بينما سعت البوليساريو وكذلك الجزائر إلى الظهور بمظهر المرحب بتعيين كريستوفر روس لخلافة بيتر فان فالسوم مبعوثا شخصيا جديدا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ليقود من جديد المفاوضات المجمدة؛ لم يبد المغرب بالمقابل أي موقف من هذا التعيين. حتى وإن ظلت الصحف الجزائرية؛ خصوصا منها المقربة من دوائر القرار تكرر أن الرجل سبق وأن عمل سفيرا لبلاده بالجزائر وبسوريا؛ وهي تحاول أن توحي إلى أن الدبلوماسي الأمريكي المحسوب على الحزب الديمقراطي؛ قد يغير من اتجاه الموقف الأممي من المشكل. لكن العودة إلى رسالة السفراء السابقين لأمريكا والتي نشرت أول أمس تكشف حدود هذه القراءة الجزائرية، حيث ذهبت الرسالة بوضوح إلى دعم موقف إدارة بوش الداعم لمشروع الحكم الذاتي، والإعلان عن الفشل الذرع للأمم المتحدة في تدبيرها للملف، كما أن انحسار الدعم للموقف الجزائري في الاممالمتحدة واسترمرار ارتكازه على جنوب إفريقيا هو الآخر تعبير عن مأزق حاد للجزائر والبوليساريو، وهو المأزق الذي دفع بوزير خارجية الجزائر إلى أن يصرح في حوار مع يومية الشرق الأوسط أن المشكل بين المغرب والجزائر سببه الصحراء وإصرار المغرب على الحكم الذاتي. الواقع أن الربط بين السفير السابق لأمريكا كريستوفر روس في الجزائر، وبين الحزب الديمقراطي الذي تتجه أغلب استطلاعات الرأي إلى أن مرشحه باراك أوباما سيكون هو الرئيس الأمريكي بعد نونبر المقبل، واعتماد ذلك كمؤشر على تحول قادم في السياسة الأمريكية تجاه النزاع، يستبطن مبالغات كبيرة إن لم نقل وهما جديدا، تروجه بعض الدوائر لدفع البوليساريو نحو مزيد من الرفض والتعنت إزاء المقترح المغربي، وتعليق انطلاق التفاوض حوله إلى أجل غير مسمى مثل ما حصل في الجولات الأربع من مفاوضات مانهاست. ولعل في الاضطرار الجزائري للتعبير عن الموقف المتشنج من المغرب والذي يرهن تسوية المشكلات معه بقضية الصحراء، تعبير عن استنفاد باقي أوراق الضغط الجزائري لفعاليتها. المؤكد أن تعيين كريستوفر روس والذي أصبح مسألة وقت بعد رسالة السفراء الخمس، يحيي رهانا آخر؛ يتمثل في وجود استعداد الولاياتالمتحدةالأمريكية للانخراط من جديد عبر وسيط يستند على دعمها في هذه القضية العالقة منذ أزيد من ثلاثين سنة؛ ولكن السؤال هو في أي اتجاه ستدلي واشنطن بدلوها؟ يُستبعد جدا أن لا يأخذ كريستوفر روس في الاعتبار ما توصل إليه سلفه الهولاندي من استحالة الاستمرار في مطاردة خيط دخان واهم لا زالت البوليساريو مدعومة بالجزائر تتعنت في المطالبة به؛ فقد ضمن بيتر فان فالسوم تقريره الذي وضعه قبل أن يغادر موقعه؛ أن استقلال الصحراء خيار غير واقعي. وهو التقرير المرتقب أن تأخذ الأممالمتحدة به. كما أن كاتبة الدولة الأمريكية كوندوليزا رايس أكدت خلال زيارتها الأخيرة للمنطقة على أنه لا مجال لأي رجوع إلى نقطة الصفر وأن المقترحات المطروحة على طاولة المفاوضات ستقود بالتأكيد إلى شكل من أشكال الحكم الذاتي. والحال أن هناك فقط مقترحا واحدا مطروحا على طاولة المفاوضات هو المقترح المغربي. مما يجعل الرهان الجزائري على أي تغيير في موقف الأممالمتحدة بعد تعيين كريستوفر روس لن يكون إلا رهانا خاسرا. من المنتظر إذن أن تستأنف المفاوضات من جديد بعد أن جُمِّدت لمدة بعد وصولها إلى الباب المسدود. غير أن هناك مؤشرات تدعو إلى القلق من أن تصطدم من جديد بنفس الباب المسدود؛ فقد صرح وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي في استجواب أجرته معه اليومية اللندنية الشرق الأوسط في نيويورك على هامش مشاركته في الدورة الثالثة والستين لأشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن علاقة الجزائر بالمغرب حسنة وطيبة، وأن موقف المغرب من الصحراء هو المشكل الوحيد الذي يمنع تطبيع هذه العلاقات. تصريح مثل هذا يعني أن الجزائر لا زالت مصرة على دفع البوليساريو إلى مزيد من التعنت. وهوما يعني أن الجولة الخامسة التي توقع الوزير الجزائري أن تستأنف قبل نهاية السنة الجارية سوف تنتهي هي الأخرى إلى ما انتهت إليه سابقاتها. فالكرة في الحقيقة منذ البداية في مرمى الجزائر. وهي وحدها تملك أن ترفع يدها عن المشكل حتى يجد طريقه إلى الحل.