تتراوح المواقف التي تبديها قيادات من حركة فتح بشأن الحوار الوطني طبقاً للتيارات التي ينتمون إليها والمكاسب التي يمكن تحقيقها من المصالحة بعد أن تحولت الحالة الفلسطينية إلى مشاريع خاصة لمتنفذين. فالمستفيدون من وجود سلام فياض غير معنيين البتة بالمصالحة ومن فقدوا حقائبهم الوزارية يسعون بكل جهدهم لإنهاء إمبراطورية فياض الورقية التي رفعت أناس وهبطت بآخرين إلى الهامش. صراعات داخل فتح ومع الحديث عن حوارات القاهرة المقبلة بدأت تيارات داخل حركة فتح تطعن في أخرى تعتقد أنها ستكون مستفيدة في حال نجاح حوار القاهرة. حيث شهدت الأيام الأخيرة تسريبات إعلامية مسمومة من قبل تيارات في حركة فتح ضد شخصيات مثل جبريل الرجوب وأحمد حلس. فقد روجت شخصيات في حركة فتح لأخبار في وسائل الإعلام عن اتفاق بين حماس وجبريل الرجوب من أجل تسليمه مهمة الإشراف على الأجهزة الأمنية في حكومة ما بعد المصالحة، وقبل يومين تم تسريب خبر عن اتصالات يجريها عضو المجلس الثوري لفتح أحمد حلس مع أحمد الجعبري القيادي في القسام من أجل تأمين عودته إلى غزة، حيث تم وصف الجعبري بالخبر بقاتل الفتحاويين والهدف هو الطعن في أحمد حلس وتأليب قواعد حركة فتح عليه ضمن صراعات داخلية من أطراف داخل فتح ، تماما مثلما يتم تأليب قواعد في فتح على جبريل الرجوب وكأن مؤامرة تحاك بينه وبين حماس من وراء الكواليس. تضارب المصالح وتأتي مثل هذه الأخبار الملفقة وبهذه الطريقة من قبل أطراف في فتح ضد مثل هذه الشخصيات للاعتقاد بأنه سيكون لها مكانة أكبر في فترة ما بعد المصالحة على حساب شخصيات ومحاور أخرى داخل حركة فتح، وبالتالي تقتضي ضرورات الصراع الحاد بين هذه الأجنحة تشويه بعضها البعض. أما عزام الأحمد رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي، فهو كما يقول العارفون به أنه لا يستطيع أن يعيش دون أن يكون وزيراً، وقد تم تهميش دوره كثيراً بعد تسلم فياض لـ رئاسة الوزراء ، علما أنه كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية (رئيس وزراء الضفة كما يحلو للبعض تسميته حينها). وتشهد العلاقة بينه وبين فياض توتراً شديداً وهو يلوح له بالتهديد بأن نهايته مرهونة بالمصالحة وزوال الانقسام. ويعتبر الأحمد أن دور فتح في المؤسسات قد تضرر كثيراً ولا بد من إيجاد صيغة ما تنهي الوضع القائم، وبعد أن يئس من إمكانية تغيير سلام فياض كرئيس للوزراء واستبداله بشخصية فتحاوية في ظل الانقسام بسبب الفيتو الأمريكي الداعم لفياض لا يجد بدا من التوصل لتفاهم ما مع حماس يمكن أن يزيح فياض من الواجهة؛ لكن ليس بدون أن يحصل على ثمن مقابل التفاهم مع حماس ؛ فهو الذي مازال يصدر تصريحات هنا وهناك عن رفض عقد لقاء ثنائي مع حماس إلا بشروط. ويبقى صوت أبو شاكر النتشة وآخرون من الأصوات، التي توصف بـ العقلانية القليلة داخل فتح في الداخل التي تسعى لإنهاء الانقسام من منظور وطني خالص، ولكن التساؤل الهام حول ثقلهم في صنع القرار الفتحاوي؟. أمراء الأجهزة الأمنية أما أمراء الأجهزة الأمنية فلهم رأي آخر؛ فهم يعتبرون أنفسهم متضررين بشكل مباشر من أية مصالحة نظراً لممارساتهم السلبية وأخطائهم في مرحلة ما بعد الحسم العسكري في القطاع، لذلك قاموا وبشكل ممنهج بتصعيد حملات الاعتقال ضد كوادر وأنصار حماس مع تزايد الحديث عن الحوارات والمصالحة وكأن هذه هي الأجواء المطلوبة لإنجاح الحوار. فهؤلاء يعرفون أنهم سيخسرون مواقعهم بشكل تلقائي في أي اتفاق قادم لأنهم يمثلون مرحلة سوداء، سيما وأن بعضهم كان يتصرف خلال العام والنصف الأخير وكأنه لن تكون مصالحة يوما ما فغالوا في عداء حماس ومارسوا كل المحرمات. خطاب تحريضي أما الخطاب الإعلامي الذي تقوم به وسائل إعلام حركة فتح ؛ فلا يوجد فيه أية جدية في التوجه نحو مصالحة وطنية، فالمتتبع لطبيعة الخطاب الداخلي يجده خطاباً تعبوياً ضد حماس يزرع الحقد والكراهية ولا يدل على أي توجه جديد لدى ديوان الرئاسة. ويبقى السؤال الهام هو أي تيار في حركة فتح هو الذي سيحاور حماس في القاهرة، وهل يستطيع هؤلاء أن يفرضوا تفاهماتهم على قواعد فتح وتياراتها المختلفة؟.