها، أن التنمية المحلية تأخذ حصة الأسد بما نسبته 43.12 % متبوعة بالتنمية البشرية بنسبة 18.61 % والإنعاش الاقتصادي والمالي بنسبة 11.77 % والبنيات التحتية والمجال الفلاحي على التتالي بنسب 9.88 % و8.37 % . تعزيز مكانة الموارد الذاتية عنصر آخر يثير الاهتمام في هذا المجال ويتعلق الأمر ببنية موارد هذه الحسابات. تؤكد الإحصائيات المتوفرة أن هذه البنية تعرف تطورا إيجابيا في اتجاه تعزيز مكانة الموارد الذاتية لهذه الصناديق على المخصصات المالية المتأتية من الميزانية العامة. وهذا أمر مهم يجب التفكير في دعمه و تطويره. أكتفي بهذا القدر في موضوع الموارد العامة و التي اتضح أنها تسير في اتجاه انخفاض في جل مستوياتها لاعتبارات الإكراهات الظرفية و الهيكلية منها و التي حاولنا إظهار بعض جوانبها. سنحاول فيما تبقى من هذا المحور أن نقف عند المجهود الإنفاقي الذي تقترحه الحكومة من خلال هذا المشروع . 2 ? الإنفاق العمومي من خلال المشروع: بالنظر إلى تراجع بعض الموارد الأساسية في تمويل الميزانية العامة، يحدد المشروع توقعاته للإنفاق العمومي للسنة المالية القادمة في أكثر من 277 مليار درهم . أي بفارق يزيد عن 12 مليار و 911 مليون درهم مقارنة مع المداخيل. و هذه جرأة مالية تحسب لهذه الحكومة و تجعل من المشروع الذي نحن بصدده استثنائيا بالنظر إلى السياق التاريخي المالي للمغرب، الذي كان دائما مطبوعا بالحذر في تعامله مع نسب العجز الميزانياتي . و في انتظار أن أعود إلى هذا الموضوع لاحقا سأركز مداخلتي في هذا الباب على الإنفاق العمومي في شقه التسييري و الاستثماري و بحث الآليات الممكنة للاقتصاد والترشيد والضبط في الشق الأول و دعم وتطوير وتنويع الشق الاستثماري منه. 1-2 نفقات التسيير يرتقب أن تصل نفقات تسيير الميزانية العامة إلى أكثر من 136 مليار و 912 مليون درهم، يخصص منها أكثر من 80 مليار للأجور و أكثر من 27 مليار للمعدات وأكثر من 26 مليار للتكاليف المشتركة . إن ما يسترعي الانتباه عند قراءة الأرقام المقدمة بالنسبة لميزانية التسيير هو هذا الحيز الكبير التي تأخذه كتلة الأجور في هذه البنية و التي تصل إلى أكثر من 58 % وهي بذلك ستعرف زيادة ب 5.3 % مقارنة مع السنة المالية الحالية. وإن كان التفسير البديهي و الأولي لزيادة هذه الكتلة، خلال السنة المالية القادمة يكمن في الزيادة في الأجور التي أسفر عنها الحوار الاجتماعي و خلق أزيد من 23 ألف منصب شغل جديد من خلال هذا المشروع. يبقى غير كاف على اعتبار أن هذه الزيادة أخذت منحى تصاعديا بلغ 5.6 % في المتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين 2003 و 2008 بالمقارنة مع النفقات العادية . ترشيد التوظيفات وعقلنة تدبير الموارد البشرية فبالمقارنة مع الناتج الداخلي الخام و إن كانت حصة نفقات الأجور تعرف إنخفاضا من سنة إلى أخرى حيث انتقلت من 11.2 % سنة 2003 إلى 10.2 % سنة 2008. فلازال هذا المعدل أعلى بكثير مما هو عليه الحال في الاقتصاديات المماثلة. إن التحكم في نفقات الأجور هو عمل أساسي لأجل السيطرة على عجز الميزانية وبالتالي ضبط توازنات المالية العمومية. وإن كان يصعب علينا من الناحية السياسية أن ندفع في اتجاه الحد من التوظيفات يبقى من واجبنا الدعوة إلى ترشيد التوظيفات وعقلنة تدبير الموارد البشرية في الوظيفة العمومية على أساس أن تكون هذه التوظيفات بحسب الحاجيات الحقيقية للدولة وليس على أساس المساعدة الاجتماعية . وعليه، و إن كنا ندعم الإجراءات المقترحة، داخل هذا المشروع و من خلال الوثائق المصاحبة و الهادفة إلى حصر عدد المناصب المالية المحدثة لتغطية الحاجيات الملحة لمصالح الدولة، و مواصلة عمليات محاربة ظاهرة الموظفين الأشباح. نطلب الإسراع للانتهاء من هذا الملف، لأنه غير مقبول أن تكون الإدارة في وضعية عدم معرفة الموظف الشبح من غيره ؟ في نفس الاتجاه، ندعو إلى الإسراع لإخراج النصوص الخاصة بعمليات إعادة انتشار الموظفين على الأصعدة القطاعية و الجغرافية وهذا عمل أساسي ليس فقط لأنه يعطي إمكانية سد الحاجيات في بعض القطاعات والمناطق والتخفيف من الضغط و الاكتظاظ غير المهني في أخرى بل أكثر من ذلك يسمح بالتقييم العلمي والحقيقي لحاجيات الإدارة من العنصر البشري . من جهة أخرى فبقدر ما ندعو إلى إعادة النظر في نظام أداء الأجور في اتجاه التبسيط و تجاوز التعقيدات المحيطة به ندعو إلى تجاوز مركزة تدبير الاعتمادات الخاصة بالعمليات الجارية لتدبير الموارد البشرية. في اتجاه إشراك فعلي للوزارات و القطاعات التقنية في تدبير نفقات الأجور، بدل مركزتها بشكل شبه كلي لدى مديرية الميزانية التابعة لوزارة الاقتصاد و المالية . إن هذا الأمر لمن شأنه أن يضمن الدقة في التنبؤ و تجاوز الفجوة الحاصلة بين الإنجازات و التوقعات فيما يخص نفقات الأجور بصفة خاصة و تدبير الموارد البشرية بصفة عامة . إن إجراءات من هذا النوع ستساعدنا في النهاية على التحكم في مستوى عيش الإدارة كما سنقف عند ذلك في النقطة التالية. 2.2 نفقات المعدات ومستوى عيش الإدارة المغربية. يقدر المشروع النفقات المرتبطة بمستوى عيش الإدارة المغربية بأكثر من 27 مليار و176 مليون درهم، منها أكثر من 16 مليار و938 مليون درهم للتجهيز المكتبي و8 ملايير و 848 مليون درهم كإعانات تسيير للمؤسسات العمومية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وأزيد من مليار و388 مليون درهم كإتاوات لاستهلاك الماء والكهرباء والاتصالات. وضع حد لثقافة التسيب واللامبالاة تجاه الصرف العمومي واعتبارا لأهمية هذه الأرقام بالنظر إلى الوضعية المالية العامة نكون مضطرين إلى بحث سبل ترشيد هذا النوع من النفقات وجعلها تتماشى ومستوى إنتاجية الإدارة من خلال إعادة النظر في بعض بنود الميزانية التي لا تعبر الاعتمادات المرصودة لها التحملات الحقيقية، وأقصد هنا الترشيد اللازم في استهلاك الماء والكهرباء وفواتير الاتصالات بكل أنواعها مع العمل على إرساء ثقافة استهلاكية داخل الإدارة توازي هواجس الترشيد والاقتصاد في كل شيء التي يمارسها الموظف والمتعامل مع الإدارة في بيته ووضع حد لثقافة التسيب واللامبالاة تجاه الصرف العمومي. وكذلك العمل على الحد من بعض النفقات الجارية والتي تصل أحيانا حد البذخ. وفيما يخص الإعانات الموجهة للمؤسسات العمومية يجب التأكيد على أن تدخل هذه الإعانات في إطار التصحيح المتعاقد بشأنه ويكون مربوطا بنتائج محددة حجما وكيفا. إن تكريس ثقافة الحكامة والترشيد في هذه المجالات هو سبيلنا الوحيد للرفع من مستوى الاستثمارات العمومية وتأهيل البلاد. 