بعد إعلان ارتقاء مدينة سيدي سليمان إلى قطب حضري إقليمي، بات من الضروري توفير الإمكانيات المالية والبشرية لبلورة وتنفيذ مخطط استراتيجي لتمكين هذه المدينة من لعب الدور المنوط بها في مجال التهيئة الترابية واستعادة أدوارها التنموية. الكل يعلم أن سيدي سليمان كانت مدينة جميلة لعبت دورا كبيرا في تأطير وخدمة محيطها القروي إلى درجة سماها المتتبعون "مدينة البرتقال" حيث كانت محاطة بضيعات الليمون، والمزارع الخضراء، وبساتين التين والرمان،... كما شكلت سوقا كبيرا لترويج المنتوجات القروية للجماعات المجاورة. إن ارتقاءها اليوم لتكون مقرا لعمالة جديدة إلى جانب عمالات وأقاليم المملكة يحمل أكثر من دلالة. إنه اعتراف ضمني بإمكانيات المدينة الطبيعية، والبشرية، والاقتصادية، والثقافية وحاجتها لقوة مؤسساتية لتدعيمها وتحريكها من خلال فتح آفاق واعدة للنخب التي تزخر بها هذه المدينة ومحيطها في مختلف المجالات بالطبع هناك مواضيع كثيرة تستحق العناية ولفت نظر المسئولين والفاعلين إليها في هذه المدينة، والتي سنتطرق إليها بالتدريج في المستقبل إرادة منا في الإسهام في تقوية المجهود التدبيري والتخطيطي لتأهيل ترابها في أفق تحويله إلى مجال يحمل كل مقومات الاندماج الترابي الدائم. وفي هذا السياق، فضلنا تناول إشكالية الرعاية الاجتماعية بالمدينة وذلك لعدة اعتبارات وسنركز على مؤسسة دار الأطفال لقدمها ولأهميتها في مجال التنمية البشرية والاجتماعية. إن اهتمامنا بهذا الموضوع كأولوية راجع لاقتناعنا الراسخ بكون النجاح في التعامل مع الفئات المحرومة تعد من أولويات الفعل العمومي. فلا يمكن لمدينة متوسطة الحجم أن تتحول إلى مقر عمالة وهي تشكو من مستويات مرتفعة من الهشاشة والتهميش خصوصا لفئات الأطفال، والعجزة، والفقراء، والمختلين عقليا، والأشخاص بدون مأوى، .... كما توخينا من خلال هذا المقال الإسهام في تدعيم الدور الإعلامي في مجال تتبع وتقييم الأوراش الاجتماعية التي أنجزتها الدولة في إطار برامجها الاجتماعية خصوصا في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. لقد أصبح الإعلام اليوم الوسيلة الناجعة والآلية الضرورية للتقييم المستمر للتدبير الشأن المحلي وبالتالي مساعدة المؤسسات على تتبع الإنجازات وكشف الإعوجاجات وتقييم وقع المشاريع على الحياة المجتمعية محليا. كما شكل لنا خطاب العرش 2009 مناسبة للتأمل في محتواه. بالفعل، لقد بذل المغرب مجهودات كبيرة لتشييد المنشآت والمشاريع الاجتماعية، لكن وقعها على المجالات المحلية وعلى حياة المواطنين لا يرقى إلى التطلعات المنتظرة. لقد أقر جلالة الملك أن المعضلة أعمق وأكثر إلحاحا وفي حاجة إلى "إقرار ميثاق اجتماعي جديد". كما أشار جلالته كون ثمار الانفتاح الاقتصادي وتدفق رؤوس الأموال لم تعم جميع المغاربة. فقد استمرت معدلات الفقر في الارتفاع وتدحرج المغرب في سلم التنمية البشرية الذي تعده الأممالمتحدة. ومن خلال تجوالنا بمدينة سيدي سليمان وزيارتنا للمرافق الاجتماعية، استنتجنا أن المدينة لا تتوفر اليوم إلا ثلاث منشآت اجتماعية مفتوحة أمام المستفيدين. ويتعلق الأمر بدار العجزة ودار للمقعدين والمعطوبين (الجمعية اليوسفية الوطنية) بحي أولاد الغازي ودار الأطفال وسط المدينة. فإذا كانت الأولى والثانية لا ترقيا إلى مستوى منشئتين اجتماعيتين سواء تعلق الأمر بطبيعة بنايتهما، أو ظروف الإيواء أو التأطير بهما، فإن الثالثة استفادت من بعض المجهودات لكنها لم ترق بعد إلى مستوى نجاعة الفعل الخيري. كما لاحظنا كذلك أن المدينة قد استفادت من بعض المشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لكن، إضافة إلى عدم كفايتها بالمقارنة مع الحاجيات المعبر عنها، فإن هذه المرافق لا زالت مغلوقة. فدار العجزة ودار الطالبة اللتان تم انجازهما