كائن زئبقي يتأبى على المسك، مؤشر منفلت يستنكف عن الوصف، مشجب لا سلكي نعلق عليه فشل منظوماتنا مرارا، زائر ثقيل نقذفه بالشتم والسب مرارا وتكرارا. الركود، الملل، السأم، القنوط، الروتين.....مسميات عدة لمعنى واحد يقبع على دنيانا منذ زمن بعيد، يطل علينا من شرفة هذه الحياة المادية، فيحيلها- على فساوتها-إلى مشاهد مخجلة ولوحات بائسة، نحاول عابثين اقتناصه وطرده عنها، لكن هيهات ! فهو يتسلل بين ظهرانينا ويعبث بمشاريعنا،ويحيل آمالنا العريضة إلى انتكاسات بليدة،عنوانها البارز والعريض:لا نجاح بدون إرادة حقيقية عنوان، اهمس به بدوري في أذن كل ذي قرار،عله يمتطي مطية العزم لامتلاك ناصية الإرادة ، ومن ثمة عصا التغيير الجذري للحد من معاول الهدم التي تتربص بمنظوماتنا، وعلى رأسها معول الرشوة، والزبونية ، واقتصاد الريع، والفساد المقنع، والارتجال القانوني، والكيل بمكيالين، والنط على الحبلين.... مضامين شتى لمسلسل واحد، هو الفشل في أبهى تجلياته، والانتكاسة في أجمل صورها. ولسنا نعدم الأدلة على صدق القول لأن نظرة فاحصة لدواليب حياتنا اليومية، تصرخ بهذا الفشل وتلك الانتكاسة، وتصيح بأن الأزمة عندنا أزمة إرادة، لا أزمة قوانين. فلا مشهدنا السياسي في ظل ترحال حزبي عجيب، وبلقنة غريبة بخير، ولا مشهدنا العلمي التعلمي في كنف هذا النموذج التعليمي تارة وذاك أخرى صحيح، ولا مشهدنا الحقوقي الذي نتفيأ ظلاله في قضاء لا مستقل سليم وسوي، ولا مشهدنا الثقافي ومعه السمعي البصري مبدع ولا حتى مقنع، ولا مشهدنا الاقتصادي في غضون عوالم الريع والإكراميات الضخمة ... مستقيم، ولا مشهدنا الرياضي في ظل المسؤولين عن دفتيه، والساهرين عن جمعياته قويم. وبالجملة، ردح من الزمن وترتيبنا مخجل في سلم التنمية، ردح من الزمن ونحن على حالنا: نسأل ونعيد السؤال بامتياز، وغيرنا يجيب و بامتياز نجرب ونجرب لنعيد التجربة، وسوانا ينفذ ويتسلق سلالم التنمية نتردد بين اعتماد هذه الخطة وتلك ، فلا نبرح مكاننا من كثرة التردد، والآخر يمتلك عزيمة الفعل ولا شيء غير الفعل ليبني صرحه الشامخ نجيد فن الكلام، وسوانا يتقن فن الإصغاء نفشل ونفشل، وإن حالفنا الحظ ونجحنا، دعونا بعضنا البعض للتهليل والتصفيق، و أعدنا سيناريو هذا النجاح بدون كلل ولا ملل، ولا عجب! هي ومضات ركود بلا منازع، وملامح قنوط ليس إلا! فهل قدرنا يا سادة، يا أهل الحل والعقد، أن نعيش ونموت على ومضات هذا الركود المخيف؟ أم قدرنا أن ننتظر رياح التغيير إلى ما لانهاية؟ سؤالان، سأترك لمهتمين جدد فرصة تحرير جوابيهما، بل ربما قد أعود إليهما بعد فترة من الزمن قد تطول أو تقصر، والطول أرجح لا محالة.