2.3- الاستثمار العمومي من المتوقع أن يصل الحجم الإجمالي للاستثمارات العمومية برسم السنة المالية 2010 إلى 162 مليار درهم و 640 مليون درهم في المجموع. منها مليار و 78 مليون كاعتمادات أداء مفتوحة برسم السنة المالية الجديدة ، ينضاف إليها ما قدره 28 مليار كاعتمادات التزام للسنة المالية 2011 و12 مليار كاعتمادات مرحلة عن السنة الحالية. وبذلك سيصل المجهود الاستثماري للميزانية العامة وحدها إلى 94 مليار و780 مليون درهم تضاف إلى هذا المجهود الاستثماري المهم، استثمارات الحسابات الخصوصية التي لا تستفيد من التحويلات المالية للميزانية العامة و التي يتوقع أن تستقر في 7 ملايير و 400 مليون درهم. و 6 ملايير درهم إضافية برسم الاستثمارات المنجزة من طرف الجماعات المحلية . هذا من دون الحديث عن استثمارات المنشآت العامة التي يستشف من برنامجها التوقعي للفترة الممتدة من 2008 إلى 2012 أن تحقق استثمارات كبرى تصل إلى 111 مليار درهم سنة 2010 بما في ذلك مساهمات صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . إن ما نود أن نركز عليه في هذا الباب و خاصة عند قراءة هذه الأرقام و مقارنتها في الزمن و المكان والإٌطلاع على تفاصيل و مواضيع هذا الجهد الاستثماري الاستثنائي. وفي انتظار الرجوع و الوقوف عند الاستثمارات المبرمجة من خلال تحليلي لبعض السياسات العامة في المحور الأخير من هذه المداخلة. أقول إن ما يشد كل متتبع للشأن العام و تطور الميزانية العامة هو هذا التحول الكبير على مستوى الرقم في حد ذاته، حيث ارتفعت ميزانية الاستثمار بأزيد من 20 % مقارنة مع السنة الحالية 2009. وهذا معطى جديد بالنسبة لنا نشدد عليه لأنه يأتي في ظروف مالية و اقتصادي غير مواتية تماما، يميزها ركود اقتصادي دولي حاد و تراجع مالي مهم مس كل مكونات تمويل الميزانية العامة كما أبرزنا ذلك في النقطة الأولى لهذا المحور. واعتبارا لكل هذا لا يسعنا، وأنا هنا أنقل بكل أمانة رأي الاستقلاليين كما وصلت إليه رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين من خلال دراستها لهذا المشروع، أن ننوه بإرادة الحكومة أولا في الرفع من ميزانية الاستثمار والوصول إلى أرقام قياسية كل سنة. على اعتبار أن هذا هو السبيل الأوحد إلى تحويل بلادنا تدريجيا من بلد يشكو العوز في كل شيء تقريبا إلى بلد يتوفر على بنيات تحتية أساسية صلبة، واقتصادية تنافسية واجتماعية متماسكة، تمكنه في النهاية من ولوج مصاف الدول المتقدمة . وموجب التنويه الثاني، في نفس الإطار، هو تمكن الحكومة من تجاوز العائق النفسي، بإعلانها عن مشروع قانون مالي يسجل عجزا يتعدى لأول مرة عتبة 3 % و يستقر في 4 % من الناتج الداخلي الخام المتوقع برسم سنة 2010. نعم ننوه بهذا لأنه استجاب لإحدى قناعاتنا الدائمة في حزب الاستقلال التي تتلخص في قاعدة تقول أن المهم ليس هو نسبة العجز في الميزانية بل تكون أهم منه نسبة المديونية التي تنتج عن هذا العجز في الميزانية خاصة إذا تراكم لسنوات طويلة. وانطلاقا من هذه القناعة، ندعو إلى المراقبة الحذرة لمستوى المديونية بالنسبة للناتج الداخلي الخام. حتى نحافظ على مستوى وتيرة نمو الناتج الداخلي الخام الملاحظ و الحفاظ بالتوازي مع ذلك على وتيرة تراجع مستوى المديونية. وحتى لا أطيل في هذا الموضوع، أتمنى أن تتحقق كل الفرضيات التي إنبنى عليها هذا المشروع و خاصة تلك التي تراهن على تطورات محددة للسوق الدولية و التي تكون لها انعكاسات حادة على التوازنات المالية الكبرى للبلاد. وذلك حتى تستمر بلادنا في رفع التحدي التنموي و تنفيذ البرامج التي سطرتها