مؤخرا لم تفتحا بعد في وجه المستفيدين بالرغم من انتهاء الأشغال بهما (من المفروض فتحهما في بداية الموسم الدراسي المقبل نظرا للحاجة الماسة إليهما). ومن أجل الاستفادة من دروس الماضي في هذا المجال لتحسين مستوى تدبير المنشآت الاجتماعية بالمدينة، خصوصا الجديدة والمبرمجة منها، ارتأينا كما سبق أن قلت التركيز على دار الأطفال كنموذج لما لهذه المنشأة من أهمية كبرى بالمدينة. كما اعتمدنا كمرجع لتقييم وضعها على الظهير الشريف رقم 1.06.154 الصادر بتاريخ 22 نوفمبر 2006 بتنفيذ القانون رقم 14.05 المتعلق بشروط فتح مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتدبيرها والمرسوم رقم 2.07.809 الصادر بتاريخ 03 يوليوز 2007 بتطبيق القانون رقم 14.05 المتعلق بشروط فتح مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتدبيرها. ومن أجل تشخيص الوضع بكل موضوعية اعتمدنا كمنهجية على الزيارات للمنشأة وعلى محاورة رئيس جمعية قدماء مستفيدي مؤسسة الرعاية الاجتماعية دار الأطفال سيدي سليمان السيد عبد الخالق لحمر وبعض الفعاليات بالمدينة. قبل تقييم وضع هذا المرفق نود أن نؤكد للقارئ مدى أهميته لكونه يهم الطفل. وعندما نتكلم عن الطفولة نتكلم على فترة جد حساسة في تكوين شخصية مواطن الغد في المجتمع. ولبناء شخصية متوازنة وقوية لأطفالنا ينبغي التعامل مع هذه المرحلة بجدية سواء تعلق الأمر بالمجال التربوي أو التأطيري أو بتوفير الحاجيات الضرورية للطفل من مأكل ومشرب، وملبس، وترفيه، وتكوين مستمر. وبصفة عامة لاحظنا أن بالرغم من استفادة هذا المرفق من مجهودات تجهيزية ولوجستيكية مهمة، لا زال يحتاج إلى مجهودات إضافية للاستجابة للشروط الوظيفية المطلوبة، والتي نذكر منها: - تحسين ظروف الإيواء: ويتعلق بالعناية اليومية بحجرات النوم (النظافة والتنظيم، وضرورة حصول كل مستفيد على حيز مناسب مخصص للنوم دون مضايقة للمستفيدين الآخرين مع تهيئ ممرات تيسر التحرك داخل المرقد)، ومرافق النظافة والاستحمام والمغسلات (النظافة، والتجهيزات الضرورية). فإضافة إلى النظافة والعناية بتوفير الشروط الصحية في هذه المرافق وجب احترام المساحات والمواصفات والتجهيزات الضرورية مع مراعاة جنس وسن وكذا الحالة الصحية للمستفيدين. كما يجب توفير تهوية وإضاءة كافيتين وذلك بفتح نوافذ مجهزة تعادل على الأقل سدس مساحة أرض المرقد. - تحسين ظروف التغذية: إضافة إلى تنويع التغذية واستيفاءها للشروط الصحية، وجب توفير الشروط الضرورية في المطعم تمكن المستفيدين من الجلوس دون مضايقة أحدهم للآخر. إضافة إلى ضرورة التوفر على مخزن ومطبخ بمساحات وتجهيزات كافية وشروط تخزين صحية خصوصا شروط التبريد بالنسبة للمواد الغذائية مع العناية بقسم التحضير، وقسم الطهي، وقسم الغسل وتوفير شروط السلامة. - تحسين ظروف التأطير والمطالعة والترفيه: يجب توفر المنشأة على قاعات كافية للتأطير والمواكبة التربوية والاجتماعية والترفيه. - الإدارة وتدبير التأطير والمراقبة المستمرة: يجب تدعيم المؤسسة بأطر كفئة تستوفي مؤهلاتها للشروط المنصوص عليها في القوانين المنظمة لهذا المجال لتحقيق مداومة في التأطير التربوي والصحي. فإضافة إلى المدير والمسؤول المالي والحارس العام، تحتاج المؤسسة إلى مرشدين اجتماعيين، ومروضين طبيين، ومسئول مختص في المطبخ، ومربيون، وجلساء بالنسبة للأشخاص الذين يوجدون في وضعية صعبة، وطبيب في الطب العام، وطبيب نفساني يعملان على الأقل مائتين وأربعين ساعة في السنة، وأعوان بعدد كاف،... فإضافة إلى استنتاجنا لإجبارية توفير هذه الضروريات، مكنتنا تحرياتنا من الوقوف عن كتب على الدور الحيوي للمجتمع المدني في دعم سياسة الرعاية الاجتماعية. وفي هذا الصدد، أبرزت التجربة بمدينة سيدي سليمان شجاعة بعض قدماء نزلاء دار الأطفال والذين بادروا