لهذه السنة المالية التي سنستقبلها بعد بضعة أسابيع. هذه المشاريع التي سأقف عند أهمها في المحور التالي. III- السياسات العمومية من خلال الميزانة العامة. نود في ما يخص تقييم السياسات العامة للدولة أن نقف عند ثلاثة عناصر لأهميتها في تسريع وتيرة تجهيز البلاد وضمان تماسكه الاجتماعي والتحكم في إمكانياته المالية ويتعلق الأمر على التوالي بالسياسة التجهيزية بما فيها الأوراش الكبرى والسياسات الاجتماعية بما فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وفي نقطة ثالثة عند السياسة الميزانياتية والجبائية. سينحصر كلامي في هذه المواضيع الثلاثة في إبداء بعض الآراء والأفكار العامة من دون الخوض في تفاصيل هذه السياسات على اعتبار أن زملائي وزميلاتي في الفريق سيقفون عندها بتفصيل وإمعان عند مناقشة السياسات الفرعية والقطاعية. 1/ التجهيز العمومي والأوراش الكبرى فيما يتعلق ببرنامج البنيات التحتية، سواء على مستوى الميزانية العامة للدولة أو على مستوى ميزانيات المؤسسات العمومية، يجدر بنا أن ننوه برفع الوتيرة التي أقرها المشروع المالي في هذا الشأن والرامية إلى مواصلة إنجاز البنيات التحتية وتقويتها خاصة في مجال النقل والاتصال والقطاعات المنتجة. وكذا أداء الدولة لدورها في كل المجالات كالدفاع الوطني والأمن والعدل والتربية والتكوين والصحة والشباب والرياضة وإلى غير ذلك. وتظهر هذه الوتيرة من خلال القراءة في أرقام القطاعات المعنية حيث نسجل بارتياح ارتفاع نسبة ميزانيات الاستثمار مقارنة مع ميزانيات النفقات و الموظفين. ففي قطاع التجهيز والنقل نجد مثلا أن نفقات الاستثمار ستصل إلى أكثر من 5 ملايير و 523 مليون درهم مقابل أزيد بقليل من 770 مليون درهم تتوزع بين بندي المعدات والموظفين. ونفس الشيء يمكن أن نلاحظه في قطاع الطاقة والمعادن الذي تتحدد ميزانية الاستثمار فيه، بأكثر من 4 ملايير و128 مليون درهم مقابل 663 مليون درهم لنفقات المعدات والموظفين وكذلك الشأن بالنسبة لقطاع الماء حيث يصل الفارق الإيجابي لصالح الاستثمار مقارنة مع الاستهلاك إلى أكثر من 785% من الميزانية المخصصة لهذا القطاع ويصل هذا الفارق الإيجابي لصالح الاستثمار إلى أكثر من 2486 % في قطاع البيئة. وقد سجلنا بارتياح هذا المنحى الإيجابي لصالح الاستثمار العمومي في كل القطاعات المنتجة، هذا بالإضافة إلى الدور الأساسي والحاسم الذي تلعبه الأوراش الكبرى الأفقية والمهيكلة لما لها من دور في تحريك عملية الاستثمارات المتداخلة بين القطاعات. 2- السياسات الاجتماعية. فيما يخص السياسات الاجتماعية المسطرة من خلال هذا المشروع، نشيد بحرص الحكومة الاستمرار في دعم أسعار المواد الأساسية عبر نظام المقاصة. ودعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والرفع من مستوى استثمارات القطاعات الوزارية ذات الطابع الاجتماعي، كالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والتكوين المهني. ففي قطاع التعليم جاء هذا المشروع لمواصلة إنجاز البرامج الاستعجالية المعتمدة بالنسبة لكل من التعليم الأساسي والثانوي والعالي، وقد وجدنا في البرامج التفصيلية للعمل الخاصة بهذه القطاعات ما يبرر ويسند هذا المجهود الاستثماري الذي خصصته الميزانية العامة لهذه القطاعات الحيوية. ,إن الزيادة في ميزانية هذه القطاعات، جاءت كاستجابة للإصلاح ومعالجة الإشكالات الأفقية