إلى تسخير تجربتهم في هذا المجال لخدمة هذه المنشأة من خلال تأسيس جمعية لتحقيق هذه الأهداف. وبالفعل، وعلى لسان رئيسها عبد الخالق لحمر، لعبت هذه الجمعية دورا محوريا في مجالات التأطير التربوي والترفيه والتنشيط الاجتماعي، لسد الخصاص في هذه المجالات. إنها مبادرة جسدت بجلاء دور المجتمع المدني في ترسيخ قيم التضامن والتكافل الاجتماعيين. ومن خلال حوارنا معه، صرح لنا بالأهداف التي رسمها مع أعضاء جمعيته للرفع من جودة خدمات هذه المؤسسة، والتي نذكر منها: - الرفع من معنويات النزيل ماديا ومعنويا ومن تم تقوية مهاراته وبالتالي قدراته على التحصيل الجيد. - الاندماج والانخراط والمشاركة كأساليب لبناء شخصية النزيل. - التعريف بالحقوق والواجبات داخل المؤسسات التعليمية والتربوية. - القضاء أو الحد من ظاهرة الهذر المدرسي. - القضاء أو الحد من بعض الظواهر التي أصبحت مستشرية داخل المؤسسات التربوية كالتدخين بمختلف أنواعه والممارسات اللاأخلاقية وغيرها. - الاعتماد على دروس الدعم لتقوية المستوى الدراسي للنزلاء. - تنظيم مسابقات ثقافية وأمسيات فنية. - تنظيم جلسات استماع للنزلاء لعرض معظم مشاكلهم الأسرية والشخصية ومعاناتهم داخل المؤسسات التربوية. - تنظيم رحلات جماعية. - التحفيز على ممارسة الأنشطة الرياضية. ومن أجل تفعيل هذه الأهداف، تم الاعتماد على التطوع لخدمة هذه الفئة العمرية المجتمعية حيث لجأت الجمعية لطلب مساعدة رجال التعليم والمنشطين من أجل التطوع بحيز من وقتهم لدعم النزلاء تربويا وكذا تتبع أوضاعهم الدراسية في المؤسسات التعليمية. هكذا، فمن 141 نزيلا، نجح 94، وانقطع عن الدراسة 11، ورسب 29، وفصل عن الدراسة 7. واعتبر رئيس الجمعية هذه الحصيلة مشرفة مقارنة مع ما تشكو منه المؤسسة من نواقص ومشاكل والتي نذكر منها: - ضعف في مجال التأطير التربوي والمراقبة المستمرة، ناهيك عن عدم توفر المنشأة عن قاعة للمطالعة حيث تستغل قاعة واحدة للأكل والمراجعة. - وجود نقص حاد في المرافق الضرورية لخدمة النزلاء، إضافة إلى تفشي بعض الظواهر غير المقبولة كإجبار النزلاء بإخلاء المنشأة بعد وجبة الفطور بالرغم من كونهم في أغلب الأحيان غير ملزمين بحصص دراسية صباحية مما يدفعهم إلى التسكع في الشوارع والأزقة وما قد يسبب لهم ذلك من إرهاق ومن تعاطيهم للعادات والظواهر غير الأخلاقية (التدخين، السرقة، العنف،...). - غياب التأطير والمراقبة انطلاقا من الساعة السابعة والنصف مساء حتى الساعة السادسة صباحا وما قد يسببه ذلك من تأثيرات سلبية على تربية الأطفال. - إرغام النزلاء على مغادرة المؤسسة يومي السبت والأحد وما يسببه ذلك من مشاكل بالنسبة للأطفال جراء صعوبة توفر وسائل النقل وقلة الوسائل. واعتبارا لما سبق، يتضح جليا أن سياسة الرعاية الاجتماعية محليا تحتاج إلى اجتهاد متواصل للفاعلين المعنيين بهذا القطاع من سلطة محلية ومجلس بلدي ومصالح خارجية مختصة ومجتمع مدني. إن تحقيق الالتقائية في هذا المجال يبقى مرهونا إلى حد بعيد بمدى قدرة الفاعلين على استيعاب جسامة المسؤولية في هذا المجال. على المجلس البلدي بدعم من السلطة المحلية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الالتقائية في مجال الرعاية الاجتماعية، وقطاع الشباب والتنشيط الاجتماعي. فالوصاية على المنشآت الاجتماعية والإشراف عليها يتم تفويتها إلى القطاعات الوزارية المختصة بمقتضى دورة للمجالس القروية والحضرية بحضور كافة القطاعات المعنية، بينما تدبيرها لن يكون ناجعا إلا بتضافر الجهود بين الفرقاء المؤسساتيين وجمعيات المجتمع المدني (أعضاء المجلس البلدي، الموظفون الجماعيون بعد خضوعهم لتكوين مستمر في مجال فعل مؤسسات الرعاية والتنشيط الاجتماعي،.الفعاليات الجمعوية، وتطوع القطاع الخاص، والفعاليات المحلية،...). < (سيدي سليمان)