والعمودية للمنظومة التعليمية الوطنية والتي نتمنى أن نرى ثمارها خلال هذه الولاية. وفي مجال الصحة العمومية، وبالنظر إلى الخصاص الذي يعيشه هذا القطاع، ندعم المجهود الاستثنائي الذي تليه الميزانية العامة لهذا القطاع والعمل الدؤوب لتسهيل مأمورية تنفيذ البرامج التي سطرتها هذه الوزارة. إن ارتفاع الاعتمادات المخصصة لهذا المجال الحيوي بنسبة 37% في ظرف سنتين وتخصيص 2000 منصب مالي إضافي موجهة جلها إلى العالم القروي يبقيان أكبر مؤشر على حسن نية الحكومة من أجل تحسين المؤشرات الصحية في بلدنا وبلوغ الأهداف الإستراتيجية خاصة تقليص وفيات الأمهات والرضع على التوالي إلى 50 حالة لكل 100.000 ولادة بالنسبة للأمهات و 15 حالة لكل 1000 ولادة بالنسبة للرضع. وضمان مستوى أعلى للولوجيات إلى العلاجات الاستشفائية لفائدة الساكنة المعوزة في الوسطين القروي والحضري وضمان التكفل الشامل للدولة بالنسبة للأمراض المزمنة وكذلك توسيع نظام التغطية الصحية الأساسية. نفس الشيء نقوله ونؤكد عليه في قطاع التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، الذي يتقاطع في أكثر من نطقة ومجال مع القطاع الصحي والتعليمي، وإن اختلفت المقاربات المتعلقة بالإشكالات الخاصة بالأسرة و المرأة والطفل والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والأطفال المهملين. هذه القطاعات التي لازالت تحتاج إلى عمل ميداني مضني وجهد مالي وزمني كبيرين بالنظر إلى التراكمات الكمية والتعقيدات السوسيولوجية. ورغم ذلك نعتبر أن الحكومة تقوم بمجهود مادي محترم في هذا المجال وأن المقاربة الميدانية جادة وتسير في الاتجاه الصحيح. وفي موضوع دعم القدرة الشرائية للساكنة والرفع من مستوى الدخل لدى بعض الشرائح، نزكي المجهود الذي قامت به الحكومة في إطار الحوار الاجتماعي وتنفيذ بعض نتائجه خلال سنتي 2008 و 2009. ونحيي هذه الروح التفاوضية للحكومة وباقي الشركاء الاجتماعيين التي تركت هذا الباب مفتوحا إلى اليوم. وفي نفس الاتجاه نرى أن أهم عمل تقوم به الحكومة في إطار حماية القدرة الشرائية للمواطنين هو دعمها لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية عبر نظام المقاصة. ولقد كنا بقدر ما ندعم هذه السياسة الاجتماعية ندعو إلى جعلها أكثر استهدافا للفئات التي تستحق وتستوجب الدعم. وذلك من خلال تحسين حكامة صندوق المقاصة، وهذا الأمر للتذكير كنا قد وقفنا عنده مطولا في مناقشة أول قانون مالي تضعه هذه الحكومة أمام أنظار البرلمان في أكتوبر 2007. أكدنا خلاله أن الشرط الأساسي الذي يمكن من التحكم في الغلاف الكلي للدعم هو إتباع سياسة إستهدافية ومشروطة في تقديم وتوزيع الدعم. و ابتداء من هذه السنة بدأنا جني ثمار إصلاح هذا النظام الذي سيستمر في الزمان، حتى يصل إلى أهدافه الكبرى. فالتقييم الأولي للتجربة النموذجية في إطار برنامج "تيسير" تنبأ بأن انطلاق إعادة النظر في عمل هذا الصندوق تسير في الاتجاه الصحيح، وتشير الإحصائيات المتوفرة إلى حد الآن أن الدعم المباشر للأسر في برنامج " تيسير" قد مكن من رفع عدد التلاميذ المسجلين برسم الدخول المدرسي 2008/2009 ب 10.5% في السلك الابتدائي و 25.8% في السنة الأولى من هذا السلك وتخفيض عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة بنسبة 71%. وفي نفس الاتجاه فقد استفادت كل الجماعات المعنية بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مقابل 50% سابقا بعد التحول الذي عرفته عمليات المقاصة الخاصة باستهداف الدعم للفئات المعوزة، واستفاد العالم القروي بنسبة 66% مقابل 46% فقط سابقا. إذ أركز على هذه المؤشرات وأكتفي بها، فذلك فقط لإظهار بأن الإصلاح يبقى ممكن ومثمر كلما توفرت له النيات الصادقة والكفاءات اللازمة. 3.3 السياسة الميزانياتية والجبائية. سأركز نقاشي في النقطة الأخيرة من تدخلي هذا، حول السياسة الميزاناتية في علاقتها بعقلنة التدبير العمومي و توطيد الحكامة الجيدة . و حول السياسة الجبائية في علاقتها بالتخفيف من الضغط الجبائي و توسيع الوعاء الضريبي وترشيد المصاريف الجبائية كآلية تحفيزية. ففي الموضوع الأول و علاقة بإشكالية ضبط عملية الصرف العمومي نطمح إلى الإسراع في إدخال و تطبيق آليتي البرمجة المتعددة السنوات للنفقات و التدبير المرتكز عل النتائج، هاتان المسطرتان ستسمحان بتقييم مستوى تحقيق الأهداف المالية و الفعالية السوسيو-اقتصادية للنفقات العمومية، و بالتالي السماح بضبط عمليات الصرف العمومي مع إتاحة إمكانية التدخل لتصحيح الاعوجاجات في الوقت المناسب . و في نفس الإطار نرى أن تطوير نظام التدبير المندمج للنفقات (gid) لمن شأنه أن يحسن مستوى التواصل بين المتدخلين في عمليات الصرف والمكلفين بالبرمجة والمراقبة. وان أي تحسن على هذا المستوى يفظي بالضرورة إلى تبسيط الإجراءات الشكلية وبالتالي السماح بالتتبع الأمثل للفعالية الاقتصادية للنفقات العمومية، هذا بالإضافة إلى دعم آليات المراقبة البعدية التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات. نؤكد على هذا لأنه سبيلنا إلى محاربة الهدر وبالتالي تكثيف جهودنا لتحقيق الأهداف التنموية التي تحتاجها البلاد . وفي موضوع السياسة الجبائية وإن كنا نقر بأن نظامنا الجبائي عرف نقلة نوعية في العشر سنوات الأخيرة خاصة، على مستوى التبسيط والعصرنة وعقلنة المنظومة الجبائية الوطنية وإصلاح الجبايات المحلية. إن عملية التجميع التي أسفرت عن إصدار المدونة العامة للضرائب يبقى عمل كبير لا يمكن الاستهانة به على اعتبار أنه يؤسس لمبدأ العدالة الجبائية ومبدأ المساواة أمام الضرائب كأهداف سامية لكل سياسة جبائية. إننا نجد في هذا التجميع، وإن كان يظهر للبعض عملا شكليا، عملا يمس الموضوع على اعتبار أن تسهيل الولوج إلى النصوص الضريبية هو ضمان لحق إطلاع الملزمين على حقوقهم وواجباتهم. واقتناعا منا بجدية الإدارة الضريبية في التعامل مع هذا المصدر التمويلي الهام والذي لا يمكن أن ينكر أحد أنه أصبح يأخذ مكانته الحقيقية وتدريجيا في تمويل الميزانية، كما أبنا ذلك في المحور السابق، مقارنة مع المصادر التي أسميناها بالاستثنائية، وذلك نتيجة للإصلاحات المتتالية لبعض الضرائب. يكون المطلوب في المستقبل هو العمل على تخفيف الضغط الضريبي للوصول إلى معدلات مقبولة وذلك يمكن أن يتأتى لنا من خلال بحث إمكانية توسيع الوعاء الضريبي وإعادة النظر في الاستثناءات الجبائية التي تعطى في شكل إعفاءات أو تخفيضات أو إسقاطات من القاعدة الضريبية العامة. وإن كان هذا لا يعني بالنسبة لنا ترجمة لموقف سياسي تجاه ما يسمى بالنفقات الجبائية فبالعكس من ذلك، نعتبر أن استعمال الآلية الجبائية على سبيل التحفيز الاجتماعي أو الاقتصادي تكون أنجع في بعض الأحيان من النفقات العمومية المباشرة.